إذا كنا لا نمتلك المال الكافي لإطعام أولادنا، وسداد فواتير المياه والكهرباء، وشراء أنبوبة غاز لطهي الطعام وتدفئة المياه في الشتاء القارس، فمن أين يأتينا المال اللازم لشراء كمامات ومحاليل وباقي المستلزمات الأولية والضرورية لحمايتنا من فيروس كورونا؟
وإذا كنا نواجه معاناة شبه يومية في تدبير كلفة المواصلات العامة، وسداد رسوم الدروس الخصوصية لأولادنا الذين باتوا لا يتلقون تعليما جيدا في المدارس والجامعات العامة مع تفشي الوباء، فهل لدينا القدرة على شراء جرعة من لقاح مودرنا يصل سعرها نحو 30 دولارا للعبوة الواحدة؟
وإذا كانت الأموال والمستحقات قد تراكمت علينا، والتعثر المالي يلاحقنا من كل اتجاه، وبتنا غير قادرين على سداد أجرة المسكن الذي نقطن فيه، وكلفة العلاج وشراء الأدوية الضرورية، فهل نفكر في حيازة أي لقاح حتى ولو كان من عينة فايزر البالغ سعر 20 دولارا للجرعة الواحدة، ومطلوب تناول جرعتين منه لتفادي الإصابة بفيروس كورونا؟
وإذا كنا نواجه أصلا مشكلة في الحصول على سرير في مستشفى عام لعلاجنا من الأمراض العادية، فهل سنجد هذا السرير في زمن كورونا الذي تسبب في حدوث زحام بالمستشفيات الخاصة قبل العامة، وتسبب في الضغط الشديد على القطاع الصحي ودور الرعاية؟
هذا هو لسان حال ملايين الفقراء في دول المنطقة الذين حولهم صندوق النقد الدولي إلى فئات تجارب لسياساته التقشفية العنيفة التي تطبقها الحكومات على الدول الفقيرة وتلجأ إليه طلباً للنجدة عبر تلال من القروض، كما رمتهم سياسات الأنظمة العربية في محرقة الفقر والذل، وحولت الطبقة الوسطى إلى فقراء وربما منتمين إلى طبقة الفقر المدقع التي تواجه صعوبة شديدة في الحصول على وجبة طعام يومية لها ولأولادها، وباتت الحياة بالنسبة لكل هؤلاء سلسلة من المعاناة والأزمات المعيشية المتواصلة، وأحياناً جحيماً لا يطاق مع فقدان فرص العمل وتزايد البطالة والفقر وتراجع الدخول.
وإذا كانت الحكومات باتت تتربح من الفقراء والمشردين وجيش الموظفين في الجهاز الإداري في الدولة، وتتاجر في آلامهم وتحرم الملايين منهم من حقوقهم المشروعة في ثروات بلادهم، وتمنع عنهم دعم الخبز والوقود والخدمات الأساسية، وترفع الأسعار والرسوم والضرائب، وتغرقهم في بحار من القروض الخارجية والداخلية، وتوجه ما تبقى من موارد الدولة المحدودة لبناء القصور والمدن الجديدة التي لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن، فهل هذه الحكومات نفسها هي من ستشتري لقاح كورونا لتوزعه على الفقراء بالمجان؟
أشك.