أسهم الفائض المالي الذي خلفه ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، في توجه الحكومة العراقية نحو تقديم مسودة قانون جديد تقول إن من شأنه المساهمة في إنقاذ نحو 10 ملايين مواطن تضررت معيشتهم خلال العامين الماضيين جرّاء جائحة فيروس "كورونا"، وإقرار خطة خفض قيمة الدينار أمام الدولار.
وبحسب مصادر رسمية، فإن حكومة مصطفى الكاظمي انتهت بالفعل خلال الأشهر الماضية من إعداد قانون "الأمن الغذائي" الذي من المفترض أن تخصص له مليارات الدولارات لتمويل بنوده.
ووسط لغط بشأن صلاحية الحكومة الحالية بتقديم مشاريع قوانين على اعتبار أنها حكومة تصريف أعمال، أكمل البرلمان العراقي القراءتين الأولى والثانية لمشروع القانون، الذي يحتوي على فقرات خاصة بدعم الأمن الغذائي والتنمية للعراقيين، من بينها تحسين مفردات البطاقة الغذائية الشهرية وتقديم منح مالية للعوائل المتضررة وتأمين مخزون كبير من القمح والسلع الغذائية الرئيسة تحسبا لأي أزمة عالمية.
القانون الذي وصفه نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي بأنه "مرحلي"، في إشارة إلى كونه متعلقا بالفترة الحالية التي تفتقر فيها الدولة لموازنة مالية بسبب الأزمة السياسية التي تضرب البلاد منذ نحو ستة أشهر وعدم تشكيل الحكومة الجديدة، جرت عليه تعديلات خلال الأسابيع الماضية، منها إلغاء القروض الداخلية والخارجية داخل القانون، إضافة إلى تحديد التخصيص المالي له، الذي يقدر بأكثر من 35 تريليون دينار (24.1 مليار دولار)، بهدف تجنيب العراق الاعتماد على واردات الاقتصاد الريعي، من خلال دعم قطاعي الزراعة والصناعة، دون تكليف الموازنة المالية للعام 2022 أي أتعاب، كون القانون جاء من فائض زيادة أسعار النفط.
وأكد الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، أخيراً، "أهمية قانون الأمن الغذائي الطارئ لدعم مفردات البطاقة التموينية وشراء مخزون استراتيجي من الحنطة لمدة 6 أشهر ودعم مستحقات الفلاحين للسنوات السابقة، إضافة إلى دعم وزارة الزراعة بالسيولة النقدية لدعم مداخيل قطاع "الذهب الأخضر" من الأسمدة والمبيدات والبذور وغيرها لرسم رؤية تنشيط اقتصاد البلد".
وحسب تصريح صحافي للغزي، فإن "القانون يشمل شراء الطاقة والغاز لإنهاء أزمة الكهرباء، فضلاً عن دفع ديون إيران بذمة العراق عن شراء الغاز، وتخصيص نسبة 35 في المائة من الأموال التي يرصدها القانون لدعم الخدمات للمحافظات بحسب الكثافة السكانية ونسبة الفقر في كل محافظة".
ورغم الآثار الهامة التي يتركها مشروع القانون على مستوى الزراعة والدعم العراقي للأغذية المدعومة حكومياً، إلا أنه يواجه رفضاً واسعاً من قبل أحزاب مقربة من إيران، في تحالف "الإطار التنسيقي"، عزاها مراقبون إلى الخشية من نجاح المشروع وأن يحسب سياسيا لخصومهم التقليديين حيث يدعم هذا القانون التيار الصدري، عدا عن إمكانية أن يؤسس إلى تخفيف قبضة إيران على السوق الاستهلاكية العراقية، حيث يتضمن القانون التوجه إلى تنويع مصادر الاستيراد العراقية وبناء مخازن ومستودعات ضخمة في البلاد، ضمن خطة الأمن الغذائي التي يجب أن تكون كافية نحو 6 أشهر.
لكن عضو الإطار التنسيقي والنائب في البرلمان العراقي محمد الصيهود، قال لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع القانون مشبوه، وهو ينطلق من حكومة تصريف أعمال، لا تحق لها كتابة قوانين أو السعي إلى إقراره عبر الضغوط السياسية، كما أنه يحمل عشرات الاستفهامات بشأنه".
وأوضح أن "هناك فقرات غير واضحة في القانون، وهي تخوّل حكومة الكاظمي الاستحواذ على الأموال المخصصة للمشروع، وهي مليارات الدولارات، وليس تخصيصها إلى الجهات الإدارية والوزارية التي من المفترض أن تقوم بإجراء اللازم في ما يتعلق بالأمن الغذائي والتنمية".
وأضاف الصيهود أن "القانون يمثل شبهة فساد جديدة في العراق، من خلال الاشتراك بين الحكومة وأطراف سياسية معروفة، وأن حكومة الكاظمي تمارس خرقاً دستورياً كبيراً من خلال سن القوانين وإرسالها إلى البرلمان، لذلك فإن الإطار التنسيقي وبعض الكيانات السياسية والكتل البرلمانية تقف ضد هذا القانون"، مؤكدا وجود "تحرك برلماني من قبل أطراف سياسية للطعن في القانون لدى المحكمة الاتحادية".
في المقابل، أكد النائب المستقل هادي الزيادي، أن "شكوك بعض الكتل السياسية بأن القانون سيكون بديلاً عن الموازنة المالية للعام 2022، غير صحيحة". واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "قانون مهم، ولا بد من الاهتمام به وتعديله بما ينسجم مع مصلحة العراقيين، وعدم السماح للشركات المملوكة للسياسيين والحزبيين بأن يدخلوا على خط المساهمة في القانون بأي شكل من الأشكال، لأنهم سيسرقون ما هو مخصص من أموال للمشروع، كما أنه من الضروري توفير المواد الغذائية للعراقيين، وتقوية المنتوج المحلي من الزراعة، وليس فقط الاعتماد على الاستيراد".
ودافع المستشار المالي لحكومة مصطفى الكاظمي، مظهر محمد صالح، عن مشروع القانون بالقول إنه "من صلاحيات مجلس الوزراء وشُرّع استنادا لقانون الإدارة المالية، وأن المصروفات الجارية والفعلية والمستمرة تعود إلى السنة الماضية، لذلك فإن أي صرف فعلي على القانون الجديد سيكون من فائض النفط".