ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري بنسبة 104%، يوم الأربعاء، عند منتصف النهار في البنوك قبل أن يتحسّن قليلا لتنخفض النسبة إلى 91%، بعدما خفضت قيمة العملة للمرة الثالثة في عشرة أشهر، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي.
وتمّ تداول الجنيه المصري بسعر 31.8 في مقابل الدولار عند منتصف اليوم، ثم ارتفع قليلاً إلى سعر 29.8 قبل الإغلاق، في حين كان متداولاً بسعر 15.6 في مارس/آذار الماضي.
واعتبر نائب رئيس قطاع الخزانة بأحد البنوك المصرية، فضل عدم ذكر اسمه، أن السعر الذي تم تسجيله بالقرب من 32 جنيهاً للدولار غير واقعي، مشيراً إلى أن القفزة الكبيرة حدثت خلال التعاملات الأولى من يوم الأربعاء، وفي ظل صدور تقرير صندوق النقد الدولي أمس.
وأضاف: "أتصور أن يكون السعر المرتفع تم تسجيله لإدخال بعض المستثمرين الأجانب في سوق أوراق الدين المصرية (الأموال الساخنة)، بدليل العودة لسعر يقل عن 30 جنيها للدولار قبل نهاية التعاملات".
ورجح متعاملون آخرون توجه الحكومة المصرية إلى محاولة استقطاب الأموال الساخنة من جديد، بعد أن تقطعت السبل أمام وسائل الاقتراض الخارجي الأخرى، وفي ظل المبلغ الهزيل الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي والبالغ 3 مليارات دولار.
وأشار متعامل آخر في سوق الصرف بأحد البنوك المصرية إلى تدخل البنك المركزي في السوق اليوم، بائعاً للدولار، بعد اقترابه من سعر 32 جنيهاً للدولار، مضيفاً: "المركزي باع اليوم ما يقرب من 880 مليون دولار، وعلى الأرجح ستكون نحو 10% مما ورد إليه من دولارات خليجية للاستثمار في أوراق الدين بالعملة المحلية".
وبحسب تقرير لوكالة "فرانس برس" فإنه "مع هذا الخفض الجديد في قيمة العملة المصرية، ستزداد معاناة الأسر في بلد يستورد غالبية احتياجاته، وبلغت نسبة التضخم فيه 21.9% وفق أحدث أرقام".
مع الخفض الجديد في قيمة العملة المصرية، ستزداد معاناة الأسر في بلد يستورد غالبية احتياجاته وبلغت نسبة التضخم فيه 21.9%
وأفاد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في بيان الثلاثاء بأن "معدل التضخم السنوي بلغ 21.9% في شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 مقابل 6.5% في الشهر نفسه من العام السابق". وأرجع الجهاز الزيادة في معدّل التضخم إلى ارتفاع أسعار "الطعام والمشروبات" بنسبة 38%.
وأعلن البنك المركزي المصري، يوم الثلاثاء، عن ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي في البلاد إلى 24.4% بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، مقارنة مع 21.5% بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني السابق عليه.
وفي مؤتمر صحافي عقد عبر الإنترنت، أوضحت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إيفان هولر أن "الخفض المستمر في قيمة العملة في وقت ترتفع أسعار السلع العالمية أدى إلى الضغط على الأسعار المحلية وارتفاع التضخم". وقالت إن التضخم لن يبدأ في التراجع إلا بحلول منتصف العام 2024.
وتوقع خبير اقتصادي مصري، فضل عدم ذكر اسمه أيضاً، استمرار تراجع الجنيه أمام الدولار خلال الأسابيع القادمة، مؤكداً أن الحل يكمن في قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما استبعده "في ظل سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد والحكم".
وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي، صدر الثلاثاء، التزام مصر بمجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، لكي تتمكن من الحصول على الدفعات التالية، ضمن اتفاقها على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع المؤسسة الدولية.
توقع خبير اقتصادي مصري، استمرار تراجع الجنيه أمام الدولار خلال الأسابيع القادمة، مؤكداً أن الحل يكمن في قدوم الاستثمارات الأجنبية
وأكد تقرير الصندوق إن الحزمة تتضمن تحولًا دائمًا إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجيًا، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، مع عرض الشركات المملوكة للجيش للبيع للقطاع الخاص، للحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، وتعزيز الحوكمة والشفافية.
والشهر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار تسدّد على 46 شهرا، فيما يبلغ عبء خدمة الدين الذي يتعيّن على القاهرة سداده خلال العام المالي 2022-2023 حوالى 42 مليار دولار، وفق البنك الدولي.
وقال تقرير الصندوق إن القرض المقدم لمصر يرتبط ببرنامج للإصلاح الهيكلي، وافقت مصر على بنوده، ويقضي بأن يمتنع البنك المركزي عن التدخل لتثبيت سعر الصرف وأن يتركه مرنا، بصورة دائمة، إلا في حالة حدوث تقلبات كبيرة في سعر العملة المصرية.
وتحاول الحكومة المصرية تعظيم إيراداتها من النقد الأجنبي، للخروج من أزمة العملة الأجنبية التي تضرب البلاد منذ ما يقرب من عام، والتي تسببت في سعي الحكومة للحصول على قروض جديدة، من صندوق النقد الدولي، ومن الدول الداعمة في الخليج.
وتعد تحويلات المغتربين المصريين من أهم مصادر دخل العملات الأجنبية في مصر، إذ بلغت قيمتها 31.4 مليار دولار بين 1 يونيو/حزيران العام 2020 و 30 يونيو/حزيران 2021 أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر مجتمعة، والبالغة 5.12 مليارات دولار في هذه الفترة، بينما تجاوز دخل قناة السويس 6.3 مليارات دولار في العام 2021.
قدر البنك الدولي ارتفاع تحويلات المغتربين المصريين إلى 32 مليار دولار حينما تعلن الحكومة عن بياناتها لعام 2022
وقدر البنك الدولي ارتفاع تحويلات المغتربين المصريين إلى 32 مليار دولار حينما تعلن الحكومة المصرية عن بياناتها لعام 2022.
وأشار البنك الدولي إلى توقعه أن يؤثر تدهور سعر صرف الجنيه المصري على تحويلات المصريين، الذين يتخوفون من تآكل القيمة الحقيقية لتحويلاتهم، في وقت تتوقع البنوك ومؤسسات أجنبية أن يواصل الجنيه المصري تراجعه خلال العام الجاري. ويوجد نحو 9 ملايين مصري يعملون خارج البلاد.