شهدت معظم السلع الأساسية في الأسواق الليبية ارتفاعاً حاداً في الأسعار وسط اختفاء بعضها من الأسواق، بعد أيام من إغلاق الكثير من المخابز أبوابها في مختلف المناطق لعدم وجود دقيق (طحين) وسط سخط شعبي على هذه التطورات، بينما تبادل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومصرف ليبيا المركزي الاتهامات حول التسبب في نقص السلع.
وأطلق نشطاء ومنظمات مجتمع مدني دعوات للتظاهر خلال الأيام المقبلة، بسبب زيادة أسعار الخبز واستمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي ونقص المحروقات (المنتجات البترولية) وتردي الخدمات الطبية في ظل جائحة فيروس كورونا الجديد.
وتشهد الأسواق ارتباكاً كبيراً منذ أن بدأ البنك المركزي قبل نحو أسبوعين، تطبيق سعر جديد للصرف يبلغ 4.48 دنانير للدولار الواحد، بينما كان السعر الرسمي يبلغ 1.4 دينار للدولار قبل هذه الخطوة، ليقترب السعر الرسمي حاليا من القيمة التي يُجرى التعامل بها في السوق السوداء.
وأكد رئيس الغرفة التجارية محمد الرعيض في تصريح لـ"العربي الجديد" أن نقص السلع يرجع إلى عدم فتح اعتمادات مستندية (موافقات بنكية لتمويل الاستيراد) منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، مضيفا: "نواجه أزمة في دقيق المخابز، وهناك اجتماعات مع وزارة الاقتصاد بشأن استيراد هذه السلعة من دول مجاورة لحل مشكلة رغيف الخبز".
وأفاد مواطنون بإغلاق الكثير من المخابز في مناطق متفرقة من البلاد، بينما رفعت أخرى سعر الخبز، ما أدى إلى تباين كبير في الأسعار، إذ يبيع بعضها الأرغفة الثلاثة بدينار، بينما تبيع أخرى الرغيف الواحد بنصف دينار أو دينار. وقال الناشط علي السوكني لـ"العربي الجديد": "جميع المخابز في العاصمة طرابلس مقفلة، كما أن الطوابير تمتد لمسافات طويلة أمام محطات الوقود، وهناك ارتفاع جنوني للأسعار". وأقر مدير شركة المطاحن والأعلاف الحكومية جمال جويلي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن مطاحن الشركة البالغ عددها 22 مطحنا موزعة على مختلف أنحاء البلاد لا يوجد لديها سوى كميات محدودة من الحبوب لا تتعدى 170 طناً.
وتستهلك ليبيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 7.4 ملايين مواطن نحو 1.260 مليون طن من الحبوب سنوياً، وما يقرب من 105 آلاف طن شهرياً، فيما تستورد 90% من القمح اللين من الخارج والباقي يُغطى من الإنتاج المحلي.
وأرجع جويلي الأزمة إلى عدم وجود سياسات اقتصادية للاحتفاظ بمخزون استراتيجي للحبوب، مشيرا إلى أن سعر قنطار الدقيق (100 كيلوغرام) ارتفع من 130 دينارا إلى 250 دينارا، بينما يواصل الصعود بسبب نقص المعروض.
ويتبادل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومصرف ليبيا المركزي الاتهامات بشأن التسبب في نقص مخزون الدقيق، حيث حمّل المجلس البنك المركزي مسؤولية تأخر فتح الاعتمادات المستندية بينما دعا المركزي الحكومة إلى ضبط الأسواق ومنع تهريب السلع إلى خارج البلاد.
وقال عضو اللجنة الفنية في مصرف ليبيا المركزي مصباح العكاري لـ"العربي الجديد" إنه فتح اعتمادات مستندية خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر الجاري بنحو 300 مليون دولار. وفي الأثناء، أشار المصرف المركزي إلى أن البنوك التجارية باشرت ببيع النقد الأجنبي لكافة الأغراض بمقتضى السعر الجديد لصرف الدينار، داعيا إلى ضرورة ضبط حدود ومنافذ الدولة للحد من تهريب السلع كافة، وفي مقدمتها الدقيق والوقود.
ولم يعرف الليبيون، وفق محللين، أزمة خبز مند عام 1881، حيث قامت السلطات العثمانية آنذاك باستيراد الدقيق وتوزيعه على السكان المحليين وسُمي ذلك العام بعام الدقيق، وذلك نتيجة سنوات الجفاف التي مرت بالبلاد في تلك الحقبة. وقال المحلل الاقتصادي محمد أحمد إن "شرارة الثورات دائما ما تبدأ من البطون الجائعة، الجوع ليس قضية اقتصادية بل هو في الأساس قضية مجتمعية تتعلق بالأمن والاستقرار.. رغيف العيش أساس الحياة اليومية، ولا يمكن القبول بنقصه".
ومع النقص الحاد في الدقيق وتوقف الكثير من المخابز، يشهد العديد من السلع الغذائية الرئيسية ارتفاعاً كبيراً في الأسعار خلال الأيام الأخيرة، إذ سجلت منتجات الزيت والسكر والشاي والأرز ومعجون الطماطم زيادات تتراوح بين 10% و25% مقارنة بنهاية العام 2020. وتوقع مجلس التطوير الاقتصادي (حكومي) أخيراً، ارتفاع الأسعار بنحو 20% بسبب تغير سعر صرف الدينار، مشيراً في دراسة له إلى أن التأثير الأكبر سيقع على عاتق ذوي الدخل المحدود ومتقاضي الضمان الاجتماعي وأصحاب الأمراض المزمنة.
وقال أبو القاسم الورشفاني تاجر جملة لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع أسعار السلع يرجع حتما إلى سعر الصرف الجديد، لكنّ هناك احتكارا وممارسات لسماسرة في ظل تداول السلعة من يد إلى يد قبل أن تصل إلى المستهلك بسعر يفوق أضعاف السعر الأصلي، لذا لا بد من وقفة جادة ضد الذين يتاجرون في قوت الشعب وينزعون اللقمة من أفواه المحتاجين إليها". وأكد الخبير الاقتصادي عبد الحكيم غيث، أن خفض قيمة الدينار رسمياً أدى إلى تحول عدد كبير من المواطنين إلى خانة المحتاجين، بعد أن عجز الراتب الضئيل عن توفير الاحتياجات اليومية التي قفزت أسعارها.