تبحث الحكومة المصرية عن طوق نجاة لإنقاذ العاصمة الإدارية الجديدة من الغرق، في ظل أزمة مالية طاحنة، وركود تضخمي مستمر منذ عامين، عبر مسارات فنية وتسويقية متعددة.
تستهدف الحكومة، تغيير الصورة الذهنية عن العاصمة الإدارية التي كلفتها نحو 50 مليار دولار من الديون الدولية، ويطلق عليها العامة "الفنكوش"، بتنظيم حملات تسويقية واسعة، لتعريف رجال الأعمال المصريين والأجانب والجمهور بالتسهيلات التي تقدمها للمستثمرين والأفراد.
في حلقة نقاشية موسعة بجمعية رجال الأعمال المصريين مع خالد عباس رئيس العاصمة الإدارية، أمس الاثنين، كشف المسؤول المصري عن تحوّل العاصمة الإدارية إلى شركة قابضة، خاصة لقانون الاستثمار 159، أسوة بشركات القطاع الخاص، فئة (أ).
إعادة هيكلة العاصمة الإدارية
ويعني ذلك، وفقاً لعباس، إعادة هيكلة العاصمة الإدارية بالكامل، ولتصبح شركة تنمية وتطوير عقاري واستثمار وإدارة لها الحق في إنشاء شركات تابعة ومشتركة تقدّم الخدمات الفنية والترفيهية، وإنهاء التراخيص والصيانة.
وأكد المسؤول نقل كافة الأصول والتزاماتها المملوكة للدولة إلى الشركة الجديدة، بهدف إعادة هيكلتها تمهيداً لطرح نسبة من الأصول في بورصة الأوراق المالية.
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول نسب وتوقيتات طرح أسهم العاصمة الإدارية، قال عباس: "ليس لدينا سيناريو محدد للطرح حالياً، فلا يمكن تحديد موعد الطرح على وجه الدقة، دون الانتهاء من تنفيذ شروط الرقابة المالية، التي تتطلب تجهيز الطرح من قبل شركات المراجعة المالية الدولية، وإعلان نتاج الأعمال والميزانية كل 3 شهور".
وأشار إلى أنّ هذه المطالب ربما تكون جاهزة قبل يوليو/ تموز 2024، وعلى أثرها سيتم اختيار مستشار الطرح، ووضع نسبة الطرح وقيمة السهم.
وتوقع عباس أن تصل قيمة أصول شركة العاصمة الإدارية الجديدة، إلى تريليون جنيه (نحو 32.3 مليار دولار)، كاشفاً أنّ الأصول المنقولة من الدولة إلى الشركة، بلغت 255 مليار جنيه عام 2022، وسترتفع إلى نحو 300 مليار جنيه بنهاية العام الجاري، متوقعاً أن تحقق أرباحاً في حدود 22 مليار جنيه العام الحالي.
تأتي الأرباح متدنية بالنسبة لحجم الأصول، بينما يعتبرها عباس مرحلة مؤقتة لتلافي المشاكل التي مرت بها مشروعات العاصمة الإدارية خلال السنوات الأولى للتشغيل.
وأكد أنّ العاصمة الإدارية تتعامل مع المؤسسات الحكومية، كباقي القطاع الخاص، بعد نقل أصول الحكومة إلى الشركة، من بينها الحي الحكومي وإعادة تأجيره إلى الوزارات، لمدة 49 عاماً، مقابل مقاصة بالضرائب والديون الحكومية المترتبة على الشركة، مع زيادة 5% بقيمة الإيجارات سنوياً.
نقلت الحكومة إلى شركة العاصمة الإدارية ملكية المساجد والكاتدرائية، والحدائق العامة، والبرج الأيقوني الذي حصلت على قرض لبنائه بقيمة 1.2 مليار دولار، مقابل السماح للشركة بالتصرف في ما لديها من أراضٍ بالبيع للشركات والجمهور خلال المرحلة المقبلة.
وقررت الشركة التوقف عن بيع أراض في المراحل الثانية والثالثة والرابعة، قبل الانتهاء من بيع نحو 6 آلاف فدان، مازالت متبقية كمتخللات بين المشروعات المنفذة، من بين 24 ألف فدان طرحت للبيع في المرحلة الأولى.
يبدأ طرح أراضي المتخللات لإقامة أبراج ومشروعات إسكان على مساحات ما بين 3000 و6000 متر مربع.
لن تسمح شركة العاصمة بإقامة مشروعات صغيرة، أو فردية منخفضة التكاليف، يسعى إلى تنفيذها أغلب المطورين العقاريين، الذين يجدون صعوبة هائلة في إقامة الأبراج الشاهقة التي تطلب الحكومة التوسع بها.
