تخشى القطاعات الصناعية والتجارية في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، من أضرار بالغة في حال استمرار أزمة انسداد قناة السويس لفترة أطول، خاصة مع توجه السلطات المصرية إلى تخفيف حمولة السفينة الجانحة، بعد محاولات عدة لتعويمها عبر الشد بالقاطرات والتكريك لإزالة الرمال التي انغمست فيها، من دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن.
وذكرت شبكة "إن تي في" الإخبارية الألمانية أن الشركات تخشى من اختناقات التسليم، مشيرة إلى أن ألمانيا دولة مصدرة وتستفيد بشكل خاص من قناة السويس في حركة الشحن.
ولفتت إلى أن الصين من أهم الشركاء التجاريين لألمانيا منذ سنوات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 212 مليار دولار العام الماضي، وأن ثلثي الواردات والصادرات بين ألمانيا وشرق آسيا تمر عبر البحر والنقل بالسفن.
ومن شأن الإغلاق المطول للممر المائي الحاسم أن يتسبب في تأخير وصول سفن شحن عالمية. وبحسب الأرقام الرسمية، مرت حوالي 19 ألف سفينة عبر القناة العام الماضي. ويتدفق حوالي 10% من التجارة العالمية عبر القناة.
وأمام هذا الواقع، أفاد المتحدث باسم اتحاد مالكي السفن الألمان، كريستيان دينزو، بأن المشكلة تكمن في الوقت الثمين الذي قد يستغرقه سحب السفينة الجانحة، خاصة إذا ما تم استخدام الروافع العائمة في الموقع لتفريغ الحاويات من السفينة، والأمر قد يستغرق أسابيع لعودة الحركة في قناة السويس إلى طبيعتها.
ويبلغ طول السفينة 400 متر وعرضها 59 متراً وتحمل على متنها أكثر من 20 ألف حاوية بحمولات تزيد عن 230 ألف طن. ووفقا لاتحاد الصناعات الألمانية، فإن تأخير تعويم السفينة سيكون له تأثير على الإنتاج، لاعتماد الدولة على المواد الخام من الخارج.
وأشار الاتحاد إلى أن نسبة الواردات الكيميائية، التي تصل عبر السفن التي تعبر قناة السويس، تصل إلى 16%، لافتا إلى أن الصناعات الكيميائية تتأثر كل يوم يستمر فيه انسداد الممر الملاحي.
وحذرت أكبر شركة شحن في العالم، (إيه بي مولر ميرسك) الدنماركية، عملاءها من أن الأمر سيستغرق من ثلاثة إلى ستة أيام لمرور السفن في القناة. ولدى الشركة وشركائها 22 سفينة تنتظر هناك.
وقالت الشركة إن "العدد الحالي للسفن المعاد توجيهها من ميرسك وشركائها هو 14، ومن المتوقع أن يرتفع بينما نقوم بتقييم جهود الإنقاذ إلى جانب حجم الوقود في سفننا التي في طريقها إلى السويس الآن".
كما ذكرت شركة البحر المتوسط للشحن البحري، ثاني أكبر شركة شحن في العالم، أنها غيرت بالفعل مسار 11 سفينة على الأقل نحو طريق رأس الرجاء الصالح في أفريقيا لتجنب المرور عبر القناة.
قالت الشركة إنها تتوقع "أن يكون لهذا الحادث تأثير كبير للغاية على حركة البضائع المعبأة في حاويات، ما سيؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد بما يتجاوز التحديات الحالية التي تفرضها جائحة فيروس كورونا".
وفي السياق، لفت اتحاد الصناعات الألمانية إلى أن شركة فولكسفاغن لصناعة السيارات اضطرت إلى خفض الإنتاج مؤقتاً.
ولا تقتصر تداعيات تعطل الملاحة في قناة السويس على الصناعات الألمانية فقط، وإنما على القطاع الغذائي، إذ أشارت صحيفة "تاغس شبيغل" إلى وجود مخاوف من نفوق حوالي 130 ألف رأس من الأغنام المحملة على متن 11 سفينة رومانية.
وتحدث نشطاء لحقوق الحيوان عن أن استمرار تعطل قناة السويس يهدد بحدوث كارثة على الحيوانات الحية على نطاق واسع وغير مسبوق، مطالبين بالتوقف الفوري عن تصدير الحيوانات الحية والتحول لتصدير اللحوم في ظل الوضع الخطير للغاية.
ووفقا لمعهد الاقتصاد العالمي في مدينة "كيل" شمال ألمانيا، فإن 98% من سفن الحاويات بين ألمانيا والصين تمر عبر قناة السويس، وتشمل نقل االمنسوجات والإلكترونيات والآلات والأجزاء المرتبطة بها وغيرها .
أما بخصوص النفط، فقال فنسنت ستامر، الخبير في المعهد، إن ألمانيا تحصل عليه بشكل أساسي من روسيا وبريطانيا والنرويج، إلا أن دولا أخرى تتأثر بشكل أكبر، حيث يمر عبر قناة السويس من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة حوالي 600 ألف برميل يوميا.
وفي ظل هذا الواقع، قال المتحدث باسم ميناء روتردام في هولندا، أكبر الموانئ في أوروبا، إن كل ميناء في غرب أوروبا سيلاحظ الأزمة، ومن المرجح أن يكلف الازدحام المروري الاقتصاد الألماني غالياً.
كما ذكر يواخيم شاوت، الخبير في الخدمات اللوجستية "هذا الحدث سيبقينا مشغولين مدة شهر أو شهرين آخرين على الأقل، لأن الأضرار هائلة".
ووفق صحيفة "دي فيلت"، فإن احتجاز السفن في الممر البحري سيتسبب في نقص الحاويات الفارغة مع تباطؤ حركة التفريغ في الموانىء بشكل كبير.
كما يخشى العاملون في قطاع النقل من أزمة لاحقة تطاول ميناء هامبورغ الألماني، ثالث أكبر ميناء في أوروبا، حينما تنفرج أزمة قناة السويس وتعود الأمور إلى طبيعتها، وحينها ستتوجه أعداد من السفن بشكل متزايد صوب الميناء الألماني، بينما مساحة تحميل وتفريغ السفن في محطاته محدودة، الأمر الذي يؤدي أيضاَ إلى تأخير في توزيع البضائع.