"العربي الجديد" في مدينة حلب الصناعية... 960 منشأة تباشر الإنتاج

19 ديسمبر 2024
مصنع غزل في المدينة الصناعية في حلب (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إعادة إحياء المدينة الصناعية في حلب: بعد سقوط نظام بشار الأسد، شهدت المدينة الصناعية في حلب تحسنًا ملحوظًا مع تعيين إدارة جديدة، حيث ارتفعت نسبة المصانع العاملة من 10% إلى 50% في أسبوعين، مع 960 منشأة جاهزة للإنتاج. التحديات تشمل توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستمر.

- جذب الاستثمارات والمهاجرين: تسعى الإدارة لجذب المستثمرين السوريين من الخارج بتقديم تسهيلات مثل توفير أراضٍ وخدمات متكاملة. القوانين الجديدة تهدف إلى تشجيع الاستثمار الصناعي وإزالة القيود البيروقراطية.

- التحديات والآمال المستقبلية: تواجه الصناعة تحديات مثل توفير الكهرباء والوقود لتقليل التكاليف. مصنع الفيصل للغزل يطمح للتصدير رغم العقوبات، والآمال معقودة على الحكومة لتأمين البنية التحتية ودعم الصناعة.

بدأت سورية رسم خريطة جديدة لاقتصادها، قائم على الإنتاج والاهتمام بمعيشة الناس، وفي جولة لـ"العربي الجديد" في المدينة الصناعية في حلب التي دبّت فيها الحياة بعد سقوط نظام بشار الأسد، كشف المدير العام للمدينة شحود عبد العزيز عن وجود 960 منشأة جاهزة للإنتاج.

وتتجه أنظار السوريين إلى مدينة حلب؛ عاصمة البلاد الاقتصادية، والتي تُعدّ الشريان الأكبر للصناعة الوطنية، لكي تقود قاطرة الإنتاج المحلّي وزيادة الصادرات الخارجية بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولّي إدارة جديدة السلطة في البلاد.
تقع المدينة الصناعية بحلب، في الشيخ نجار، شمال شرقي المدينة بنحو 15 كيلومتراً، وتتميّز بموقع استراتيجي، ومواصلات برية وسكة حديد، لقربها من الحدود التركية، ومع الإدارة الجديدة للمدينة الصناعية التي عُيِّنت في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد تحرير حلب عبر عملية "ردع العدوان"، إذ كانت المدينة مفتاحاً لسقوط دراماتيكي لنظام بشار الأسد، تبدأ سورية مرحلة سياسية واقتصادية جديدة، بعد حُكم استمر نحو ربع قرنٍ. وقد تعرّضت حلب والمدينة الصناعية فيها خلال السنوات التي تلت اندلاع الثورة السورية عام 2011 إلى عمليات نهب وسرقة وغيرها. وأحياناً توقف الإنتاج بسبب المخاطر الأمنية.
 

عودة 50% من المصانع إلى العمل

 المدير العام للمدينة الصناعية في حلب شحود عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"
المدير العام للمدينة الصناعية في حلب شحود عبد العزيز، يتحدث لـ"العربي الجديد"

وقال المدير العام للمدينة الصناعية في حلب شحود عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن المدينة أُسست في عام 2004 وتمتدّ على مساحة 4412 هكتاراً ومقسّمة إلى ثلاث فئات؛ أولى وثانية وثالثة، وكلّ فئة قُسّمت يحسب نوع الصناعة، وهي الغذائية، والكيميائية والهندسية والنسيجية. وأضاف: "مع تسلّم الإدارة الجديدة للمدينة، كانت المصانع التي تعمل لا تتجاوز 10%، وفي غضون أسبوعين فقط، ارتفعت النسبة إلى نحو 50%، والمصانع الجاهزة القائمة اليوم، وهي التي تتوفّر فيها المادة الأولية والماكينات أو الآلات المصنّعة، وهناك 960 منشأة جاهزة للإنتاج، والباقي تقسيمات أرض اشتراها صناعيون، أو بناء في مراحل الإنشاء، أو أرض غير مستملكة.