تكاليف مرتفعة لجعل العاصمة الإدارية "رمزاً للحداثة"
تركز الحكومة على أن تكون العاصمة الإدارية "رمزاً للحداثة"، وأن تخضع كل مبانيها لقواعد "المدن الذكية" التي تتطلب نفقات هائلة على إقامة البنية التحتية، بداية من وسائل النقل الأخضر، ومروراً بإنهاء كافة الخدمات، وإجراءات التراخيص عبر تطبيقات الهواتف الذكية، لمن يقيمون ويتعاملون داخل العاصمة.
أظهرت المناقشات وجود هوة واسعة بين طموحات الحكومة وكبار المطورين العقاريين الذين احتشدوا في اجتماع لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال برئاسة المهندس فتح الله فوزي، للاستماع للرؤية المستقبلية، لمسؤول يؤكد أنّ العاصمة الإدارية "أصبحت هي الحكومة".
فاجأ الأعضاء رئيس شركة العاصمة بعدم معرفة أكثرهم بأي بيانات عن مشروعات العاصمة، وعدم معرفة المستثمرين والمصريين بالخارج معلومات تفصيلية عن مشروعاتها، وغياب البيانات الخاصة بطرح الأراضي، مع ندرة التسهيلات الممنوحة للمستثمرين في ظل وجود منافسة هائلة لمشروعاتها العقارية من أسواق السعودية ودبي.
أبدى رجال الأعمال، عدم رغبتهم بالمشاركة في صناعة أبراج شاهقة، بعد أن تعرضوا لخسائر فادحة، خلال السنوات الماضية، بسبب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، الذي ضاعف أسعار مواد البناء.
كما أكدوا عدم قدرتهم على تدبير الدولار اللازم لشراء مستلزمات الأبراج، التي تحتاج إلى أكثر من 50% من مكوناتها من الخارج، مع صعوبة عمليات الاستيراد، وارتفاع التكاليف وزيادة معدلات التضخم في كافة السلع والخدمات بالدولة.
تحذير من الدولرة
طلب المستثمرون أن تقدم الحكومة المزيد من الحوافز المنافسة لما تقدمه دبي والسعودية لشركات التطوير العقاري، لضمان مشاركة المصريين في البناء والتنمية بدلاً من الهروب بأموالهم وخبراتهم إلى الأسواق المنافسة.
كما رفض المستثمرون توجه الحكومة إلى بيع الأراضي والمشروعات العقارية بالدولار، لافتين إلى أن هذا المسار سيؤدي إلى دولرة المنتج العقاري وجرجرة الاقتصاد المصري إلى مستنقع الدولرة، باعتباره من أهم وأكبر عناصره.
وحذر رجال الأعمال الحكومة من ارتكاب مخالفة دستورية بإصرارها على بيع الأراضي والخدمات بالدولار، بما يرفع تكاليف المنتجات تلقائيا بنحو 25% عن قيمتها بالأسواق، مشيرين إلى أنّ السبيل الوحيد لتدبير العملة الصعبة حالياً، هي السوق السوداء.
وكشف المطورون العقاريون عن تسبب الحكومة في رفع أسعار متر السكن من مستويات 16 ألف جنيه بالعاصمة والمدن الجديدة، إلى ما بين 25 ألفاً و30 ألف جنيه.
كما وصل السعر في الأبراج إلى مستويات قياسية، لا يمكن للعملاء تحملها في ظل عدم قدرة الشركات على الحصول على قروض ميسرة أو تسهيلات في تدبير الدولار، مع توقع تعويم قادم للجنيه، أدى إلى توقف أغلب المطورين عن العمل، لحين اتضاح الرؤية المستقبلية لسوق الصرف.
أكد المستثمرون أنّ الوضع الحالي، لا يشجع الأجانب على دفع أموالهم بمشروعات العاصمة الإدارية والصادرات العقارية، في ظل عدم قدرة أصحاب رؤوس الأموال على استرداد عوائد البيع أو الأرباح بنفس العملة، بسبب تراكم الديون والقيود التي تفرضها البنوك على تدبير العملة أمام المستثمرين.
وعد رئيس شركة العاصمة الإدارية بأن يكون طرح أراضي المتخللات في الربع الأول من 2024، بالجنيه، متراجعاً بمنح أفضلية لمشتري الأراضي لمن يدفع مقدم بحدود 20% من قيمة الأرض بالدولار.
وبرر عباس قراره بحاجة مشروعات العاصمة إلى العملة الصعبة، لشراء مستلزمات المدينة الذكية، التي يصفها سياسيون بأنها استنفدت موارد هائلة من الدولة، وكانت السبب الرئيسي في استفحال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
(الدولار= 30.95 جنيهاً تقريباً)