منذ استقلالها عن الاستعمار الأوروبي في عقود ما بعد منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ظلت أفريقيا، القارة السمراء، الغنية بالثروات المعدنية والذهب واليورانيوم والنفط والغاز تعاني من الانقلابات العسكرية التي تمولها الشركات الغربية وبمساعدة المخابرات الروسية والغربية، لتضع جنرالات في سدة الحكم يخدمون مصالحها على حساب الشعوب الأفريقية.
آخر هذه الانقلابات كان في السودان تحت إشراف الجنرال عبد الفتاح البرهان على الوثيقة الدستورية، والذي يجد دعماً مباشراً من موسكو، وقبلها انقلاب غينيا في غرب أفريقيا الذي حدث في سبتمبر/ أيلول الماضي وتدعمه الحكومة الفرنسية، وقبلهما انقلاب مالي في مايو/ أيار الثاني الذي لم يحسم مستقبله بين موسكو التي تدعمه وباريس التي تضغط عبر حلفائها في غرب أفريقيا لإفشاله.
هذه الانقلابات العسكرية عادة ما ترهن ثروات البلاد للأجانب، بينما يعاني المواطن من الفقر المدقع والأمراض ويتسول منظمات الإغاثة. وتسعى مجموعة الدول الأفريقية في غرب القارة التي يطلق عليها اختصاراً "إيكواس" إلى استعادة مالي للنظام الديمقراطي وإجبار قائد الانقلاب الكولونيل أسيمي غويتا على إجراء انتخابات برلمانية في أسرع وقت ممكن.
وحسب وكالة فرانس برس، اتخذ رؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) الذين اجتمعوا في العاصمة الغانية في بداية الأسبوع الجاري، قراراً بإغلاق الحدود مع مالي وتعليق التجارة معها، باستثناء المنتجات الأساسية، وفق ما أكد بيان نشر في ختام الاجتماع.
كما قرروا أيضا قطع المساعدات المالية وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا. ودخلت هذه الإجراءات حيز التنفيذ منذ يوم الثلاثاء.
وبينما تجد إجراءات الحظر تأييداً قوياً من فرنسا التي تربطها علاقات استعمارية بدول غربي أفريقيا وتهيمن على قرارها السياسي، فإن موسكو تعارض الحظر الاقتصادي بشدة وتدعم قادة الانقلاب. وتعتقد تقارير غربية أن الجنرالات الذين قادوا الانقلاب في مالي تلقوا تدريباتهم في روسيا.
لكن ما الذي يجعل دولة مثل مالي تحظى بكل هذا الدعم الروسي، خاصة أنها تعد من بين أفقر 10 دول في العالم وفقاً لبيانات البنك الدولي، حيث لا يتجاوز دخل الفرد فيها 865 دولارا في العام ولا يتجاوز الناتج المحلي 18 مليار دولار؟
وفق محللين فربما يكون الذهب هو الدافع وراء تشجيع موسكو لهؤلاء الجنرالات لانتزاع الحكم من الحكومة المدنية التي كانت موالية لفرنسا، حيث إن مالي من الدول الغنية بالذهب وتعد من أكبر الدول المنتجة للمعدن في أفريقيا. كما يساهم الذهب بنسبة 10% من الناتج المحلي في مالي الذي يقدره البنك الدولي بنحو 17.39 مليار دولار.
ويرى محللون أن ما يهم روسيا في مالي هو السيطرة على الذهب وربما معادن ثمينة أخرى من بينها اليورانيوم، كما أن موسكو ترغب في تنشيط صفقات السلاح لهذه الدول الفقيرة إلى جانب محاصرة النفوذ الأوروبي والأميركي بالقارة السمراء.
ومن علامات دعم روسيا للانقلاب جاب متظاهرون العاصمة المالية باماكو الشوارع وهم يحملون أعلاماً روسية ويرددون شعارات معادية لفرنسا، في إشارة إلى أن جنرالات الانقلاب يحظون بالدعم الروسي وفق مراقبين.
وحسب وكالة رويترز، قالت شركة باريك غولد التي تملك مجموعة مناجم للذهب في مالي إن الحظر الذي نفذته 15 دولة بغربي أفريقيا لم يؤثر على عمليات إنتاج المعدن النفيس.
وباريك غولد شركة مسجلة في كندا ويوجد مقرها في تورنتو، ولكن من غير المعروف عما إذا كانت أصولها فرنسية أم لا. ويلاحظ أن مالي دولة حبيسة ليس لديها إطلالة على البحر وترتبط بخط سكة حديد متهالك مع موريتانيا.
وتعتقد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أن اقتراح المجلس العسكري في مالي إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2026 "غير مقبول إطلاقا"، لأن ذلك "يعني أن حكومة عسكرية انتقالية غير شرعية ستأخذ الشعب المالي رهينة خلال السنوات الخمس المقبلة".
وأوضح مسؤول رفيع، تحدث شرط عدم كشف اسمه، أن قادة "إيكواس" أيدوا الإجراءات التي اتخذت في اجتماع الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، الذي سبق اجتماعهم مباشرة.