الغلاء يضرب الأسواق العربية: شظايا الحرب الروسية الأوكرانية

28 فبراير 2022
الحرب الروسية الأوكرانية تزيد معاناة المواطنين العرب من ارتفاع الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

امتدت تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية إلى معيشة الشعوب العربية، إذ بدأت أسواق العديد من دول المنطقة الدخول في دائرة الغلاء مجدّداً، ومن هذه الدول الأردن والسودان ومصر والمغرب وسورية.

ويأتي ذلك رغم التحركات الحكومية التي استهدفت تأمين المخزونات الكافية من السلع الضروية وضبط الأسواق من أجل تخفيف الأزمات المعيشية التي يواجهها المواطنون.

الأردن: الحرب ترفع أسعار السلع

تتابع حكومة الأردن باهتمام حركة الأسواق العالمية ومدى تأثرها بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكونه يستورد ما نسبته 80%-90% من احتياجاته الغذائية من الخارج، وكذلك احتمال ارتفاع الأسعار، ولا سيما مع اقتراب شهر رمضان. كذلك يستورد الأردن كامل احتياجاته من النفط والغاز والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج.

وأعلنت شركات تجارية أردنية حدوث ارتفاعات في أسعار بعض الأصناف الغذائية، كالزيوت النباتية، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يستورد الأردن كميات كبيرة من الزيوت النباتية من أوكرانيا، ما قد يؤثر بالمخزون منها.

وقال المدير العام لشركة سومطرة للصناعات الغذائية في الأردن، إيهاب الشرفا، إن "أسعار الزيوت النباتية بدأت ترتفع في الأردن متأثرة بالغزو الروسي لأوكرانيا. وإن العديد من المواد الغذائية وغير الغذائية سترتفع أسعارها في الأردن إذا استمرت الأزمة الروسية الأوكرانية لمدة طويلة".

وبيّن أن الأردن يستورد الحبوب والحديد من أوكرانيا، ويستورد 80% من زيوت دوار الشمس من أوكرانيا وروسيا، مشيراً إلى أن هذا النوع من الزيوت يعتبر الأكثر استهلاكاً للمواطن.

وقال إن الأزمة الروسية الأوكرانية منذ بدايتها رفعت سعر زيت النخيل والصويا بنسبة 20%، وانعكس هذا الارتفاع على أسعار زيوت دوار الشمس والذرة محلياً.

وكإجراءات احترازية أعلنت وزارة الصناعة والتجارة والتموين التي تتولى الإشراف على الأمن الغذائي في البلاد بدء العمل على وضع خطة متكاملة بالتنسيق مع القطاعين الصناعي والتجاري، وذلك لتعزيز المخزون من مختلف المواد التموينية استعداداً للشهر الفضيل، ولتفادي الآثار المحتملة للحرب على الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة.

وقال وزير الصناعة والتجارة الأردني يوسف الشمالي، إن الحكومة تراقب بورصات الغذاء والأسواق العالمية.

وشهد الأردن ارتفاعاً كبيراً في أسعار العديد من السلع بسبب جائحة كورونا وتداعياتها، وتواصل غلاء بعضها بسبب الحرب، كالزيوت النباتية والسكر وبعض أصناف اللحوم والبقوليات وغيرها، فيما ارتفعت أسعار الخضار والفواكه لمستويات قياسية.

من جانبه، قال رئيس نقابة تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، إن الزيوت النباتية متوافرة في السوق المحلية، وهناك بدائل للمستوردات القادمة من أوكرانيا، موضحاً أن النقابة تتابع مع وزارة الصناعة والتجارة والتموين مجريات الأحداث لأنها سيكون لها انعكاسات على أسعار النفط وأجور الشحن العالمية.

وفي خطوة موازية، قال المدير العام للمؤسسة الاستهلاكية المدنية الحكومية، سلمان القضاة، لـ"العربي الجديد" إن المؤسسة عملت على تعزيز مخزونها من السلع التموينية استعداداً لشهر رمضان المبارك الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك ولتفادي أي ارتفاعات قد تحدث على الأسعار.

وأضاف أنه جرى تخفيض أسعار معظم السلع التموينية المبيعة في أسواق المؤسسة لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين والحد من ارتفاع الأسعار.

