عاد الحديث في العراق عن جذب استثمارات أجنبية لزراعة مناطق شاسعة شمالي وغربي البلاد، لكن هذه المرة من خلال عروض صينية، بينما يساور القلق المسؤولين العراقيين من إمكانية تعطل المشروعات المخطط لها، كما حدث من قبل، في ظلّ معارضة أطراف سياسية فتح السوق بغية استمرار الهيمنة لسلع بعينها تسيطر عليها دول مجاورة للعراق.
وكشف مسؤول في وزارة الزراعة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة وجهت الوزارة لإعداد خطة بالتعاون مع وزارة التخطيط وهيئة الاستثمار الوطنية، لطرح مشاريع استثمارية بالقطاع الزراعي في العديد من المناطق تتجاوز مساحتها 3 ملايين دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع في العراق).
وقال المسؤول إنّ المناطق المقترحة تشمل صحراء الأنبار (غرب)، وبادية نينوى (شمال)، وجزيرة سامراء (وسط)، وجنوب غربي كركوك (شمال)، وغربي كربلاء (جنوب غرب بغداد)، وجنوبي المثنى (جنوب).
وأشار إلى اعتزام الحكومة تقديم تسهيلات كبيرة وغير مسبوقة، ضمن خطة تهدف لتشغيل آلاف الأيدي العاملة المحلية في تلك المناطق وتحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات زراعية تستنزف سنوياً مبالغ مالية ضخمة بالعملة الصعبة لاستيرادها من الخارج.
ولفت إلى أنّ شركتين صينيتين أعربتا عن اهتمامهما بالمشروع، كما أنّ هناك مساعي لجذب شركات من وجهات أخرى، مضيفاً: "لو نجحنا في استثمار نصف المساحة المستهدفة، سيتحول العراق من بلد مستورد إلى مُصدّر، وستتوفر للبلاد مليارات الدولارات".
لكنّ المسؤول العراقي لم يخفِ خشيته من عرقلة هذا التوجه "لقيام بعض الجهات السياسية بعرقلة الاستثمارات، خصوصاً في القطاع الزراعي، لاستمرار العراق في استيراد المحاصيل الزراعية من دول الجوار".
وكانت السعودية قد تقدمت بعرض، العام الماضي، لاستثمار نحو مليون هكتار زراعي في العراق (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، إلّا أنّ مليشيات مسلحة وأحزاباً حليفة لإيران قادت حملة واسعة لرفض المشروع، الأمر الذي دفع وزارة الزراعة العراقية إلى الإعلان رسمياً عن إلغاء المشروع، مبررة ذلك بعدم كفاية المياه الجوفية.
لكن مع تجدد المساعي الحكومية لفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في الزراعة وتقدم شركات صينية بعروض في هذا الشأن، تثور تساؤلات حول ما إذا ما كانت المحاولة ستنجح هذه المرة، لا سيما أنّ الصين حليفة لإيران في كثير من الملفات، أم أنّ الرغبة في بقاء الهيمنة على السوق العراقية ستظل مسيطرة.
وفي وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، قال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، في بيان، إنّ "العراق مدّ يده لجميع دول العالم من أجل جذب الاستثمارات، وهناك شركات صينية لديها الرغبة في الاستثمار بالعراق".
وأضاف: "تم طرح هذه الفكرة مع الجهات ذات العلاقة، كما أنّ الصين جادة في الاستثمار، لا سيما أنّها من الدول الكبرى الغنية بالأموال، مع إمكانية توفير جميع الإجراءات والمياه من خلال تقنيات الريّ الحديثة والآبار لتستثمر في هذه المنطقة وتنعشها من أجل زيادة المساحات الخضراء".
وتابع أنّ "عملية الاستثمار لا تقوم بها وزارة واحدة، بل تقوم وزارة الزراعة بإعداد المساحات الاستثمارية، ويجري تسليمها إلى الهيئة الوطنية للاستثمار، وهي التي تتفاوض مع الدول والشركات. إضافة إلى ذلك، تتولى وزارة الموارد المائية تجهيز ملف المياه، فضلاً عن الجهات الأمنية وتسهيل سمات الدخول، وتوفير بيئة آمنة ومتكاملة".
