يراهن مجتمع الأعمال التونسي على فتح صفحة جديدة في التعاملات الاقتصادية مع الأسواق الأفريقية، بينما يشهد العديد من دول القارة أزمات سياسية واشتباكات مسلحة أربكت حركة الأفراد والسلع.
وخلال الأشهر الماضية، تعثرت العلاقات الاقتصادية بين تونس ودول جنوب الصحراء بعد تنامي خطاب العنصرية ضد مهاجري دول جنوب الصحراء، ما تسبب في إقصاء شركات تونسية من مناقصات في السوق الأفريقية.
وتتزامن مساعي القطاع الخاص التونسي للعودة بقوة إلى السوق الأفريقية مع تنامي الاشتباكات المسلحة في السودان وانقلابين عسكريين في كل من النيجر والغابون مع تواصل الانقلابات التي شهدتها منطقة غرب ووسط أفريقيا منذ 2020.
وتستعد تونس لاحتضان منتدى للاستثمار وريادة الأعمال في أفريقيا يوم 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، وذلك بمشاركة أكثر من 1000 مجموعة من مختلف دول القارة ومؤسسات تمويل دولية.
ويعد منتدى الاستثمار وريادة الأعمال المرتقب انعقاده في تونس بوابة العودة للسوق الأفريقية التي يعوّل عليها المستثمرون رغم مخاطر عدم الاستقرار الأمني في المنطقة.
ويقول رئيس مجلس الأعمال التونسي الأفريقي أنيس الجزيري، إن القطاع الخاص مستعد للعودة بقوة للسوق الأفريقية من خلال فرص الاستثمار التي ستعرض في المنتدى، متوقعا أن يسجل مشاركة أفريقية قياسية رغم الأزمات في المنطقة.
ويؤكد الجزيري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن قطاع الأعمال التونسي يخطط لتحدي كل الأزمات السياسية والأمنية في المنطقة لضمان عودة قوية للمستثمرين إلى السوق الأفريقية، مشيرا إلى أن تونس تمكنت خلال السنوات الثماني الماضية من مضاعفة معاملاتها التجارية مع البلدان الأفريقية ثلاث مرات.
وحسب بيانات لمجلس الأعمال التونسي الأفريقي زادت المعاملات التجارية التونسية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء منذ سنة 2015 إلى الآن من 500 مليون دينار إلى نحو 1.5 مليار دينار، ما يمثل 3 بالمائة من مجموع المبادلات التجارية للبلاد.
ويشير الجزيري إلى المعاملات التجارية التونسية مع الدول الأفريقية، بما في ذلك المنطقة المغاربية التي تمثل 10 بالمائة من المبادلات التجارية الدولية للبلاد.
غير أن هذه الأرقام لا تزال ضعيفة، حسب الجزيري، الذي أكد أن تونس قادرة على الارتقاء بمبادلاتها التجارية السنوية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى حدود 5 مليارات دينار، ما يساعد على زيادة النمو الاقتصادي للبلاد بنقطتين.
ولا ينكر الجزيري تعثر التعاون الاقتصادي بين تونس ودول أفريقيا جنوب الصحراء خلال الأشهر الماضية بسبب الوصم العنصري الذي لاحق بلاده، مؤكدا تعرّض شركات تونسية للإقصاء من مناقصات في عدد من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وأشار في سياق متصل إلى أن دولاً منافسة لتونس في الفضاء الأفريقي عملت على تأجيج الأزمة، لافتا إلى أن الفرصة لا تزال سانحة لفتح صفحة جديدة مع دول جنوب الصحراء التي تمثل واحدة من أهم الأسواق الدولية الواعدة.
وحول تأثير الأزمات السياسية والانقلابات في المنطقة على استقرارها وجاذبيتها للمستثمرين ورؤوس الأموال، أفاد الجزيري بأن هذه السوق التي تضم أكثر من 400 مليون مستهلك تظل مهمة جدا لكل دول العالم رغم كل المخاطر، مرجحا ألا تستمر التوترات طويلا.
وخلال الأشهر الماضية، أبدى المتعاملون الاقتصاديون في تونس قلقا كبيرا من تداعيات موجات العنصرية للمهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين تونس والدول الجنوبية للقارة بعدما راهن مجتمع الأعمال طويلا على هذه السوق لفتح متنفس جديد للاقتصاد المحلي.
ومنذ انضمام تونس رسميا إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في "كوميسا" في يوليو/ تموز 2018 تضاعفت جهود مجالس الأعمال المشتركة من أجل تثبيت حضور تونس في سوق تشهد مزاحمة كبيرة.
وفي فبراير/ شباط الماضي، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في اجتماع مجلس الأمن القومي: "هناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس".
بالتوازي، شنت قوات الأمن حملات لإيقاف المهاجرين المقيمين في تونس في وضعية غير نظامية، ما جعل البلاد تتعرض لحملة انتقادات دولية واسعة واتهامها بالعنصرية.
ويرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن تونس في حاجة ماسة إلى بعث رسائل طمأنة لكل المستثمرين في الداخل والخارج لإيجاد متنفس لوضعها الاقتصادي الصعب.
وأكد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن نسب النمو الضعيفة المسجلة خلال الأشهر الستة من العام الحالي تعكس مرحلة انكماش كل محركات إنتاج الثروة، مشددا على ضرورة المرور نحو نموذج استثماري جديد أكثر انفتاحا ومرونة.
وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي حول النمو الاقتصادي والبطالة أن نمو النشاط الاقتصادي لم يتجاوز 0.6 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وذلك مقارنة بالثلاثي المماثل في السنة الماضية، بينما صعدت نسبة البطالة إلى 15.6 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين إبريل/ نيسان ويوليو/ تموز 2023 مقابل نسبة 15.3 في المائة خلال الربع الأول من السنة الحالية.