وأوضح عبد العزيز، وهو مهندس متخرّج في جامعة حلب قسم غزل النسيج ويحضّر ماجستير في هندسة المعادن، أنه منذ تحرير مدينة حلب مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ودخول المدينة الصناعية في الشيخ نجار، جرى تقسيم العمل إلى ثلاث مراحل، وفق خطّة جرى إعدادها وتحضيرها في إدلب منذ قرابة العام، وتشمل تقليل نسبة الأخطاء على المستويات كافة، الشرطي الأمني، والاجتماعي، والحكومي، أي تشمل المؤسسات والفعاليات المتعلقة بالمدينة الصناعية من جميع الجوانب.
وعن أبرز التحدّيات التي تواجهها المدينة الصناعية، قال عبد العزيز إن التحدّي الأكبر توفير الطاقة الكهربائية للمصانع ومنشآت المدينة عموماً، على مدار الساعة، والانتهاء من التقنين، إذ تتوفر التغذية الكهربائية حالياً من التاسعة صباحاً حتى الخامسة عصراً، وأكّد أن العمل جار بدعم الحكومة السورية المؤقتة على هذا التحدي، وتأمين موارد طاقة بديلة، ومعروف أن موارد الطاقة في سورية تتركز في المنطقة الشرقية (معظمها خارج سيطرة إدارة العمليات العسكرية، والحكومة المؤقتة)، وكذلك سدّ الفرات وسدّ تشرين، اللذين يعملان بتوربينة تولّد طاقة كهربائية، لافتاً إلى حلول بديلة إذا طال الأمر، منها استيراد الكهرباء من تركيا، لكن ستكون التكلفة على القطاع الصناعي مرتفعة، إلى جانب التواصل مع مصفاة حمص، والوضع قيد البحث.
وأشار إلى أن "المرحلة الحالية تسعى لإعادة الهيكلة وسن القوانين المطلوبة، بحسب الواقع وخدمة الصناعيين، وما نقدّمه الآن يتعلّق بالخدمات الكهرباء وشبكة الاتصالات، والإطفائية، والنظافة وتأمين مياه الشرب، والمياه الصناعية، وأُزيل بعض العقبات في هذا الإطار"، وتوقع أن تُزال المعوقات كافة، من كهرباء وسواها، في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر.

مساعٍ لجذب المهاجرين

لقطة للمدينة الصناعية في حلب (العربي الجديد)
لقطة للمدينة الصناعية في حلب (العربي الجديد)

ورداً على سؤول حول مستوى الخدمات وما تقدّمه المدينة للصناعي القادم إليها، سواء كان سوريًّا أو من جنسية أخرى، يقول عبد العزيز إنه يجرى تقديم أراضٍ بمساحات متعددة للمستثمر الصناعي، الغاية منها إنشاء مشروعه، ويبدأ الصناعي من مبنى النافذة الواحدة، أياً كانت جنسيته، فهو يحق له التملك في المدينة الصناعية، ومطلوب حضور صاحب العلاقة أو وكيله القانوني، يدفع بدايةً سلفة 20% ويقسط الباقي على 7 سنوات، أو يأخذ المقسم (قطعة أرض مقسمة) بطريقة الدفع النقدي، وبعد التخصيص تبدأ مراحل استصدار رخصة البناء، وبعد تشييد يجرى تأمين الآلات للمنشأة والمواد الأولية متوفرة عن طريق إجازات الاستيراد، وكل ذلك يجرى عبر النافذة الواحدة، والتي تضم فروعاً بالدوائر المعنية، كالمالية والجمارك وغيرهما وحتى المصرف الصناعي أيضاً.
وحول الخطط والأهداف، يؤكد عبد العزيز أن الهدف الاستراتيجي هو عودة الصناعيين والمستثمرين السوريين المقيمين في تركيا ومصر وبلاد المهجر، كاشفاً عن تواصل ثلاثة صناعيين سوريين يقيمون في تركيا، مع إدارة المدينة، أحدهم يملك مقسماً ويرغب باستيراد ونقل الآلات، وهناك من يرغب بشراء مقسم جديد، كما أنّ أحد المقيمين السوريين في الإمارات أعلن رغبته في شراء مقسم ليبدأ مشروعه.
ولفت المدير العام للمدينة الصناعية في حلب إلى أنه خلال المرحلة المقبلة لن تكون مساحة المدينة الجغرافية كافية، ولابد من التوسعة، والمدينة الصناعية في حلب بيئة استثمارية جاذبة، والقوانين ستكون ميسرة، عكس المرحلة السابقة في ظل النظام البائد، فأصل القانون يركّز ويشجع على استقطاب الاستثمار الصناعي، لكن التعديات الصارخة على القانون وفرض المزيد من الرسوم الضريبية والجمركية، إلى جانب البيروقراطية والقيود، منها موافقات الفروع الأمنية، وتدخل الفرقة الرابعة بالحرس الجمهوري، جعلت الصناعي في "ورطة"، ودائماً تحت ضغوطات هائلة، ويدفع من 20% إلى 30% من أرباحه، كرشاوى وإتاوات، وغيرها.

