في أحدث جولاته التفقدية بالمحافظات لمتابعة تطوير وتنمية الريف المصري، أدلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مطلع الأسبوع بعدة تصريحات مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية في بلاده، محاولاً طمأنة المواطنين في مواجهة واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية التي اعتادت البلاد المرور بها على فترات متقاربة خلال العقود السبعة الأخيرة.
وأكد رئيس الوزراء المصري الذي تتفاوض بلاده حالياً مع العديد من الأطراف الدولية للحصول على قروض جديدة أن "الدولة المصرية على الطريق الصحيح".
جاءت كلمات مدبولي في نفس اليوم الذي تجاوز فيه سعر بيع الدولار لدى البنك المركزي المصري 19 جنيهاً مصرياً للمرة الأولى في تاريخه، منخفضاً بنسبة تتجاوز 20% منذ النصف الثاني من شهر مارس/آذار الماضي، منها ستة عشر بالمائة في يومٍ واحد، ثم أربعة بالمائة إضافية خلال الشهور الأربعة الماضية.
وتجاوز السعر الذي سجله البنك المركزي يوم الاثنين أعلى سعر وصل إليه الدولار لديه في الفترة القصيرة التي تلت تعويم نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2016، رغم تداوله عند مستويات أعلى لدقائق معدودة في بعض البنوك العاملة في مصر وقتها. فهل يرى الدكتور مدبولي أن هذا هو الطريق الصحيح؟
قال مدبولي إن "الدولة تتحمل الجزء الأكبر من زيادات الأسعار، بسبب إدراكها الجيد للأوضاع المعيشية للمواطنين".
ورغم عدم تأكدي من صحة هذا التصريح، لما أراه وأسمعه بصفة يومية من صيحات استغاثة من ارتفاع الأسعار وتزايد مستمر في عدد الأسر التي تعاني من شظف العيش خلال الشهور، وربما السنوات، الأخيرة، إلا أن هذا التصريح إن صح فإنه يدين حكومة المُدلي به أكثر مما يبرئها، كونها المسؤولة الأولى عما وصلت إليه "الأوضاع المعيشية للمواطنين" في هذا البلد.
فهل الطريق الصحيح هو أن تتردى "الأوضاع المعيشية للمواطنين"، فتشاركهم الحكومة في تحمل التكلفة؟
تحدث مدبولي بينما كان وزير ماليته، محمد معيط، يتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرضٍ جديد، أكد أنه لن يصل إلى عشرة مليارات، وذلك بعد حصول مصر على قرضين بإجمالي قيمة تقترب من 8 مليارات دولار، بدأ صرفها خلال عام 2020، بالإضافة إلى الإثنى عشر ملياراً التي حصلت عليها "أم الدنيا" في نهاية عام 2016.
وارتفعت ديون مصر الخارجية من حوالي 45 مليار دولار عند نهاية 2013 إلى 157 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الحالي، أي ما يقرب من 350% ما كانت عليه قبل 8 سنوات وربع.
وفي أعقاب الاتفاق على قرض عام 2020، أكد صندوق النقد الدولي أن معدل الفائدة المعتاد تطبيقه على القروض المماثلة لما اتفقت مصر على الحصول عليه يكون مائة نقطة أساس (1%) فوق معدل الفائدة على حقوق السحب الخاصة SDR لديه، مشيراً إلى أن مصر، ونظراً لتجاوز قروضها نسبة 187.5% من حصتها، يتعين عليها دفع 2% إضافية على المبلغ المقترض، ترتفع إلى 3% إذا بقيت المديونية للصندوق فوق هذه النسبة حتى سبتمبر / أيلول من عام 2023.
ففي أي عرف، إذاً، يكون هذا هو الطريق الصحيح الذي أشار إليه مدبولي؟
وعلى الرغم من كل تلك القروض وتكاليفها المتزايدة، وربما بسببها، لم ينجح البنك المركزي المصري في الحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي لديه خلال الشهور الأخيرة، ليفقد ما يقرب من 20% من قيمته عند بداية العام الحالي، وصولاً إلى 33 مليار دولار، هي الأقل في أكثر من 5 سنوات ولا تغطي أكثر من أربعة شهور من الواردات إن لم يكن أقل، في انتظار الإعلان عن الرصيد آخر شهر يوليو/تموز المنتهي، وهو ما لا يمكن أن يكون "الطريق الصحيح" لدولة تستورد أكثر من ثلثي ما تأكل وتركب وتلبس.
تحدث مدبولي بعد أن استمر تداول سندات مصر الدولية استحقاق 2040 في السوق الثانوية بأقل من 60% من قيمتها الاسمية طوال شهر يوليو/تموز الماضي، ونزلت تحت 50% في بعض الأوقات، في إشارة إلى رغبة حائزيها في التخلص منها ولو خسروا نصف قيمة استثماراتهم.
وتؤكد الأسعار التي تتداول بها السندات المصرية حالياً صعوبة، أو استحالة، لجوء مصر إلى الأسواق الدولية لإصدار سندات جديدة، وهو ما يحد من البدائل المتاحة أمام الدولة لتوفير مبلغ 25 مليار دولار قالت أطراف قريبة منها إنها تحتاج إليها قبل نهاية العام الحالي. فهل هذه دولة على "الطريق الصحيح".
وقبل نهاية الربع الأول من العام، لجأت الحكومة المصرية لتخفيض الجنيه بنسبة تقترب من 16% لتتمكن من بيع حصتها في العديد من الشركات المصرية الناجحة، منها البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر ويستحوذ بمفرده على أكثر من 34% من قيمة مؤشر البورصة المصرية، بالإضافة إلى شركات أخرى مثل أبوقير للأسمدة وفوري للتكنولوجيا المالية وموبكو للأسمدة والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع لصندوق أبوظبي للثروة، لتتمكن من مقابلة طلبات مستثمري الأموال الساخنة، الذين قرروا الخروج من سوق أوراق الدين المصرية، من العملة الأجنبية.
فهل تكون الدولة التي تلجأ لبيع المضطر على هذا النحو على "الطريق الصحيح"؟
تمر دول كثيرة بظروف اقتصادية قاسية، وتضطر خلالها لتقديم تنازلات واتخاذ قرارات صعبة لحل أزماتها، فيتحمل المواطنون التكلفة في أغلب الأحيان. وتزداد الأمور سوءاً عندما يعتقد هؤلاء أن ما هم فيه نتج من سياسات خاطئة اتبعتها الحكومة، وتسببت في دخول البلاد في نفق مظلم، لا يعرف أحد متى وكيف يمكن الخروج منه.
وبينما يقول رئيس الوزراء إن بلاده على "الطريق الصحيح"، لا يمكن أن نتفق معه فيما يقول، إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون وجهته وحكومته مختلفة عن الوجهة التي نتمنى أو يتعين أن نتجه إليها، ووقتها ستكون المأساة أكبر كثيراً مما نتخيل.