خلال أزمة كورونا الصحية تلقى الذهب دفعة قوية رفعت سعره لمستويات قياسية، فالبنوك المركزية والمستثمرون والمضاربون سارعوا لحيازة كميات كبيرة من المعدن الأصفر باعتباره أحد الملاذات الآمنة وقت الأزمات ومخزناً للقيمة ووسيلة الاستثمار شبه المضمونة.
وفي المقابل، سارع المضاربون والمدخرون للتخلص من جزء من العملات الرئيسية والأسهم وتقليل حيازتها لصالح الذهب والمعادن النفيسة بسبب التراجع الحاد في سعر الفائدة والعوائد الممنوحة على تلك الأدوات الاستثمارية، والبالغة نحو ربع في المائة وربما صفر في عملة الاحتياط الرئيسية في العالم وهي الدولار.
كما أن ضعف فرص الاستثمار المتاحة في ظل كورونا دفع جزءاً من المستثمرين نحو حيازة المزيد من المعدن النفيس، ودفع آخرين للهرولة نحو العملات الرقمية، ومنها بيتكوين، والتي شهدت زيادات قياسية في سعرها بفعل المضاربات المحمومة واقبال كبار المستثمرين والمؤسسات المالية على الاستثمار في تلك العملات رغم حالة التذبذب الشديدة التي تشهدها والتي تصل إلى نحو 70% في بعض الأوقات.
وفي المنطقة العربية دفع التراجع الحاد في أسعار العملات، كما حدث في السودان واليمن وسورية ولبنان والجزائر وليبيا، إلى اندفاع بعض المدخرين نحو حيازة الذهب.
قلة فرص الاستثمار في ظل كورونا وتراجع أسعار الفائدة على الدولار دفعت المستثمرين إلى الذهب والعملات الرقمية
هذا عن المشهد الذي تلا الفترة التي أعقبت تفشي جائحة كورونا وما ألحقته الأزمة الصحية من خسائر فادحة بالاقتصادات العالمية، لكن ماذا عن المشهد المتوقع لسعر المعدن الأصفر، هل سيواصل الذهب قفزاته كما جرى في العام 2020، أم ستحدث له انتكاسة خلال الفترة المقبلة؟
يمكن الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها في ظل النظر إلى عدد من المؤشرات، أبرزها أن بعض البنوك المركزية العالمية بدأت بالتخلص جزئيا من الذهب وببيع كميات ضخمة منه خلال الفترة الأخيرة.
وحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، الصادرة يوم الثلاثاء، فإن تلك البنوك باعت 9.4 أطنان من الذهب خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، لتخفض حيازتها منه للشهر الثالث على التوالي، ولتتراجع حيازة البنوك المركزية إلى 35 ألفا و244 طنا.
كما توقفت بعض البنوك المركزية وبنوك الاستثمار عن حيازة المزيد من الذهب، مخالفة بذلك خططاً سابقة سعت من خلالها لتفادي مخاطر حيازة العملات الرئيسية، مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني، وهذا المؤشر يمكن أن يفسر إلى حد كبير سر تراجع سعر الذهب عربيا وعالميا في الفترة الأخيرة، حيث زاد العرض عن الطلب.
أيضا واكب ذلك قيام حكومات ببيع كميات كبيرة من الذهب للحصول على سيولة نقدية تمكنها من سداد الرواتب والأجور وتمويل بنود الإنفاق العام وتعويض التراجع في الإيرادات العامة، خاصة من أنشطة مهمة كالصادرات والضرائب والسياحة والخدمات والتحويلات الخارجية.
البنوك المركزية باعت 9.4 أطنان من الذهب خلال شهر يناير الماضي، وهناك توقعات قوية بزيادة سعر الفائدة على الدولار وغيره من العملات
من المؤشرات التي يجب أخذها في الاعتبار أيضا عودة المستثمرين إلى أسواق المال والبورصات، وتراجع الاهتمام بأدوات الدين الحكومية، مثل سندات الخزانة، في ظل توقعات بقرب تعافي الاقتصاد العالمي مع سرعة توزيع اللقاح وتراجع الإصابات والوفيات بفيروس كورونا.
أيضا هناك توقعات قوية بزيادة سعر الفائدة على الدولار وغيره من العملات خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل المؤشرات الأخيرة التي كشفت عنها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، والتي رفعت توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى 5.6% في 2021 بعدما كان 4.2%، مستندة في ذلك إلى الآثار المتضافرة لخطة الإنعاش والتحفيز الأميركية الضخمة والبالغة نحو تريلوني دولار وحملات التطعيم وتسريع إنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
أيضا توقع صندوق النقد الدولي انتعاش النمو العالمي بنسبة 5.5% في 2021 وسط تفاؤل إزاء اللقاحات.
من المبكر القول إن العالم مقبل على انتعاش اقتصادي سريع مع استمرار حالة الضبابية التي يواجهها الاقتصاد وخطط توزيع اللقاحات، ومن المبكر القول إن أسعار الذهب ستشهد تراجعات حادة في الفترة المقبلة، فقد تشهد الأسعار تراجعاً في حال سرعة احتواء كورونا، لكنه لن يكون حاداً.