يطالب خبراء اقتصاد عراقيون بضرورة الاستعجال في إجراء الإحصاء السكاني العام، لغرض الوقوف على المؤشرات الحقيقية ومعرفة النسب الدقيقة للسكان النشطين اقتصاديا، فضلاً عن تحديد مؤشرات الفقر والبطالة والعجز والتعليم والصحة ومؤشرات الحالة السكانية.
ويرى الخبراء أنّ النسب والبيانات التي تعلنها وزارة التخطيط ليست سوى تخمينات تعتمد على عينات عشوائية غير دقيقة، وفقاً لأهواء سياسية لا تعتمد على الجوانب العلمية الإحصائية الدقيقة.
يأتي ذلك بعد أيام من إعلان المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، عن أن عدد سكان العراق تجاوز اثنين وأربعين مليون نسمة، مع وجود توقعات بارتفاع عدد السكان إلى خمسين مليوناً عام 2030.
وأكد المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، أنّ "عدد سكان العراق شهد زيادة سنوية بمعدل 2.5 بالمائة، ويشكل الذكور 50.5% منها والإناث نسبة 49.5%، فيما بلغ عدد الولادات خلال العام الماضي 1.310.894، ووصل عدد الوفيات إلى 236.469 وفاة مسجلة رسمياً.
نسب غير دقيقة
وحول الإحصائيات التي تعلن رسمياً، يرى عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد الصفار، أن النسب التي أعلنتها وزارة التخطيط غير دقيقة، لأنها تعتمد على عينات عشوائية، مشدداً على أهمية العمل على إجراء مسح ميداني متكافئ لإحصاء البيانات الدقيقة من أجل الوقوف على المؤشرات الحقيقية لمعرفة النسب السكانية وتحديد آليات وبرامج المعالجة.
وأضاف الصفار، لـ"العربي الجديد"، أن القوانين التي تعالج البطالة والفقر والمؤشرات الاقتصادية في منافذ الإيرادات وقطاعات الإنتاج لا تتم إلا من خلال وجود أرقام ونسب حقيقية لغرض توفير الحلول وتحديد الاحتياجات المالية ضمن بنود الموازنة العامة للدولة في جوانب وفقرات الإنفاق العام.
التخمين الإحصائي
من جانبه، أوضح عضو المركز الاقتصادي العراقي، منار العبيدي، أنّه لا يمكن لأي بلد تحقيق تنمية مستدامة ما لم تتوفر بيانات حقيقية تعتمد على أسس حديثة لقياس عدد السكان والتقييم العمري والقوى العاملة في الدولة، لغرض إيجاد الحلول اللازمة في جميع القطاعات بالاعتماد على المسح والدراسة.
وأضاف العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن عدم إجراء الإحصاء السكاني بشكل دقيق في السنوات الماضية كان بسبب عدم وجود تخصيصات مالية ضمن بنود الموازنات الاتحادية، ومن المتوقع أن يتم تخصيص أموال لإجراء الإحصاء ضمن بنود موازنة 2023. وأشار العبيدي، إلى أن التخمينات التي تعتمدها وزارة التخطيط تؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي، لأنّ جزءاً كبيراً منها يكون غير دقيق ولا يمكن بناء استراتيجيات المعالجة بالاعتماد على التخمينات التي قد تؤدي إلى اختيار برامج وآليات لا تتناسب مع الواقع العراقي.
وأوضح أن الأهمية الاقتصادية للإحصاء السكاني تكمن في جمع المعلومات الديموغرافية والاجتماعية للسكان، بهدف توفير الخدمات للأفراد والمساعدة على إعداد الخطط الاقتصادية دقيقة، بالإضافة إلى توزيع الخدمات بشكل منظم، والمساهمة في إعداد الموازنة العامة للدولة بشكل يتلاءم مع حاجة المجتمع وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.
تأثيرات سياسية
يرى الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن ما يمنع إجراء الإحصاء السكاني هي الأجندات الداخلية والخارجية التي تتعمد عرقلة إجراء التعداد السكاني، بهدف عدم إظهار بيانات حقيقية دقيقة، ووجود دوافع طائفية وقومية.
يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ هذه الأجندات تستخدم النسب السكانية في صراعاتها السياسية الدائرة في العراق، خصوصاً في أوقات الترويج الانتخابي، فضلاً عن التلاعب بتوزيع الخدمات والاستحقاقات الوظيفية والسياسية. ويشير الحلبوسي إلى أنّ التأثيرات السياسية تعيق بشكل كبير إجراء الإحصاء السكاني، لأنّ توزيع المناصب والتلاعب بالأصوات الانتخابية هو أحد أبرز هذه الأهداف التي تسعى الأحزاب الحاكمة وراءها مع الإبقاء على النسب التخمينية التي توضع بحسب الأهواء الحزبية.
من جانبها، أعلنت وزارة التخطيط العراقية في وقت سابق، عن إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان في العراق، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء - وزير التخطيط، محمد علي تميم، بناء على ما جاء في البرنامج الحكومي الذي أكد على أهمية تنفيذ التعداد العام للسكان.
ووصلت نسبة الفقر في العراق إلى نحو 25% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء في البلاد بنحو 11 مليوناً من بين 42 مليوناً هم عدد سكان البلاد، رغم الثروات النفطية والزراعية الهائلة، فالصراعات السياسية وعمليات الفساد عطّلت الاستفادة الشعبية من هذه الثروات.
وتفيد البيانات الرسمية أنّ قرابة 3 ملايين عراقي يتلقون منحاً مالية شهرية من الحكومة، وهم من أصل 11 مليون فقير لا تستطيع الحكومة تقديم مساعدات لهم جميعاً بسبب الأزمة المالية وضعف المخصصات في هذا الصدد.