كشف مسؤولون عراقيون عن مساع لاسترداد الأموال المهربة خارج البلاد، عن طريق الاستعانة بشركات عالمية، مؤكدين وجود تنسيق عال بهذا الاتجاه، فيما قلل نواب من أهمية ذلك، معتبرين أن قوى الفساد تمنع أي خطوات لاستعادة تلك الأموال.
ويختلف مراقبون بشأن قيمة الأموال التي جرى تهريبها على مدار سنوات طويلة منذ الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، لكنهم يتفقون على أنها كافية لإعادة إعمار العراق بالكامل وتوفير البنى التحتية وفرص العمل وإقامة مشاريع عملاقة.
ووفقا لمستشار رئيس الجمهورية إسماعيل الحديدي، فإن "رئيس الجمهورية (برهم صالح)، مهتم بملف استرداد الأموال المهربة، وهناك إجراءات مستمرة وعمل وتنسيق مع البرلمان، ولقاءات مع اللجنتين القانونية والمالية البرلمانيتين، لسن تعديل قانون استرداد الأموال المهربة".
وقال الحديدي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية المحلية (واع)، إن "البرلمان أبدى استعداده لتعديل القانون الحالي، بما يمكن من استرداد كل الأموال العراقية المهربة، وقريباً سيكون هناك تعديل للقانون والتصويت عليه من قبله".
وأوضح أن "القانون يتضمن كيفية استرداد الأموال المهربة من الخارج، بالتعاون مع شركات عالمية تتبنى استردادها مقابل أجور معينة"، مؤكداً "حاجة الملف إلى دعم خارجي، لأن أغلب الأموال المهربة ومهربيها خارج العراق، ولذلك هناك حاجة إلى تضامن دولي".
وأشار الحديدي، أمس، الى أن "الشركات العالمية التي ستتبنى الموضوع، سيتم دفع أجورها بعد استردادها الأموال المهربة، وفق أصول قانونية"، مشدداً على أن "القانون يجب أن يكون محكماً ويتبنى استرداد تلك الأموال، كونه خطوة مهمة، ولاقى اهتماماً كبيراً من قبل رئيس الجمهورية والبرلمان العراقي".
وكان الرئيس العراقي قد أكد، مطلع مارس/ آذار الماضي، أنه بصدد وضع مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد الأموال المنهوبة من العراق، والموجودة في الخارج. وهذا التعليق الثاني له خلال أقل من ستة أشهر، فقد سبق له أن قال، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن العراق يمضي في استرداد الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين.
لكن نواباً عراقيين قللوا من إمكانية استرداد ما تم تهريبه، معتبرين أن "نفوذ وسلطة الفساد تحول دون إمكانية اتخاذ أي قرار بهذا الاتجاه".
وقال النائب عن تحالف عراقيون علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "الملف يحتاج قراراً شجاعاً من الدولة العراقية بكل مكوناتها، فالأمر يحتاج إلى قرار سياسي وقانوني وإداري".
وأضاف أن "الفساد أصبح موضوعاً مستهلكا، وأغلب الإجراءات بتحجيم الفساد هي شكلية، والسبب أن جهات متنفذة مسيطرة سيطرة كبيرة على القرار السياسي بالدولة، وهي تحول دون اتخاذ إجراءات صارمة وقوية تجاه الفاسدين".
وشدد على أن "القانون في العراق يطبق على الفقراء فقط، أما حيتان الفساد فمن الصعوبة تطبيقه عليهم، لأنهم متنفذون وأصحاب قرار، وأغلب مجريات الأمور تحت سيطرتهم".
بدوره، اعتبر مسؤول في هيئة النزاهة العراقية أنه "لا يمكن استعادة الأموال المنهوبة، إلا في حال التخلص من القوى المتنفذة، والتي تمنع أي حراك بهذا الاتجاه".
وقال المسؤول لـ"العربي الجديد": "معلوم أن الجهات التي نهبت تلك الأموال ما زالت تتمتع بنفوذ سياسي وبرلماني واسع، وهي أحزاب السلطة التي حكمت البلاد طيلة السنوات السابقة، وأنها اليوم تعارض أي خطوة عملية أو قانونية لاستردادها".
وأضاف "تلك القوى استخدمت نفوذها الحكومي والسياسي في عمليات التهريب، ودفعت عمولات لجهات عدة وقدمت إيصالات وهمية، وما إلى ذلك من خطوات، كلفتها الكثير، كونها تعد قوتها السياسية مرتبطة بقوتها المالية".
وتابع أن "هيئة النزاهة لديها ملفات تدين عدداً من المسؤولين الكبار وأحزابهم بملف الأموال المهربة، وقد تم تقديم بعضها إلى القضاء لكن تم تعطيلها بضغوط سياسية"، مشيرا إلى أن "أي خطوة باتجاه الاستعادة سيكون مصيرها الفشل، إلا في حال تم التخلص من تلك القوى ونفوذها السياسي والبرلماني".
وقدّر وزير المالية علي علاوي الأموال المنهوبة من العراق بنحو 250 مليار دولار، سرقت منذ عام 2003 حتى الآن، وهذا المبلغ يبني العديد من الدول، كما أن هذه السرقات أدت إلى تراجع قدرات العراق الاقتصادية.
إلا أن لجنة النزاهة في البرلمان كانت قد قدرت، مطلع العام الحالي، حجم الأموال المهربة بحوالي 350 ترليون دينار (239.7 مليار دولار)، وهو رقم يفوق موازنة البلاد لأكثر من عامين، لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي أكد أن قيمة الأموال المنهوبة تبلغ نحو 450 مليار دولار.