استمع إلى الملخص
- تأتي هذه الزيادة ضمن رؤية 2030 لتعزيز الاقتصاد، رغم التحديات مثل المنافسة والتقلبات. يشير تقرير موديز إلى نمو سوق الصكوك العالمية، مما يعكس ثقة المستثمرين، مع الحاجة لزيادة الوعي حول الاستفادة منها.
- إصدار الصكوك يعزز تنويع الدخل والاستدامة المالية، ويوجه العائدات نحو مشاريع إيرادية، رغم تحديات مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يتطلب خطط لضمان استمراريتها.
شهدت إصدارات الصكوك السعودية في ديسمبر/ كانون الأول 2024 زيادة كبيرة بنسبة 239.88% مقارنة بنوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، حيث جُمع 3.41 مليارات ريال في نوفمبر/ تشرين الثاني، مقابل 11.59 مليار ريال في ديسمبر، بحسب بيانات رسمية. وتوسعت البنوك السعودية في إصدار الصكوك خلال العام، حيث بلغت قيمة إصداراتها بالريال السعودي نحو 29 مليار ريال، بالإضافة إلى إصدارات بالدولار بقيمة 6 مليارات دولار، لتعزيز قاعدتها الرأسمالية ودعم احتياجاته المالية والاستراتيجية. وأقرت هيئة السوق المالية السعودية (CMA) تعديلات تنظيمية تهدف إلى تسهيل إصدار الصكوك، بما في ذلك تخفيف متطلبات نشرة الإصدار وتبسيط الإجراءات، ما سيسهم في جذب المزيد من المصدرين والمستثمرين، وفقاً لما أورده تقرير نشره موقع "هيئة السوق المالية".
وتواكب التوجه السعودي الأخير، مع تقرير لوكالة موديز للتصنيف الائتماني، يرجح استمرار نمو سوق الصكوك العالمية مع توقعات بأن تصل إلى ما بين 200 و210 مليارات دولار، ما يعكس ثقة المستثمرين في هذه الأداة المالية. ويأتي طرح الصكوك السعودية في إطار رؤية 2030 التي تسعى لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال زيادة معدلات الادخار والاستثمار بين المواطنين. ومع ذلك، تواجه عملية طرح الصكوك في السعودية عدة تحديات قد تؤثر في نجاحها بوصفها أداة مالية، منها المنافسة مع أدوات الاستثمار الأخرى مثل الأسهم والعقارات، التي قد تجعل بعض المستثمرين يترددون في اختيار الصكوك، بحسب تقرير نشره موقع جمعية الخليج لسوق المال "غلف كابيتال ماركت".
إضافة إلى ذلك، فإن التقلبات الاقتصادية والسياسية قد تؤدي إلى تراجع ثقة الأفراد في الاستثمار في مثل هذه الأدوات المالية، كذلك فإن عدم وجود إطار موحد لتقييم توافق الأدوات المالية مع الشريعة الإسلامية يمثل عائقاً أمام نمو سوق الصكوك ومؤثراً بثقة المستثمرين، وفقاً لما أورده تقرير نشره مركز المعهد الآسيوي للبحوث في عام 2023. لكن تقييم المركز لأداة الصكوك الإسلامية يظل إيجابياً في المجمل، باعتبارها خطوة نحو تعزيز الاستثمار الشخصي والادخار بين الأفراد في السعودية، غير أنه أشار إلى أن الأمر يتطلب جهوداً إضافية لزيادة الوعي وتعليم الأفراد حول كيفية الاستفادة القصوى من هذه الأداة المالية.
عوامل نجاح الصكوك السعودية
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إصدار الصكوك السعودية يُعد خطوة إيجابية ومهمة في هذه المرحلة"، مشيرًا إلى أن "استناد الصكوك إلى التوافق مع الشريعة الإسلامية يستوجب أن تكون مسنودة بأصول حقيقية لضمان مشروعيتها وفعاليتها". واستدل الناير بـ"تجربة السودان الرائدة في مجال إصدار الصكوك والشهادات الحكومية، حيث حققت نجاحات متميزة بفضل التزام هذه الأسس".
