تعرضت روسيا وقطاعاتها النفطية والمالية والمصرفية واحتياطياتها من النقد الأجنبي لضربات موجعة منذ غزو القوات الروسية أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضي.
كما تعرضت أسواقها لهزة عنيفة خاصة عقب تجميد الغرب 300 مليار من احتياطي روسيا الأجنبي المودع في البنوك الغربية، ووضْع قيود أمام الصادرات الروسية للنفاذ إلى الأسواق العالمية، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وملاحقة أصول وأموال الروس في الخارج سواء بنوك وشركات أو رجال أعمال.
لكن في المقابل فإن الغرب تعرض أيضا لضربات موجعة لا ترصدها كثيراً وسائل إعلامه، ولا يتحدث عنها السياسيون والنخب الحاكمة خاصة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
المواطن الغربي بات يصرخ بشدة من الغلاء وقفزات الأسعار، والاقتصادات والأسواق الغربية تلقت ضربات موجعة بسبب التوسع في سياسة فرض العقوبات على روسيا
الواقع يقول إن المواطن الغربي بات يصرخ بشدة من الغلاء وقفزات الأسعار، وإن الاقتصادات والأسواق الغربية تلقت ضربات موجعة بسبب التوسع في سياسة فرض العقوبات على روسيا وتحولها إلى ما يشبه البلطجة، وإن كان لا يتم التطرق إلى هذه المظاهر كثيرا في الصحف الغربية كما هو الحال مع اعلام فلاديمير بوتين الذي يحاول التقليل من ارتدادات العقوبات على الاقتصاد الروسي وتأثر المواطن بها ويصور عملة الروبل على أنها تشهد أزهى مراحلها.
ونظرة لمؤشرات الاقتصادات الغربية عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا نجد أنها تأثرت بشدة، وأن المواطن بات يئن من غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، وتعرض فرص العمل إلى ضغوط
في الولايات المتحدة بلغت أسعار الوقود معدلات تاريخية لم تصل إليها من قبل بسبب قفزات أسعار النفط عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا ورغم لجوء حكومة بايدن إلى الاحتياطي الاستراتيجي، لدرجة أن أميركيين باتوا يبحثون عن طرق أرخص لملء خزانات سياراتهم من بلدان مجاورة، بل وأصبحوا يعبرون الحدود إلى المكسيك للحصول على وقود أرخص.
كما شهدت البلاد قفزة في معدل التضخم لم تصل إليها منذ 40 سنة حيث بلغ 8.5% نهاية شهر مارس الماضي، وهناك توقعات بارتفاعه إلى 10% وهو المعدل الأعلى في تاريخ البلاد.
وامتدت قفزات الأسعار إلى كل شيء، فأسعار العقارات شهدت زيادة تجاوزت 20%، وبات مشترو المساكن يواجهون أسعارا لم تشهدها البلاد منذ العام 2011. وأصبحت الأسعار المبالغ فيها أكثر إيلاما للعائلات ذات الدخل المنخفض وتشكو منها الطبقة الوسطى.
في الولايات المتحدة بلغت أسعار الوقود معدلات تاريخية لم تصل إليها من قبل بسبب قفزات أسعار النفط عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا
كما بات الأميركي يعاني من قفزات في أسعار الطاقة والأغذية والايجارات والمواصلات والسيارات المستعملة، وهو ما يثير المخاوف من شبح التضخم الاقتصادي واحتمال حدوث ركود تضخمي حاد يلقي بالاقتصاد والمواطن في بئر الكساد العميق.
وفي أوروبا بات المواطن يعاني من قفزات في تكلفة المعيشية خاصة على مستوى فواتير الطاقة والأغذية والكهرباء وأسعار البنزين وايجارات المساكن. ويزداد الغلاء في الثلاثي الأغنى فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
ومع قفزات أسعار الطاقة المتواصلة بات القطاع الإنتاجي والمصانع على مقربة من التعثر واغلاق أبوابه والتوقف عن الإنتاج.
وانضمت مخاطر الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة إلى خطري كورونا وأزمة التوريدات ونقص المواد الخام لتزيد الضغط على المصانع الأوروبي خاصة قطاع السيارات الألماني الاستراتيجي والصناعات التحويلية.
وقبل أيام حذرت المعاهد الاقتصادية الألمانية من أن وقف واردات الطاقة الروسية سيؤدي إلى ركود اقتصادي حاد بالبلاد في العام المقبل.
إذا كان الغرب يهلل للعقوبات القاسية المفروضة على روسيا، وينظر إليها على أنها تجفف منابع تمويل حرب أوكرانيا وتعد ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي، فهو مخطئ
إذا كان الغرب يهلل للعقوبات القاسية المفروضة على روسيا، وينظر إليها على أنها تجفف منابع تمويل حرب أوكرانيا وتعد ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي، فهو مخطئ.
لأن العقوبات المتواصلة حتى اليوم الخميس ليست خيرا بالنسبة إليها، بل هي شر أيضاً للاقتصادين الأميركي والأوروبي وقبلهما المواطن. وكما تتألم روسيا من العقوبات والحرب الاقتصادية الغربية، فإن الغرب يتألم أيضاً من تلك العقوبات.