وفي السياق نفسه، تقول شروق العبايجي، عضو لجنة الزراعة في الدورة البرلمانية السابقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق مؤهل لأن يكون من الدول المنتجة زراعياً، ولا يقتصر ذلك على توفير الأمن الغذائي، إنّما رفد موازنة الدولة بمليارات الدولارات وجعل إيراداته متنوعة المصادر بامتلاكه كلّ المقومات".
تضيف العبايجي أنّ "الاستثمار الزراعي يحتاج إلى إرادة سياسية واقتصادية وتخطيط سليم وفق معايير صحيحة تجمع بين كلّ أنواع الاقتصاد المختلط والخاص". تتابع: "الاستثمار بالعراق في المجالات كافة مرتبط بإرادة الحكومة، فمتى ما كانت الحكومة جادة في ذلك ستدخل الشركات الاستثمارية"، مشيرة إلى أنّ العراق يمتلك نحو 24 مليون دونم صالح للزراعة.
وتقول: "الزراعة كانت قبل 2003، تمثل نحو 30% من إجمالي الناتج القومي، لكنّها تناقصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة"، متوقعة ارتفاع هذه النسبة إلى أكثر من 30% "إذا ما عملت الحكومة على استثمار الأراضي الصحراوية الصالحة للزراعة عن طريق شركات أجنبية رصينة".
لكنّ النائب البرلماني ملحان المكوطر يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك أسباباً كثيرة تعيق الاستثمار في العراق، أبرزها غياب البيئة الآمنة التي تشجع عمل رؤوس الأموال في أغلب مناطق البلاد"، مضيفاً: "الاستثمار يحتاج إلى قوة قرار ورؤية ودراسات معمقة للمدى البعيد".
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على هامش اجتماع لمجلس الوزراء: "هناك حملات تشكيك بأيّ تقارب للعراق مع أيّ دولة، ترافقها شائعات تهدف إلى خلط الأوراق وتعطيل أيّ تفاهم يصب في صالح البلد"، في إشارة إلى الحملات التي نفذتها الجماعات الموالية لإيران ضد مذكرات تفاهم وقعها العراق أخيراً مع السعودية ومصر، وتشمل العديد من الملفات الاقتصادية.
واستأنفت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بعد 25 عاماً من انقطاعها جراء الغزو العراقي للكويت عام 1990. وبدأت العلاقات تتحسن، لكن لم تتحقق نتائج على أرض الواقع، لا سيما في الملف الاقتصادي.
كما شهدت العلاقات بين العراق ومصر والأردن تقارباً في الأشهر الماضية وسط لقاءات متبادلة بين مسؤولين كبار، وهو ما لاقى اعتراضاً من أطراف سياسية في العراق، بينما أكدت وزارة الخارجية العراقية، في مارس/ آذار الماضي، أنّ التنسيق الثلاثي بين العراق والأردن ومصر ليس موجهاً ضد أحد.
ورغم العراقيل التي يوجزها خبراء بالتحديات الأمنية وضعف القرار السياسي، يأمل كثيرون بأن تتمكن الدولة العراقية من تنويع مصادر الدخل عبر تعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات، لا سيما الزراعة.
ويقول الخبير الزراعي سعد الخزرجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة الزراعة تبذل قصارى جهدها لاستقطاب الشركات الاستثمارية الأجنبية، التي من شأنها تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الرقعة الزراعية التي تقلصت في السنوات الأخيرة".
ووفق الخزرجي: "نطمح لأن نكون من بين أكبر مراكز التصدير الزراعي في المنطقة، ورفد الموازنة العراقية". يتابع: "تعزيز الاستثمار الزراعي سيساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية، وتخفيض نسبة العجز في الموازنة، وكبح النفوذ الإيراني المسيطر على السوق العراقية، خصوصاً المحاصيل الزراعية".