وأضاف الناير أن "نجاح الصكوك في السعودية يعتمد على عدة عوامل، أبرزها توجيه عائداتها نحو مشاريع تنموية ذات طبيعة إيرادية، بدلاً من استخدامها فقط لسد عجز الموازنة العامة"، حيث إنّ "من شأن هذا النهج أن يجعل الصكوك أداة اقتصادية ذات تأثير مستدام، حيث تسهم في إنشاء مشروعات تولد إيرادات مستقبلية، ما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستدامة المالية". وأشار إلى أن "الملكية المؤقتة للصكوك تتيح لحامليها الاستفادة من أرباح الأصول التي تستند إليها، مع ضمان سداد قيمة الصكوك وأرباحها من الإيرادات المتحققة". ويخلص الناير إلى أن "منهجية كهذه، تدعم استمرارية إصدار الصكوك السعودية وتجديدها، بما يضمن استدامة الفوائد الاقتصادية للمملكة، ما يجعلها أداة مالية ذات جدوى عالية لتحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية المستقبلية".
استثمار الفوائض المالية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إصدار الصكوك يمثل أحد أشكال الاستثمار المتنوعة التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً على مختلف الأصعدة، فهي تسهم في تعزيز ثقافة الادخار لدى الأفراد، ما يتيح لهم إعادة تنظيم وتخطيط دخلهم بشكل يحقق فائدة أكبر ويعزز مدخراتهم، وتُعد أداة توفر للدولة مصدراً مالياً يمكن استثماره في مشاريع تنموية واقتصادية متنوعة"، و"تعزز "صكوك صح" من قدرة السعودية على استثمار الفوائض المالية الناتجة من ارتفاع معدلات الدخل والناتج المحلي الإجمالي، وتعد وسيلة لتحويل الفائض المالي لدى الأفراد إلى أدوات ادخارية واستثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ما يدعم رؤية المملكة 2030 وأهدافها التنموية"، بحسب عايش، الذي أكد أن "أدوات ادخارية كهذه قد تستمر في التطور مستقبلاً بأشكال جديدة تتماشى مع تطور السوق المالية السعودية".
و"صكوك صح"، بحسب المركز الوطني للدين في السعودية، هي "أوراق مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية صادرة عن حكومة السعودية من خلال وزارة المالية، ويجري الترتيب لها من خلال المركز الوطني لإدارة الدين، وهو منتج ادخاري مخصص للأفراد بعوائد مجزية يُطرَح شهرياً حسب تقويم الإصدارات، وتكون فترة الادخار لمدة سنة واحدة بعائد ثابت، وتصرف الأرباح المستحقة بنهاية عمر الصك (تاريخ الاستحقاق)".
ورغم الإيجابيات التي تحملها هذه الصكوك، يلفت عايش إلى "وجود تحديات محتملة، من بينها ارتفاع تكاليف المعيشة التي قد تحد من قدرة الأفراد على الادخار، بالإضافة إلى احتمالية أن تكون الفوائد الناتجة من الصكوك أقل مقارنة بوسائل استثمارية أخرى كالبنوك". كذلك "يمثل التضخم عائقاً أمام الادخار في السعودية، إذ قد يُفضل الأفراد إنفاق أموالهم بدلًا من ادخارها خشية تراجع قيمتها"، بحسب عايش، مشيراً إلى أن "الأفراد قد يتجهون إلى استثمارات بديلة مثل العملات المشفرة، والذهب، والمعادن الثمينة، أو حتى مشاريعهم الشخصية". ويخلص الخبير الاقتصادي إلى "ضرورة معالجة التحديات أمام الاستثمار في الصكوك من خلال وضع خطط وسيناريوهات مناسبة لضمان استمرارية وفعالية هذه الأدوات الادخارية والاستثمارية، بما يضمن تحقيق التوازن بين أهداف الأفراد والدولة في تعزيز الاقتصاد السعودي".