استمع إلى الملخص
- الحكومة المصرية تدعو لحوار وطني لمناقشة التحول من الدعم العيني إلى النقدي بحلول العام المالي 2025-2026، مع التأكيد على زيادة الدعم وفقاً لمعدلات التضخم.
- تواجه الحكومة تحديات في إدارة منظومة الدعم وانتقادات بسبب تصريحات غير دقيقة حول دعم الخبز والسلع، وتحمل المسؤولية عن زيادة الديون والاعتماد على القروض، مما يعمق الأزمة الاقتصادية.
يستفيق المصريون اليوم السبت على ارتفاع سعر الخبز في مصر من 5 قروش إلى 20 قرشاً دفعة واحدة، بعدما كان ثابتاً ولو نظرياً منذ ثلاثة عقود، فيما تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد مع توقع تصاعد معدلات التضخم مجدداً، ما انعكس غضباً بين المواطنين.
فدعت الحكومة المصرية لجان الحوار الوطني إلى فتح ملف التحول بالدعم العيني إلى نقدي، اليوم السبت، ووضع خطة لتنفيذه اعتبارا من العام المالي 2025-2026، مؤكدة الحفاظ على زيادة الدعم وفقا لمعدلات التضخم، تزامناً مع تطبيق زيادة جديدة على سعر الخبز في مصر اليوم.
وظل قرار رفع سعر الخبز في مصر عصياً على الحكومات السابقة منذ تثبيته في العام 1988، خشية تكرار مظاهرات الخبز التي اندلعت في 17 يناير/ كانون الثاني 1977، وهو ما دفع الحكومة الحالية إلى طلب تغيير شامل لمنظومة الدعم، لتتحول إلى الدعم النقدي، الذي لطالما عارضه لسنوات الخبراء والمواطنون. وفجرت زيادة سعر الخبز في مصر موجة غضب شعبية واسعة منذ إعلان رئيس الوزراء، مساء الأربعاء، عن تطبيق الزيادة الجديدة اعتبارا من السبت.
وفي ظل قبضة أمنية مشددة، تحولت موجات الغضب الشعبي إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت عن المواطنين شعورا عاما بالعجز عن مواجهة الغلاء، وعبرت عن قهر المصريين الذين يساقون إلى موجة تضخم جديدة.
غليان بسبب سعر الخبز في مصر
أكد المهندس أحمد شعبان، عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية من البرلمان)، عن حزب التجمع (يسار)، عدم طرح قضية رفع سعر الخبز في مصر في الجلسة العامة للغرفة الثانية من البرلمان، مشيرا إلى أن الحكومة دعت ممثلي الأحزاب والخبراء إلى مناقشة قضية الدعم بصفة عامة في جلسات "الحوار الوطني"، السبت، بعد أن أصبحت عالقة بين مطرقة صندوق النقد بشروطه التي يضعها للتخلص من نظام الدعم العيني، وسندانه لحاجتها إلى القروض لسداد التزامات الدولة للجهات الدائنة، وتمويل العجز في الموازنة العامة.
أضاف شعبان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المناقشات ستطاول مشروع الحكومة لإلغاء الدعم العيني، والذي يشمل الخبز والسلع التموينية، وتحويله إلى نقدي، ليتضمن سداد فروق الأسعار لغير القادرين ممن يستهلكون الكهرباء والبنزين والسولار والغاز، مؤكدا أن الهدف من الحوار دراسة سبل تخفيف الأعباء عن المواطنين غير القادرين على تحمل كلفة المعيشة، وإزالة الاحتقان بين الناس الذين لا يتحملون الهزات الاجتماعية، وسط حالة الغليان التي يعيشها الفقراء من ارتفاع الأسعار والتضخم.
وأشار شعبان إلى وجود اتجاه عام لدى الحكومة والنواب لإلغاء منظومة الدعم العيني للخبز للحد من تسريب أمواله إلى جيوب التجار وأصحاب الأفران، مع تعميم القرار على باقي السلع التموينية، لحصر الاستفادة المادية مباشرة بالمواطن، الذي سيتمكن من شراء الخبز الحر من الأسواق وفقا لجودته والمكان الذي يفضله، على أن يكون الدعم متحركا بما يعادل الزيادة في معدلات التضخم سنويا.
خفض وزن الرغيف
وصفت النائبة سناء السعيد، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، في بيان، قرار زيادة سعر رغيف الخبز بأنه يتناقض مع الزيادة في معدلات الفقر والبطالة والأسعار التي يرصدها جهاز الإحصاء الحكومي شهريا، محذرة من تعارض الأمر مع نصوص الدستور التي تكفل الحماية الاجتماعية للمواطنين، وسط تفاقم أزمات المعيشة التي تواجه الأسر.
كتب النائب أحمد فرغلي على حسابه الرسمي على "فيسبوك" أن "العيش الحاف" أصبح وجبة غذائية لمحدودي الدخل، بما يجعل رغيف الخبز قضية أمن قومي يجب عدم المساس بها.
واتهم النائب الحكومة بتوزيع بيانات مغلوطة حول عدم المساس بسعر رغيف الخبز طوال 30 عاما، متجاهلة ما أقدمت عليه من خفض وزنه عدة مرات، بالإضافة إلى رفعها سعر المحروقات والكهرباء عدة مرات.
