تمسكت الحكومة الأردنية باستمرارها رغم المطالبات الشعبية بإقالتها بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ عدة سنوات وتفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية وهذا العام، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار وخاصة المشتقات النفطية التي بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة.
وفي الوقت الذي كان الشارع الأردني ينتظر فيه استقالة الحكومة وخاصة بعد تطورات الأحداث والتداعيات الناتجة عن إضراب الشاحنات وعدد من وسائل النقل العام واستشهاد 4 أفراد من قوات الأمن العام في المواجهات مع جماعات تكفيرية، فقد فاجأ رئيسها بشر الخصاونة الجميع بإجراء تعديل وزاري اقتصر على وزارة السياحة فقط، في إشارة إلى استمرار حكومته وعدم وجود نية لاستقالتها بسبب الاحتجاجات.
ووفقا للمراقبين، فإن بقاء الحكومة وعدم الاستجابة لمطلب الشارع وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب جاء بالدرجة الأولى انطلاقا من الملفات الاقتصادية المنوط بحكومة الخصاونة إنجازها، بخاصة رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقت أخيرا للسنوات العشر المقبلة وبانتظار الإعلان عن برنامجها التنفيذي.
كما لم تستجب الحكومة لمطالب الشارع بتخفيض أسعار المشتقات النفطية بخاصة مادة الديزل في الوقت الذي أكدت فيه وزارة التنمية الاجتماعية تسجيل ارتفاع كبير في نسبة الفقر في الأردن دون تحديد هذه النسبة بانتظار إعلان نتائج آخر مسوحات أجرتها دائرة الإحصاءات العامة.
وقدّر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الأردن ناصر الشريدة نسبة الفقر في الأردن بـ24% بزياد نسبتها حوالي 6% بسبب تداعيات فيروس كورونا. وفي آخر صور الاحتجاجات على أداء الحكومة، ولا سيما الاقتصادي وعدم تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، فقد أعلن عضو مجلس النواب (البرلمان) محمد عناد الفايز تقديم استقالته من المجلس بعد التشاور مع قواعده الانتخابية.
وكان النائب قد وجه رسالة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يطالبه فيها بعدم تقديم مساعدات للأردن كونها من وجهة نظره لا تذهب لخدمة الأردنيين وإنما لبعض المتنفذين، وهو ما قد يعرضه للمساءلة داخل مجلس النواب واتخاذ عقوبات بحقه.
واستحضر مواطنون أثناء الاحتجاجات الأخيرة ما حدث في العام 2018 لحكومة هاني الملقي التي أٌقيلت على وقع مطالب الشارع بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، ولكن الصورة تبدو مختلفة هذه المرة، والتعاطي مع أزمة إضراب الشاحنات ركز على تخفيض كلف التشغيل للقطاع وعدم تخفيض أسعار المحروقات.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تتولى حاليا إدارة ربما أهم ملفات اقتصادية تستهدف زيادة النمو وتحسين الأوضاع المعيشية والحد من الفقر والبطالة من خلال تعهدها بتوفير مليون فرصة عمل على مدار السنوات العشر المقبلة هي مدة رؤية التحديث الاقتصادي.
وأضاف أن المصلحة العامة تقتضي استمرار النهج الحكومي بإدارة الرؤية الاقتصادية كون حكومة الخصاونة هي التي اعتمدت الخطة وتعمل حاليا على وضع برنامج تنفيذي تفصيلي لها حتى يتم الشروع بها اعتبارا من بداية العام المقبل.
وقال عايش إن تغيير الحكومة سيؤدي إلى إرباك في المشهد الاقتصادي ولا يعرف إن كانت الحكومة التي قد تتشكل لاحقا ستسير على النهج الاقتصادي نفسه ومواصلة إجراءات تنفيذ رؤية التحديث التي تم إعدادها بجهد وطني وبمشاركة مئات المختصين من مختلف القطاعات.
قدّر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الأردن ناصر الشريدة نسبة الفقر في الأردن بـ24% بزياد نسبتها حوالي 6% بسبب تداعيات فيروس كورونا
وأضاف أن المهم ليس تغيير الحكومات أو الفريق الوزاري وإنما ضرورة العمل على تغيير السياسات الاقتصادية بالتركيز على الاستثمارات واستقطاب مشاريع استثمارية ضخمة تساهم في توفير فرص العمل والحد من البطالة التي لا تزال مرتفعة وبلغت، بحسب آخر بيانات إحصائية، حوالي 22.6% وتقدرها مؤسسات دولية بأكثر من ذلك.
ويواجه الأردن تحديات اقتصادية بسبب قلة الموارد والإمكانات وارتفاع المديونية والعجز المالي للموازنة وتأزم مشكلتي الفقر والبطالة. وأظهر مشروع موازنة الأردن للعام المقبل 2023 أن الحكومة تعتزم اقتراض مبلغ 8.8 مليارات دينار (12.4 مليار دولار)، وذلك لتغطية التزامات مالية مستحقة، وتشمل تغطية عجز الموازنة وتسديد أقساط القروض الداخلية والخارجية وسندات دولارية.
وقدرت الحكومة حجم موازنة العام المقبل بحوالي 11.4 مليار دينار (إجمالي الإنفاق)، بعجز مالي سينخفض قبل المنح إلى 2.664 مليار دينار، في حين أنه سينخفض بعد المنح إلى 1.826 مليار دينار، ليتراجع من 3.4 إلى 2.9 بالمئة في 2023، وفقا لما أعلنه وزير المالية محمد العسعس.
وتقدر مؤسسات دولية، من بينها البنك الدولي، نسبة الفقر في الأردن بأكثر من 27%، فيما تجاوزت البطالة 25% خلال العام الماضي وتراجعت إلى حدود 23% في العام الحالي.
ويخشى متخصصون بالقضايا الاجتماعية من أن يؤدي ارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى حدوث أزمة اجتماعية كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة وخاصة بعد تأجيل قرار منع حبس المدين الذي جرى تمديد العمل به لنهاية العام الحالي.