المغرب: الغلاء يقلق الأسر

لم تغب الأسعار عن تصريحات الحكومة المغربية منذ تنصيبها، حيث تسعى لتبرير الزيادات التي تعرفها بتداعيات الأزمة الصحية التي أثرت بأسعار العديد من المواد الأولية. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليزيد من مخاوف الأسر من موجة جديدة لارتفاع الأسعار.

وأضحت الأسعار مستحوذة على اهتمامات الأسر في الأشهر الأخيرة، وهو ما تعكسه وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم يتردد البعض فيها بمطالبة رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالرحيل.

وفي الأسبوع الماضي حضرت الأسعار بقوة في اجتماع قادة الأغلبية الحكومية حيث طغت على ما سواها من مواضيع، إذ أكد رئيس التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن هناك ضغطاً كبيراً على الموازنة.

جاء ذلك في معرض تأكيده أن الحكومة تبذل جهداً كبيراً بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر عبر دعم سلع وخدمات أساسية سجلت أسعارها ارتفاعاً في السوق الدولية.

وأوضح أن الحكومة خصصت دعماً بحدود 1.7 مليار دولار لغاز الطهو، و1.4 مليار دولار لدعم الكهرباء، و60 مليون دولار شهرياً لدعم دقيق القمح اللين، و300 مليون دولار لدعم السكر، في سياق ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.

واشتد الضغط على الحكومة في الفترة الأخيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، بما كان له من تأثير في أسعار البنزين والسولار.

وصرّح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بأن الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي المغرب تظل مرتبطة بالظرفية الدولية الحالية والتوترات الجيوسياسية.

وتعاظمت مخاوف الأسر في الفترة الأخيرة في ظل ارتفاع أسعار القمح والدقيق، وتأججت أكثر في سياق متسم بانحباس التساقطات المطرية، بما في ذلك من تداعيات على محاصيل الحبوب في الموسم الحالي.

وبادرت وزارة الاقتصاد والمالية، الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع اجتماع قادة أحزاب الأغلبية الحكومية إلى التأكيد أن "سعر الخبز العادي من دقيق القمح اللين لم يعرف أي تغيير ويظل في مستواه الحالي، أي 1.2 درهم للوحدة".

ووجهت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك طلباً إلى رئيس مجلس المنافسة، تدعوه فيها إلى فتح تحقيق في الزيادات غير القانونية التي أعلنتها تنظيمات أرباب المخابز.

ويتصور رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، وديع مديح، أنه يجب على المجلس ممارسة دوره في التدخل من أجل ردع كل الاتفاقات والتحالفات الصريحة أو الضمنية التي يمكن أن تمسّ بالمنافسة وتفضي إلى الزيادة في الأسعار وإلحاق الضرر بالمستهلك.

ويلتقي هذا المطلب مع العديد من الأصوات التي تدعو إلى تدخل الحكومة من أجل حماية المستهلك من المضاربين والوسطاء، والفاعلين في بعض القطاعات الذين قد يعمدون إلى الزيادة في الأسعار، مستغلين وضعية الندرة في السوق.

سورية: تقشف حكومي وهستيريا بالأسواق

تعيش الأسواق السورية حالة "هستيريا" منذ أربعة أيام، بسبب الحرب المندلعة في أوكرانيا. وحسبما يكشف العامل السابق في وزارة الإدارة المحلية، خضر جوخدار، لـ"العربي الجديد"، فإن "عرض السلع والمنتجات بالأسواق السورية، تراجعت بنحو 30%، ما رفع الأسعار بالنسبة ذاتها، مع زيادة الطلب وتفشي ظاهرة الاحتكار التي هي السبب الحقيقي لفوضى الأسواق".

وأضاف: "ليس من المعقول أن تتراجع المخزونات خلال ثلاثة أيام وتظهر آثار وقف الاستيراد بهذه السرعة".

ولا يستبعد جوخدار رفع حكومة الأسد أسعار الخبز والمحروقات، بعد خطة التقنين والتقشف التي أعلنتها خلال آخر اجتماع للحكومة الأسبوع الماضي، لأن روسيا أهم مصدّر للقمح والنفط إلى سورية.

وأوضح أن سعر ربطة الخبز "1100 غرام" بلغت نحو 1400 ليرة خارج الأفران، فيما لا يزيد سعرها المدعوم على 250 ليرة (الدولار = نحو 3650 ليرة).

