حظيت القضية الفلسطينية بدعم عالمي قوي عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية القذرة على قطاع غزة، دعم بدا واضحا وقويا على مستوى تحركات الشعوب الحرة حول العالم والتي تؤمن حقا بالحرية وتميل مواقفها لصالح الضمير الإنساني، وليس على مستوى الحكومات التي ساندت الاحتلال بقوة وانحازت للبطش المفرط، وغضت الطرف عن الجرائم البشعة التي تمارسها إسرائيل بحق أهالي القطاع وأطفاله ونسائه والتي ترقى إلى جرائم حرب.
هذا الدعم لمسناه في عدة مؤشرات منها التظاهرات الضخمة التي عمت شوارع نيويورك وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وبولندا والدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا وأيرلندا الشمالية وتركيا وجنوب أفريقيا وغيرها من دول العالم رفضا للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين المدنيين، تظاهرات جرت على الرغم من التضييق الأمني والمواقف الرسمية المنحازة لدولة الاحتلال.
أمتد التعاطف العالمي إلى مقاطعة السلع الإسرائيلية المنتشرة في الأسواق الغربية، مقاطعة السلع والعلامات التجارية للدول الداعمة للاحتلال
كما اندلعت تظاهرات كبرى في دول أفريقية وآسيوية منها ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وإيران وتشاد ونيجيريا تندد بالعدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة، وتطالب بالوقف الفوري للحرب، ومعاقبة إسرائيل العنصرية والحكومة المتطرفة التي تحكمها.
وكان واضحا حجم التظاهرات التي عمت عددا من دول أميركا اللاتينية، بل وإقدام بعض حكومات القارة على قطع العلاقات مع دولة الاحتلال وطرد السفير الإسرائيلي والإعلان صراحة عن دعم القضية الفلسطينية.
ومن بين تلك الدول بوليفيا التي أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بسبب ما وصفتها بـ"جرائم حرب ضد الإنسانية" في غزة، واستدعت كولومبيا وتشيلي سفيريهما لدى تل أبيب.
ودعت دول أخرى من بينها البرازيل والمكسيك لوقف الحرب فورا، ودانت فنزويلا جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة.
ومع ممارسة قوات الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية والتمييز والتطهير العرقي لسكان قطاع غزة، زاد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية وأهالي القطاع، وارتفع منسوب التعاطف مع قتل قوات الاحتلال ما يزيد عن 4500 طفل وقتل آلاف النساء والمدنيين بوحشية، وإلقاء مئات الاطنان على أهالي القطاع، واستهداف المستشفيات والمدارس والمنظمات الإنسانية.
ومع ذلك الاهتمام رأينا إبداعا في أساليب التعاطف العالمي مع أهالي غزة مثل اطلاق حملة "إطفاء أضواء المنازل وإشعال الشموع".
بات العالم يتعامل مع إسرائيل على أنها دولة عالية المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، ودولة يسيطر عليها الغموض واللايقين
لم يقتصر دور الشعوب الحرة على مساندة أهالي غزة وتقديم شهادات مضادة للرواية الإسرائيلية، خاصة للفئات غير المطلعة على القضية الفلسطينية في الغرب، بل حققت القضية الفلسطينية اختراقا كبيرا داخل المجتمعات الغربية بما فيها الأوروبية.
هذا التحول في اتجاهات الرأي العام العالمي له أبعاد اقتصادية مهمة سواء على المدى القصير أو المتوسط والبعيد. فالتعاطف العالمي الحالي لم يقتصر على المشاركة في التظاهرات ضد دولة الاحتلال.
بل أمتد إلى مقاطعة السلع والمنتجات الإسرائيلية المنتشرة في الأسواق الغربية، وأحيانا مقاطعة السلع والعلامات التجارية للدول الداعمة بقوة للاحتلال في حربها على غزة، خاصة العلامات التي تعلن صراحة عن تقديم ذلك الدعم.
لا تقتصر أثار التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية وأهالي غزة على المقاطعة، بل امتدت لأمور أخرى منها مثلا التعامل مع إسرائيل على أنها دولة عالية المخاطر الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية.
وأنها دولة بات يسيطر عليها حالة من الغموض واللايقين، وأنها تنتهك القانون الإنساني والدولي وترتكب جرائم حرب، وأنها تقتل على أساس الهوية.
وهذا كله سينعكس مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي وقطاعات حيوية به منها السياحة والطيران والاستثمار المباشر وصناعات التقنية والتكنولوجيا والأسلحة.
تشوهت الصورة الذهنية لإسرائيل والتي حاول الاحتلال رسمها وتحسينها على مدى ما يزيد عن قرن لدى الرأي العام العالمي
كما تشوهت الصورة الذهنية لإسرائيل والتي حاول الاحتلال رسمها وتحسينها على مدى ما يزيد عن قرن لدى الرأي العام العالمي، وهو ما سيؤثر سلبا على اقتصاد الاحتلال وصادراته الخارجية وأسواقه وقطاعه المالي والمصرفي.
فقد سقطت أكذوبة أن إسرائيل واحة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط، وأنها صاحبة الجيش الذي لا يقهر، وأنها واحة الأمان للاستثمارات العالمية، ولذا فإن العالم سيعيد النظر تجاه السلع والسياحة والصادرات الإسرائيلية ومناخ الاستثمار في الدولة القمعية.
حتى الشركات الغربية والتجار والمستثمرون باتوا أكثر حذرا في التعامل مع دولة الاحتلال عقب حرب غزة، إما لأسباب مالية واستثمارية بحتة تتعلق بزيادة المخاطر، أو خوفا من الرأي العام والمستهلك الرافض لكل ما هو إسرائيلي.