اللبنانيون المنهوبون في الحرب... يا وحدهم

26 سبتمبر 2024
النازحون في مدينة صيدا باتجاه بيروت، 24 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نصف مليون نازح من جنوب لبنان عاشوا ساعات من الرعب على الطرقات المؤدية إلى بيروت، معاناة تفاقمت بسبب القصف الإسرائيلي وزحمة السير.
- ضعف الدولة اللبنانية المنهوبة ظهر جلياً، حيث لم تتوفر أي مساعدات رسمية للنازحين الذين لجأوا إلى المدارس الخالية من المياه والطعام والكهرباء.
- اللبنانيون المنهوبون وحدهم يواجهون الحرب، يتقاسمون المعاناة تحت منظومة مافياوية ومليشياوية، بينما قادة الأحزاب يهربون الأموال ويتركون الشعب في مواجهة مصير قاتم.

نصف مليون نازح تركوا بيوتهم في جنوب لبنان إلى مناطق أكثر أماناً. ساعات من الرعب عاشوها على الطرقات المؤدية إلى بيروت خلال اليومين الأخيرين. زحمة السير أخرت رحلتهم القاسية لأكثر من 18 ساعة، فيما كانت إسرائيل تقصف أطراف الطريق الطويل، مروعة الهاربين من أصوات القذائف.

قصص عن معاناة النازحين على الطريق، وأم لم تجد من يسعفها عندما حان موعد ولادتها، وأطفال يخبئون رؤوسهم ويصمون آذانهم عن صوت القصف على بعد أمتار منهم، وفقدان القدرة على التواصل بسبب ضعف شبكة الهاتف وكذلك الإنترنت. لا أحد يستجيب لاستغاثاتهم سوى ناس من ضحايا الأزمة الاقتصادية المسيطرة على البلد، تقاطروا من بيوتهم على امتداد الطريق لتوزيع الطعام والمياه وتقديم المواصلات بمبادرات شخصية.

وفي هذه الرحلة، كان ضعف الدولة اللبنانية المنهوبة يزداد وقعاً. تساءل الآلاف عن شرطة السير، وعن خلية الأزمات التي طمأنتهم منذ أسابيع بأن لديها خطة متكاملة للإخلاء والنزوح، وعن مسؤول يظهر في الإعلام ويطمئنهم بأن مصيرهم لن يكون في الشارع. لم يكن لصوتهم أي صدى، ولم تحرك معاناتهم أياً من أباطرة المال الذين عاثوا في البلد فساداً وصفقات وسرقات.

وصل الآلاف من النازحين إلى بيروت والشمال والشوف والبقاع وغيرها من المناطق شبه الآمنة، ليكتشفوا أنه حتى المدارس التي من المفترض أن تكون مراكز رسمية لإيوائهم وأسرهم، خالية من كل شيء. لا مياه، لا طعام، لا فرق مساعدة، لا كهرباء، لا مساعدات، ولا حتى فراش يمكن وضعه على الأرض. تُركوا وحدهم من الدولة المنهوبة. مبادرات مجتمعية وبيوت مجانية من لبنانيين منكوبين اجتماعياً واقتصادياً أيضاً استقبلت بعضهم، فيما بقي آخرون في سياراتهم أو في المدارس الخالية.

بلد تعرض لأكبر عمليات النهب في تاريخه، دخل الحرب مسروقاً وفقيراً وضعيفاً. منذ خمس سنوات هرّب قادة الأحزاب مليارات الدولارات من أموالهم، أفرغوا المصارف إلا من ودائع الناس التي استولت عليها المصارف الموزعة بغالبيتها على عائلات قادة الأحزاب ذاتهم. انهيار الليرة اللبنانية جعل الرواتب بلا قيمة، التضخم أكل القدرة الشرائية بلا رحمة، وفوق كل ذلك، تم تفجير بيروت ليصبح البلد مفلساً ومنكوباً من دون أي أمل بجذب استثمار أو إطلاق مشروع لتشغيل البشر.

وبعد التفجير وعملية السرقة الضخمة، المحاسبة ممنوعة عن أي مسؤول، لا بل لا يزال هؤلاء في أماكنهم، يهدمون كل مؤسسات الدولة، يحرضون أتباعهم على أبناء أرضهم، ويزرعون الانقسام والكراهية.

اللبنانيون المنهوبون وحدهم يواجهون الحرب، يواسون بعضهم بعضاً، يتقاسمون المعاناة تحت منظومة مافياوية ومليشياوية. كل من النازحين ومن يستقبلهم جيوبهم فارغة، ومصيرهم قاتم، وثمة في ظل هذا الخراب من يدعوهم للصمت أمام كل هذا الموت والذل.

المساهمون