وارتفعت، بحسب المصدر ذاته، معظم الأسعار في السوق السورية، فقفز سعر كيلو الأرز من 4800 إلى 5800 ليرة على سبيل المثال.

وكانت حكومة بشار الأسد قد أصدرت "قرارات ترشيد وتقشف" بهدف إدارة التداعيات المحتملة ودراسة سيناريوهات التعامل معها لتقليل انعكاسها على الوضع الاقتصادي والخدمي للمستهلكين، بحسب البيان الحكومي.

وطلبت حكومة النظام "النجدة" من رجال الأعمال السوريين، بحسب الصناعي محمد طيب العلو، الذي قال: "لكن الاستجابة كانت بحدودها الدنيا ولم يحضر إلا بعض ممثلي قطاع الأعمال عن المحافظات، رغم تبليغ غرف التجارة والصناعة، والاجتماع كان برئاسة رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس".

ويبيّن العلو لـ"العربي الجديد" أن عرنوس حاول خلال الاجتماع "استنهاض همم التجار"، لأن حليف سورية الروسي يخوض حرباً تمسّ أمنه الوطني، معرباً عن تخوفه من شحّ المواد الغذائية والمشتقات النفطية، ملمحاً إلى "تسهيلات ودعم" للتجار لتأمين احتياجات السوق من مصادر جديدة، كما تم تمديد مدة إجازة الاستيراد لضعف المدة "أصبحت لعام كامل".

ويكشف العلو أنه تقرر تشكيل لجنة مشتركة من صناعيي وتجار سورية لوضع أولويات التعامل مع "تبعات المرحلة القادمة" وتقديم مذكرة للمطالب المشتركة لدى الصناعيين والتجار، حيث تجري دراستها والعمل على تلبية المحق منها "بأسرع وقت ممكن".

ويرى مختصون أن أول آثار الحرب الروسية على أوكرانيا، سينعكس على خبز السوريين، بعد تراجع الإنتاج السوري من القمح، من أكثر من 3 ملايين طن قبل عام 2011 إلى نحو 900 ألف طن الموسم السابق، واعتماد نظام الأسد على الاستيراد، من روسيا أولاً ثم من أوكرانيا.

ويتوقع مدير مؤسسة الحبوب في المعارضة السورية، حسان محمد، أن احتياطي القمح لدى نظام بشار الأسد لا يزيد على 250 ألف طن، لأنه يستورد شهرياً من الخارج ولم يزد ما استجره من القمح السوري للموسم السابق، على 600 ألف طن، ما يعني أن الاحتياطي لدى نظام الأسد يكفيه لأربعين يوماً في حد أقصى، وإن طال أمد الحرب، فسيزيد ارتفاع الأسعار وربما "مجاعة بسورية".

بدوره، يرى المهندس الزراعي، يحيى تناري أن خبز السوريين أول المتأثرين بالحرب، لأن سورية تستورد شهرياً بين 180 -200 ألف طن، بسعر لا يقل عن 400 مليون دولار.

ويتوقع تناري خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن نظام الأسد سيزيد من عروض استدراج القمح من خارج روسيا.

ولم تخف حكومة النظام السوري أثر الحرب على عرض السلع وتوافرها، إذ قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، عمرو سالم، إن الأزمة الأوكرانية ستؤثر ببعض الأمور مثل الشحن من روسيا والتحويلات المالية.

ورمى سالم مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى ملعب التجار السوريين، خلال تصريحاته الإذاعية أول من أمس.

ويرى الخبير النفطي، عبد القادر عبد الحميد، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن آثار الحرب ستتجلى بشكل كبير، في توافر وسعر المشتقات النفطية بالأسواق السورية، فبلاده التي كانت تنتج أكثر من 380 ألف برميل نفط يومياً، قبل عام 2011، لا يزيد الإنتاج بمناطق النظام اليوم، على 30 ألف برميل، وبقية الفجوة يجري استيرادها من روسيا، ومن ثم إيران.

ويرى الاقتصادي السوري محمود حسين، أن الحرب الروسية على أوكرانيا، كلما طال أمدها أو تمددت، ستزيد من الأسعار بالداخل السوري، وبالتالي تزيد من نسب الفقر التي تزيد اليوم على 90%، لأن مشاكل عمليات الاستيراد ستزداد صعوبة، كذلك فإن روسيا هي الداعم الأساس للنظام السوري والمورد الأول له بالقمح والنفط.