وحسب عبد العزيز، فإن القوانين الجديدة التي ستصدر بعد الاستقرار السياسي، خلال المرحلة المقبلة، ستكون مشجعة وخالية من أي قيود أو عوائق، مشيراً إلى أن التجربة في المدينة الصناعية، باب الهوى، بإدلب، أثبتت كفاءتها ولا تفرض على الصناعي أي ضرائب، وجذب المزيد من الصناعيين السوريين من بلدان المهجر، وغيرهم، سيدعم المنتج الصناعي المحلي، ويحد من الاستيراد، إضافة إلى توفير فرص العمل، والحد من البطالة المنتشرة.

جولة في مصانع غزل ونسيج

وزارت "العربي الجديد" مصنع الفيصل للغزل، داخل المدينة الصناعية التي طاولتها سابقاً أعمال النهب والتخريب، وتنتج الخيوط الصنعية والممزوجة. وهناك منشأتان إحداهما تنتج أقمشة "السيركولير" وخيوط "البوليستر"، وعبر خطوط الإنتاج من المادة الأولية ثم خيوط "التريكو"، التي تتحول إلى قماش، لتدخل خط التفصيل.
يقول المدير المالي، لمصنع الفيصل للغزل، محمد بسام دواليبي، والذي اصطحبنا في جولة داخل المنشأتين، إن منشأة الفيصل للغزل هي شركة عائلية أسسها فيصل سعيد غجر وأبناءه في عام 2006 على أرض مساحتها الإجمالية 17574 متراً مربعاً، وتبلغ مساحة المباني المخصصة منها للإنتاج ما يقارب 14000 متر مربع، تنتج الخيط المغزول وهو مادة أولية تدخل في صناعة الأقمشة والأنسجة والستائر.
ويضيف: "بلا فخر نحن نعتبر رقم واحد في هذه الصناعة على مستوى سورية، وهاجسنا الجودة، ونركز على أن يكون إنتاجنا مطابقاً للمواصفات القياسية السورية والعالمية وجودتنا سر تميزنا". وأوضح أن المنشأة تضم 160 عاملاً وعاملة، وتبلغ طاقتها الإنتاجية أكثر من 10 أطنان يومياً من الخيط المعزول، إذا توفرت الكهرباء والمحروقات "الفيول"، ونسعى إلى التصدير، إذ حال دون ذلك خلال السنوات السابقة، العقوبات المفروضة على سورية.
ويأمل دواليبي من الحكومة الجديدة المقبلة، في ظل الإجراءات التي يجب أن تتبع، تأمين الكهرباء على مدار الساعة، فالطاقة من تيار كهربائي ووقود، هما عصب الصناعة، ودون توفرهما، تكون التكلفة باهظة على الصناعي، فنقل العمال، سواء من الريف المجاور أو من المدينة إلى المنشأة، تقابله تكلفة تدفع يومياً، سواء كان هناك إنتاج أم لم يكن، إذ تضم المنشأة نحو 160 عاملاً وعاملة، على ورديتين وكل عامل يعيل على الأقل أسرة واحدة، وثمة عمال يعيلون أسر ذويهم المفقودين أو الشهداء، فلا بدّ من إنتاج يغطي هذه المصاريف، وهذا مرهون بالبنية التحية وخاصة الكهرباء.
وحول العمل خلال المرحلة السابقة قبل تحرير محافظة حلب من نظام بشار الأسد، يقول دواليبي، في غضون السنتين الأخيرتين، كانت التغذية الكهربائية على مدار الساعة، دون انقطاع، فقد جرى تسديد رسوماً مرتفعة لتأمين "خط ذهبي" من التيار الكهربائي، لكن بالمقابل ثمة الكثير من المعوقات، تتعلق بالضرائب والجمارك.

المساهمون