سجّلت أسعار النفط، يوم الإثنين الماضي، الموافق العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ارتفاعاً في الأسواق الدولية، حيث وصل خام غرب تكساس إلى ما معدله 92 دولاراً للبرميل، وخام برنت ربا على 97 دولاراً للبرميل.
ويُعزى السبب الرئيسي في هذا الارتفاع إلى قرار اجتماع تحالف "أوبك+"، والذي عقد يوم الخامس من الشهر الجاري في مقر منظمة أوبك في فيينا. وقد جاء القرار بالاتفاق على تقليص إنتاج النفط الخام للدول المشاركة في الاجتماع بمقدار مليوني برميل يومياً بداية من شهر نوفمبر المقبل.
وللتذكير، تأسّس تحالف "أوبك +" في العام 2016، بعدها هوت أسعار النفط من أجل أن تكون القرارات التي تتّخذها أكثر فاعلية في رفع الأسعار.
وتشمل مجموعة "أوبك +" 23 دولة، منها 13 دولة أعضاء أصليون في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، وعشرة من صغار المنتجين في العالم، باستثناء روسيا التي يصل إنتاجها إلى ما يقارب إنتاج السعودية.
ويمثل تقليل إنتاج النفط من قبل تحالف "أوبك +" أكبر نقص منذ عام 2020 إبّان تفشي وباء كورونا، وما صاحب ذلك من تقطّع في سلاسل التزويد في العالم.
ويمثل هذا الإنقاص البالغ مليوني برميل يومياً ما قدره 2% من مجموع إنتاج النفط العالمي، و5% من إنتاج "أوبك+" البالغ ما معدله 40 مليون برميل يومياً.
وقد سبقت اجتماع "أوبك+" حملةٌ مضادّة من الولايات المتحدة وأوروبا الحليفين الأساسيين لأوكرانيا ضد روسيا في الحرب الدائرة على أوكرانيا.
وبعد اتخاذ "أوبك+" القرار، صرّح كل من الرئيس الأميركي، جو بايدن، ومستشار ألمانيا ورئيسة وزراء بريطانيا بعبارات غاضبة على ذلك القرار، خصوصا الرئيس بايدن الذي اعتبر القرار انحيازاً ضد أوكرانيا والدول الغربية من السعودية خصوصا، والتي تحمّلت مع روسيا حوالي ثلاثة أرباع التقليل في الإنتاج مناصفة. ولو أن السعودية عارضت ذلك القرار فمن الواضح أنه ما كان ليُتّخَذ، وإن اتُّخذ فسيكون محدود الأثر.
ولهذا نالت السعودية النصيب الأوفر من الانتقاد والتحريض عليها. وطلبت مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي، خصوصا من الحزب الديمقراطي، إيقاف شحن الأسلحة المتطوّرة إلى السعودية، وإجراءات أخرى. ولكن العقلاء عارضوا ذلك، على أساس أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة يجب ألا تُمسّ، حتى لا يكون أي قرار متّخَذ طلقة مصوّبة إلى قدم الاقتصاد الأميركي.
وسبب الغضب الأميركي من قرار تحالف أوبك+ خفض الإنتاج النفطي مليوني برميل أنهم لم يتعوّدوا، كما يقول بعض معلقيهم ومسؤوليهم، على هذه المواقف المعارضة للولايات المتحدة من حلفائهم في منطقة الخليج. وبخاصة السعودية. ولكن هذا القول ليس صحيحاً في كل الأحوال، ففي عام 1967، حين وقعت حرب يونيو/ حزيران، أوقفت المملكة تصدير النفط قبل أن تعاوده بعد فترة.
وفي العام 1973 هدّد الملك السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز بإيقاف إمدادات النفط إبّان حرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر). ولكن مفعول التهديد كان قوياً ونتج عنه ارتفاع سعر النفط دفعة واحدة من دولارين للبرميل إلى ثمانية دولارات، علماً أن الولايات المتحدة في حينه كانت قد خفّضت سعر صرف الدولار مقابل الذهب مرتين في عامي 1972 و1973، ما تسبب حينها في خسائر كبيرة لكل المستثمرين والمودعين بالدولار.
وقد اتهم معلقون وسياسيون السعودية، وبتشجيع من روسيا، بأنها تقوم بتسييس النفط وسلحنته ( weaponizing)، أو استخدامه سلاحا ضد حلف الناتو وأوكرانيا إكراماً لروسيا.
وهذا أيضاً كلام ليس دقيقاً، بل يندرج تحت باب الإعلام التحريضي، أو البروباغاندا (propaganda)، فالولايات المتحدة هي التي طوّرت مصادر استخراج النفط من الصخر الزيتي حتى وصلت، كما كان يتباهى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى مستوى الاعتماد الذاتي على النفط المُنتج داخلياً. والاستغناء عن النفط العربي خصوصا.
وقد أدّى هذا إلى الفصل تقريباً بين أسواق أميركا وأسواق الشرق الأوسط وآسيا في سلعة النفط. والسعودية لا ترى أي أملٍ في التركيز على السوق الأميركية، بل ترى أن أسواقها هي في أوروبا جزئياً، ولكن الأسواق الأكبر والأكثر وعداً هي الأسواق الآسيوية، خصوصا الصين، والهند، وبعض دول الآسيان، وكوريا وغيرها.
الأهم من هذا كله أن حالة عدم الانتظام في أسواق النفط العالمية ناتجةٌ في الأساس عن قراراتٍ اتخذتها الدول الصناعية الغربية، والتي تحاصر (وتعاقب) الصادرات النفطية من إيران، وروسيا، وفنزويلا، والعراق، والتي تُنتج حالياً إما كميات أقل من طاقتها، أو تجد صعوبةً في تسويق إنتاجها عبر المعاملات الدولية المكشوفة.
ولذلك تبيع بعض الدول، خصوصا روسيا وإيران وفنزويلا، نفطها بعشرين دولاراً أو أقل من السعر المعلن عنه في معاملات نايمكس NYMEX وغيره من أماكن المضاربة على هذه السلعة.
لا شك أن ارتفاع أسعار النفط يضرّ بمصالح الحزب الديمقراطي (الحاكم) في انتخابات نصف الفترة المقبلة للكونغرس الأميركي المقررة خلال أقل من شهر، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية في محطات البنزين الأميركية سيسجل ضد الحزب "الحاكم" هناك.
ولو أن قرار "أوبك+" أتى بعد انتخابات منتصف الفترة المنوي عقدها في الثامن من الشهر المقبل، نوفمبر/ تشرين الثاني، أو بعد أقل من شهر، لما كانت له ردّة الفعل التي نراها.
لن تكون السعودية إلا حليفاً للولايات المتحدة، ولكنها دولة فيها إدارة جديدة ترى أنه يجب أن تشاكس وتعاند من تطيق له عناداً عندما يخدم هذا العناد المصالح الاستراتيجية للدولة.
ولكن السياسة الخارجية السعودية تدرك تماماً أنها لا تستطيع أن تتحدّى الولايات المتحدة في الوقت الذي لا تحافظ فيه على ظهرها الإقليمي مصوناً. وهذا يتطلب إعادة النظر بهدف تحسين علاقات المملكة مع دول الجوار، وبخاصة الجيران الذين لهم مصالح استراتيجية معها.