رغم رسائل الاطمئنان التي ترسلها حكومة مصطفى الكاظمي بين الفينة والأخرى إلى الموظفين في القطاع العام بصرف رواتبهم في موعدها المحدد، لم تتمكن الحكومة العراقية حتى كتابة هذا التقرير من تأمين رواتب موظفيها لشهر أيلول/سبتمبر، حيث مضى أكثر من 18 يوماً على موعد صرف المستحقات المالية لموظفي الدولة دون إن يتم صرفها ولا حتى تحديد موعد لصرفها من قبل وزارة المالية، بسبب قلة السيولة النقدية حسب ما أكده نواب ومسؤولون في الحكومة.
وبحسب مصدر مقرب منها فإن "الحكومة تقف عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها للأشهر الثلاثة القادمة، بسبب غياب السيولة النقدية نتيجة للعجز الكبير في الموازنة جراء انهيار أسعار النفط بسبب انتشار جائحة كورونا وفقدان السيطرة على اغلب موارد الدولة".
وأضاف المصدر في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة ونتيجة لعدم تأمين رواتب الموظفين التي تُقدر قيمتها بأكثر من 4 مليارات دولار شهرياً تبحث إمكانية تخفيض رواتب الموظفين بحسم 30% من الراتب الاسمي لجميع الموظفين لحين تجاوز الأزمة المالية".
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي فلاح عبد الكريم لـ "العربي الجديد" إن" سبب تأخر رواتب الموظفين يعود بالدرجة الأساس إلى غياب السيولة النقدية"، مبيناً أن" وزارة المالية تحدثت عن عجز كبير في رواتب الموظفين يقدر بأكثر من 20%".
وبحسب عبد الكريم فإن "الحكومة لم يبق أمامها أي خيارات سوى الاقتراض من البنك المركزي لسد العجز الكبير في رواتب الموظفين للأشهر القادمة، منوها إلى أن الحكومة اقترضت خلال عام 2020 نحو 15 ترليون دينار عراقي من البنك المركزي، بالإضافة إلى بعض المصارف، بالإضافة إلى اقتراضها 27 ترليون دينار من احتياطي العملة المحلية الموجود في البنك المركزي، وهو ما يعني أن حجم الاقتراض الداخلي تجاوز 40 ترليون دينار".
من جانبه انتقد النائب عن تحالف سائرون صباح العكيلي، تأخر رواتب الموظفين في مؤسسات الدولة، فيما أشار إلى أن الحكومة تريد استخدام الرواتب كورقة ضغط من أجل دفع البرلمان إلى القبول بالقروض".
وقال العكيلي في تصريح صحافي، إنه "للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر تتأخر الرواتب، والهدف من ذلك أن تكون رواتب الموظفين ورقة ضغط على مجلس النواب لإجباره على تقبل القروض"، مبينا أن هذه "أموال استحقاق لعوائل تنتظرها لتعيل أبناءها ولا نسمح ولن يسمح أحد بأن تكون كرة تتقلب في سبيل الضغط على مجلس النواب لإجباره على الموافقة على قروض لا داعي لها".
وأضاف العكيلي، "كنا نتمنى أن تأتي الحكومة بخطط مهمة لتعظيم الموارد، لكن للأسف لا أعتقد أن وزارة المالية قادرة على ذلك"، لافتا إلى أنه "في حال لم يكن هناك تعظيم للموارد فليس معناه أن يكون هناك فرض للقروض وإيقاف للرواتب، فلا يعقل ما يحصل على اعتبار أن الراتب حق جهد الموظف وليس منة من الحكومة".
وأكد انه "لم يحصل سابقا وفي أصعب الظروف ما حصل خلال هذه الأشهر من تأخير للرواتب"، داعيا الحكومة إلى أن "لا تكون الرواتب ورقة ضغط، ولا يجب أن تدخل في إي مورد، بل يجب ألا تتجاوز حتى اليوم كون تلك الرواتب لدى الموظف مقيدة بالتزامات مالية وإيجارات وغيرها، وبالتالي ينبغي إبعاد تلك الرواتب عن كل ما يعطلها".
بدوره قال الخبير الاقتصادي علي الفريجي لـ "العربي الجديد"، إن "تأخر رواتب الموظفين في الربع الأخير من عام 2020 يعود لجملة من المشاكل منها ما بين البنك المركزي وبعض المصارف العراقية وكذا مع مؤسسات الدولة، وكذلك يعود لعدم وجود غطاء قانوني للاقتراض من البنك المركزي لتأمين رواتب الموظفين والخروج من هذه الأزمة".
وحول حلول الحكومة لحل أزمة الرواتب قال الفريجي "لغاية اللحظة لا تمتلك الحكومة العراقية حلولا آنية ولا تمتلك عصا سحرية لتأمينها في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن باستطاعتها تشريع قانون يسمح لها بالاقتراض كحل وحيد من الممكن أن تلجأ إليه في الوقت الحالي وحتى في عام 2021 حسب ما تشير إليه جميع المعطيات بسبب ضعف الإيرادات النفطية والمنافذ الحدودية وإيرادات موارد أخرى".
ووفق الفريجي، فإن "أكثر من 9 ملايين شخص يتقاضون رواتب من الحكومة العراقية، ما يعني أن تأخر الرواتب لهذا الحد سيؤثر اقتصاديا على 9 ملايين عائلة تتراوح أعدادها ما بين إلى 4-5 أشخاص على الأقل تعتمد بشكل أساسي على رواتبهم التي يتقاضونها شهريا من الدولة، محذرا من سير العراق نحو كارثة اقتصادية تنعكس آثارها بشكل مباشر على المجتمع".