يشتكي التاجر الفلسطيني جبر صالح، من حالة الركود العامة التي تعصف بالحركة الشرائية لسكان قطاع غزة في الفترة الأخيرة التي تلت العدوان الإسرائيلي الأخير في مايو/ أيار الماضي، بشكل لافت للأنظار مقارنة مع الحروب وجولات التصعيد السابقة.
وتشهد القطاعات التجارية المختلفة ركوداً غير معتاد بالنسبة لسكان القطاع، لا سيما قطاع المواد التموينية والسلع الغذائية الأساسية الذي تذبذبت فيها أسعار بعض المواد بشكلٍ غير معتاد مثل الزيوت وبعض أصناف المعلبات وحفاضات الأطفال والقهوة.
وتشكل رواتب الموظفين العمومين المحسوبين على السلطة الفلسطينية أو حركة "حماس" وحكومتها في غزة بالإضافة لرواتب موظفي الأونروا والمنحة القطرية والمساعدات النقدية التي تصرف من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، محركاً أساسياً لدورة النشاط الاقتصادي، في ظلّ انهيار القطاع الخاص في السنوات الأخيرة.
ومنذ مايو/ أيار الماضي لم يتم صرف المنحة المالية القطرية المخصصة لـ 100 ألف أسرة فلسطينية فقيرة، في الوقت الذي لا يتقاضى موظفو حكومة غزة التابعة لحركة "حماس" إلّا 55% من رواتبهم بعكس موظفي السلطة الذين باتوا يتلقون رواتب كاملة، إلّا أنّ أعدادهم تقلصت في السنوات الأخيرة، فيما لم يتم صرف المساعدات النقدية الخاصة بالأسر الفقيرة من قبل الحكومة في رام الله.
ويقول صالح لـ "العربي الجديد" إنّ الركود الذي أصاب الأسواق العامة في الشهر الأخير غير مسبوق منذ سنوات، نتيجة لإحجام الناس حتى عن شراء المواد والسلع التموينية الأساسية والاكتفاء بكميات بسيطة للغاية، ما انعكس بالسلب على التجار وواقعهم المالي.
ويؤكد التاجر الفلسطيني أنّ بعض السلع شهدت تذبذباً في أسعارها خلال الأسابيع الأخيرة قبل أن تستقر، فيما بقيت أسعار بعض السلع كالقهوة والزيوت مرتفعة نتيجة لحالة الارتفاع العالمي وهو ما انعكس بالسلب على هامش الربح المخصص للتجار.
وبحسب صالح، فإنّ حالة الركود التي تعصف بالقدرة الشرائية خلال الفترة الأخيرة، مرتبطة بعدم توفر السيولة النقدية لدى المتسوقين، وانعكاسات الحرب الأخيرة عدا عن انتظار موسمين هامين بالنسبة للغزيين هما عيد الأضحى وبداية العام الدراسي الجديد.
أما التاجر الفلسطيني صلاح المقادمة، فيرى هو الآخر أنّ القدرة التجارية الحالية بالنسبة للسكان في أسوأ أحوالها منذ بداية الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006، إذ إنّ هناك عزوفاً واضحاً عن الشراء حتى عن بعض السلع والمواد الأساسية.
ويوضح المقادمة لـ "العربي الجديد" أنّ غياب السيولة النقدية عن القطاع وشحّ تقديم المساعدات المالية بعد انتهاء الحرب الأخيرة انعكست بالسلب على الحركة الشرائية وعلى حركة الأسواق، بما في ذلك المواد والسلع الأساسية كالزيوت والأرز والسكر والاعتماد على الشراء بكميات أقل.
وفاقمت أزمة الركود الاقتصادي من معاناة التجار بالتزامن مع ارتفاع أسعار عمليات النقل والشحن الدولي للبضائع ما كبد تجار القطاع مزيداً من الخسائر. ويؤكد المقادمة الذي يمتلك شركة متخصصة في مجال استيراد المواد الغذائية وتوزيعها على التجار والمحال والأسواق العامة، على انعدام السيولة النقدية لدى التجار، الذين لا يستطيع بعضهم تغطية بعض الدفعات المالية المستحقة عليهم بفعل الركود التجاري.
وبحسب اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة فإنّ أكثر من 90% من مصانع القطاع في حكم المغلقة، فيما تعمل 10% بأقل من قدرتها الإنتاجية المعتادة قبل العدوان الأخير، تزامناً مع منع الاحتلال إدخال بضائع للقطاع الخاص في غزة بما يزيد عن 100 مليون دولار أميركي.
في موازاة ذلك، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، أسامة نوفل، لـ "العربي الجديد" إنّ انعدام السيولة النقدية وضخ الأموال إلى القطاع، انعكس بالسلب على شتى المجالات الاقتصادية، بما في ذلك القطاع الغذائي، ودفع السكان للاعتماد على توفير احتياجاتهم بالحدّ الأدنى بما يتوافق مع السيولة المتوفرة لديهم.
وبحسب نوفل، فإنّ عدم صرف رواتب الموظفين وزيادة نسبة الصرف خصوصاً لموظفي الحكومة في غزة بالتزامن مع عدم صرف المنحة القطرية والمستحقات المالية الخاصة بالأسر الفقيرة أثّر بالسلب على حركة الأسواق، إلى جانب تداعيات وآثار العدوان الاقتصادي.
ويرجح نوفل أن تستمر الحركة الاقتصادية في الركود بشكل أكبر مما هي عليه الآن في حال استمر المانحون في تأخير عملية إعادة الإعمار وضخ المساعدات المالية التي من شأنها إنعاش الأوضاع المتردية للسكان الذين يعتمد أكثر من 80% منهم على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية.
وبحسب الحكومة في غزة، فإنّ أكثر من 350 منشأة اقتصادية تضررت في العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، ما بين مصانع ومحال تجارية ومخازن ومنشآت ومرافق صناعية وتجارية واقتصادية، إلى جانب أضرار في القطاع الزراعي تجاوزت 200 مليون دولار.
بدوره، يؤكد مدير عام التجارة والمعابر في وزارة الاقتصاد بغزة، رامي أبو الريش، أنّ هناك حالة من الركود تصل إلى الجمود الكامل في بعض القطاعات التجارية والاقتصادية جراء الآثار المترتبة على العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
ويقول أبو الريش لـ"العربي الجديد" إنّ القيود الإسرائيلية المفروضة على معبر كرم أبو سالم التجاري المنفذ الوحيد للقطاع تنعكس بالسلب على التجار والمصانع وعلى الحركة التجارية وترفع من معدلات الركود الاقتصادية المتفاقمة بفعل الظروف المعيشية للسكان.