أدت السياسات الحكومية المتضاربة إلى قفزة بمعدلات الفقر والبطالة في السودان، لا سيما في ظل تواصل الاضطرابات السياسية والأمنية وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي القاضية برفع الدعم الحكومي عن السلع والمحروقات، أملاً في الحصول على مساعدات من المؤسسات المالية الدولية وإعفاء الديون التي تجاوزت 50 مليار دولار.
وما فاقم البطالة والفقر الانقلاب العسكري الذي قام به قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى توقف الدعم الدولي من المؤسسات المالية لتنفيذ برامج ومشروعات تنموية، بالإضافة إلى وقف برنامج دعم الأسر الفقيرة التي تأثرت برفع الدعم الحكومي.
وعرف السودان معدلات بطالة وصلت إلى أكثر من 30%، حسب بيانات رسمية، وبالنسبة لمعدلات الفقر تقول تقارير الأمم المتحدة إنّ 46.5% من سكان السودان يعيشون دون خط الفقر، في حين تؤكد دراسة حكومية أجريت عام 2017 أنّ الفقر تراجع إلى 36.1%، إلّا أنّ خبراء اقتصاد يرون أنّ نسبة الفقر في السودان تصل إلى 80% طبقاً للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وتبدو الحكومة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطن السوداني بالتزامن مع وصول التضخم لأرقام فلكية وتدني قيمة العملة الوطنية. ويقول خبراء إنّ السودان يفتقر إلى المسح الاجتماعي الاقتصادي في توفير قاعدة بيانات حقيقية ونسب يمكن الاعتماد عليها في قياس نسبة الفقر في السودان، كما تفتقد البلاد خطة لتنشيط اقتصاده للخروج بآليات وسياسات جديدة في ظلّ تشريعات لا تدعم المواقف والمتغيرات الحالية.
ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين الصافي لـ"العربي الجديد" إنّ القضاء على الفقر هو المدخل لأيّ تنمية حقيقية للوطن.
وأشار إلى تضاعف معاناة المواطنين من محدودي الدخل والشرائح الضعيفة بسبب عجزهم عن توفير متطلبات المعيشة، في ظلّ الزيادات المستمرة في الأسعار.
ويقول مواطنون إنّ متطلبات الحياة الضرورية باتت أكبر من أن يحملها كاهلهم المثقل أصلاً بالتزامات متعددة تشمل السكن والغذاء والمواصلات والتعليم والعلاج، فيما استغنى كثيرون عن الكماليات لأنّ الحصول عليها أصبح "بعيد المنال".
ويعاني آلاف العمال وصغار الموظفين من تدني رواتبهم في مقابل تواصل غلاء الأسعار وسط غياب حكومي عن طرح أي حلول جذرية للأزمات المعيشية المتصاعدة.
إسماعيل آدم، الموظف بإحدى الشركات الخاصة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الواقع بات أصعب من كل التوقعات، فما يوفره الراتب لا يتجاوز 20% من الحاجة الفعلية، كما أنّ سدّ هذا العجز يكون بالتنازل عن العديد من المتطلبات الضرورية إجبارياً والاكتفاء بالمستلزمات الغذائية فقط، وتوفير بعض متطلبات المدارس على دفعات".
ويضيف: "لا مجال لمحدودي الدخل والموظفين للتفكير في كماليات لا تسعفهم إمكاناتهم لشرائها".
وفي هذا السياق، يقول الاقتصادي السوداني الطيب إبراهيم لـ"العربي الجديد": "الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تشكل أرضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنب انفلات الأوضاع".
ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين الصافي لـ"العربي الجديد" إنّ القضاء على الفقر هو المدخل لأيّ تنمية حقيقية للوطن.
ويضيف: "البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد في تحقيق أدنى طموحات المواطنين"، مطالباً بأن تشمل الإصلاحات التركيز على المشروعات الإنتاجية، خصوصاً الزراعية وما يتصل بها من الصناعات التحويلية ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين، والتي يقول إنّ أبرزها يتمثل في تعدد الرسوم والجبايات إلى حدّ أخرج الكثيرين من دائرة الإنتاج.
وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في التزايد السنوي لمعدل الاستهلاك مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدلات ثابتة لعدة سنوات، وهو ما يتجلى بالفعل في كل القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، حسب الخبير الاقتصادي.
وعقب انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011 لم تفلح جهود حكومة النظام السابق في خفض ومكافحة الفقر رغم الاستراتيجية التي وضعتها لتقليل حدته.
ولم تثمر سياسات الحكومات المتعاقبة في استقطاب الدعم من شركاء التنمية والمانحين، وإشراكهم في إعداد برامج لتخفيض البطالة والفقر في البلاد بسبب تواصل الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تسبب في احتجاجات شعبية متواصلة ضد سياسات النظام.
ولم تفلح تلك الحكومات التي جاءت بعد ثورة شعبية أسقطت نظام عمر البشير الذي امتد لفترة ثلاثين عاماً في تحسين معيشة السودانيين، وكان من أهم محفزات الشعب لإسقاط النظام السابق تدهور الوضع المعيشي.