إذ لجأت الحكومة إلى خفض وزن رغيف الخبز تدريجيا خلال السنوات الخمس الماضية من 150 إلى 110 غرامات ليصبح 90 غراما في العام 2024، دون المساس بسعره المعلن. قال عطية حماد، رئيس شعبة المخابز، لـ"العربي الجديد"، إن وزير التموين سيعقد اجتماعا مع ممثلي منتجي الخبز المدعم، لبحث تنفيذ قرار الزيادة الجديدة في أسعار الخبز، ومناقشة طلبات أصحاب المخابز، التي رفعتها الشعبة منذ شهرين، الخاصة بتعويض المخابز عن الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء والمحروقات وكلفة العمالة والتشغيل.
أكد حماد أن الحكومة لم تعدل نظام دعم أصحاب المخابز بعد ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات خلال العامين الماضيين، ما ألحق بمنتجي الخبز المدعم خسائر كبيرة في التشغيل. وعملت وزارة التموين على تخفيض عدد المستفيدين من الحصول على الرغيف المدعوم من نحو 90 مليون مواطن عام 2014 إلى 71 مليوناً عام 2020، وإلى 63 مليوناً في 2024، مع تخفيض عدد الأرغفة المتاحة لكل أسرة، بوضع حد أقصى للصرف.
تصريحات غير دقيقة
تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حول دعم الخبز والسلع، ومقارنها بالأرقام المعلنة من الجهات الرسمية، مؤكدين أن التصريحات غير دقيقة ومضللة للرأي العام، مشيرين إلى تراجع وزن رغيف الخبز عدة مرات، وأن الزيادة في كلفة الدعم لم تصل إلى 120 مليار جنيه عام 2023-2024، كما ذكر مدبولي، وإنما بلغت 91.5 مليار جنيه وفقا لبيان الموازنة العامة المعتمدة من البرلمان العام الماضي، وتصل إلى 90.7 مليار جنيه وفقا للموازنة المعروضة حاليا لعام 2024-2025.
قال محمد معيط، وزير المالية، إن الدولة لم تمس ملف الدعم خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة الأوضاع الاقتصادية، مؤكدا أن الدعم أصبح يمثل خطورة على الأمان المالي والاقتصادي للدولة، متجاهلا الزيادة المتكررة في أسعار المحروقات والكهرباء.
وتبادل النشطاء الأرقام المعلنة رسميا بالموازنة الجديدة، الخاصة بدعم السلع والمزايا الاجتماعية والأجور، مشيرين إلى أن دعم السلع الغذائية والمحروقات يبلغ 298 مليار جنيه، بما يوازي ثمانية في المائة من مصروفات الموازنة، بينما تبلغ فوائد وأقساط الدين الحكومي تريليوناً و834 مليار جنيه، تمثل 47 في المائة من الموازنة، بينما تصل المنح والمزايا الاجتماعية إلى تسعة في المائة.
وطالب النشطاء المواطنين بألا ينخدعوا بالتصريحات الحكومية حول تزايد معدلات الدعم، في ظل تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار من 15.75 جنيهاً إلى 47.50 جنيهاً منذ فبراير/ شباط 2022، والتي شهدت ارتفاعا قياسيا بمعدلات التضخم فاق 35 في المائة على أساس سنوي 2023. وحمل النشطاء الحكومة مسؤولية زيادة الديون الخارجية التي فاقت 168 مليار دولار في نهاية 2023، والسير في مسار وحيد لمواجهة الأزمة الاقتصادية بمزيد من القروض وخفض الجنيه، ورفع الأسعار، بما يبقي البلاد في حفرة اضطراب اقتصادي واجتماعي لأجل غير مسمى.
يعتبر النشطاء القيود الحكومية على إصدار بطاقات الدعم وسيلة لتصفية أعداد المتمتعين بالدعم، في ظل عدم وجود شفافية في إعادة المواطنين إلى قائمة المستحقين للدعم في حال فقدهم الشروط التي حرمتهم من الخبز والسلع والتموينية.
وحذر خبراء من تسبب رفع الدعم عن الخبز والسلع الأساسية في دفع معدلات التضخم إلى مستويات تاريخية جديدة، بينما تستهدف الحكومة في اتفاقها مع صندوق النقد كبح جماحه بنهاية العام الجاري.
وتسعى الحكومة إلى إرضاء صندوق النقد الذي يشترط التخلص من دعم السلع التموينية والكهرباء والوقود، خلال عامين، لتأمين حصول الحكومة على 57 مليار دولار من الاستثمارات والمساعدات من الصندوق ومؤسسات التمويل الأوروبية والدولية والعربية.
وحددت الحكومة توزيع الخبز بمعدل خمسة أرغفة لكل فرد يوميا، بحد أقصى ستة أفراد للأسرة الواحدة، ووضعت قيودا مشددة على الفئات المستحقة لرغيف الخبز المدعوم والدعم السلعي المحدد بسقف 50 جنيهاً للفرد شهريا. وتحرم الوزارة الفئات التالية من الدعم: الأسر التي تستهلك أكثر من 650 كيلووات كهرباء شهريا، وأصحاب المهن والأعمال، ومن يمتلك سيارة موديل 2014 وأعلى، والذين يتولون مناصب رفيعة في الدولة، ومن يدفع ضرائب بقيمة 100 جنيه سنويا، وملاك الشركات بقيمة 10 ملايين جنيه، والأسر التي تدفع أكثر من 20 ألف جنيه لطفل بمدارس خاصة، وملاك الأراضي الزراعية بمساحة عشرة أفدنة وأكثر.