ويلفت حسين خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن نظام الأسد الذي يستنجد اليوم بقطاع الأعمال، حاول عبر سنوات الثورة ابتزازهم وتهجيرهم، متوقعاً عدم الاستجابة، وبالتالي تراجع العرض السلعي بالسوق.

مصر: تكلفة متزايدة لتأمين الاحتياجات

قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري نادر سعد، إن بلاده تأمل ألا تمتد الأزمة الروسية ـ الأوكرانية لفترة طويلة، تفادياً لتعرض موازنة مصر لضغط شديد، مشيراً إلى العمل على خطة لاستيراد القمح من مناطق أخرى بدلاً من موسكو وكييف.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن سعد قوله، أول من أمس، إن مصر لديها 14 دولة معتمدة لتوريد القمح، بعضها خارج القارة الأوروبية.

وروسيا وأوكرانيا هما عادة أكبر مصدري القمح إلى مصر، إذ بلغت نسبة الواردات الروسية نحو 50%، فيما بلغت الأوكرانية 30% من إجمالي واردات مصر من القمح في عام 2021، حسب وكالة رويترز.

وقال سعد في مداخلة هاتفية لإحدى القنوات الخاصة المصرية إن البنك المركزي والحكومة يعملان لتأمين الاحتياجات المصرية، وفقاً لما نقلته الوكالة الرسمية.

وحسب مراقبين، ستؤدي الحرب إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، ما يفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين. ووفقاً للخبير الاقتصادي، عبد النبى عبد المطلب، لـ"العربي الجديد"، فإن روسيا وأوكرانيا من أهم موردي القمح إلى مصر والعالم العربى، حيث تستورد مصر ما قيمته 3 مليارات دولار، منها نحو 1.7 مليار دولار واردات مصر من القمح الروسى، ونحو 0.7 مليار دولار واردات مصر من القمح الأوكرانى. وأشار إلى أن التوتر العسكري قد سبّب فعلياً رفع أسعار الطاقة، والقمح عالمياً، وبالتالي سينعكس ذلك على الأسعار محلياً.

وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره. وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، قفزت العقود الآجلة لشحنات القمح والذرة الأميركية إلى أعلى مستوى منذ أكثر من تسعة أعوام، نهاية الأسبوع الماضي.

ولا تقتصر مخاوف الدول المستوردة لهذه السلع الرئيسية على توقف صادرات القمح الروسي والأوكراني فقط، بل قد تتسع الدائرة لتشمل الدول الغربية الموردة التي قد تدخل في الصراع.

السودان: زيادة أسعار الوقود والغذاء

تُعد السودان من أكثر الدول العربية تضرراً من الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة في حال إطالة أمد الأزمة، بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته والقمح، لكون روسيا المنتج الأكبر له.

وقال المحلل الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد" إن الحرب تؤثر بسلاسل القيمة للواردات الروسية للمنطقة العربية بأكملها، لافتاً إلى أن الواردات الروسية للسودان تبلغ 750 مليون دولار ومعظمها من الدقيق والقمح.

وتوقع أن تسبب الحرب إذا طال أمدها زيادة أسعار النفط إلى (120) دولاراً للبرميل، ما يرفع من تكلفة المشتقات النفطية بالسودان، لأن إنتاجه منها لا يكفي سوى (40 ـ50%) من الاستهلاك.

كذلك سيتأثر السودان بارتفاع الأسعار العالمية للنقل والتأمين ويفاقم من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية التي يعيشها المواطنين، حسب الناير.

أما المحلل الأكاديمي إبراهيم أونور، فأكد لـ"العربي الجديد" أن الوضع لا يزال ضبابياً حتى الآن، غير أن استمرار الصراع قد يسبب ارتفاع أسعار النفط ومنتجاته والقمح الذي تعتبر روسيا من أكبر الدول المنتجة له.

وحسب بيانات رسمية، صعد التضخم السنوي في السودان بنسبة 359 بالمئة في 2021، مقارنة بنمو 163.26 بالمئة في 2020، في مؤشر على تصاعد أزمات الغلاء رغم الإجراءات الحكومية.

المساهمون