تابعت الليرة التركية تراجعها ولو على نحو طفيف، اليوم الثلاثاء، مسجلة 34.353 ليرة مقابل الدولار و37.458 ليرة لليورو، بعد صدور بيانات التضخم أمس، وما يقال عن توصية البنك الدولي بعدم رفع كبير بالحد الأدنى للأجور، واستمرار تثبيت سعر الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية بالمصرف المركزي (17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، فيما يعيش الاقتصاد التركي حالة مختلطة من المؤشرات وتضارب بالبيانات وتذبذب بسعر الصرف ونسب التضخم، ما يصعّب قراءة المشهد المقبل، بحسب مراقبين، خصوصاً بعد نسف السياسات القديمة، سواء المتعلقة بسعر الفائدة المنخفض أو عدم مد اليد للمؤسسات الدولية المالية.
ولم تأتِ نسبة تراجع التضخم التي سجلت أمس 48.58% على أساس سنوي، كما التوقعات وتصريحات المسؤولين الأتراك التي رجحت، بالحد الأدنى، تراجع التضخم إلى 48.2% لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين بنحو 2.88% وتباطؤ مؤشر أسعار المنتجين، لكنها جميعها أقل من التوقعات والمرسوم ببرنامج الحكومة الاقتصادي الذي يطمح إلى وصول التضخم إلى مرتبة الآحاد نهاية العام المقبل.
وتراجع سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار من 34.24 أمس إلى 34.35 اليوم، لتقترب من أدنى قاع سجلته في 4 أكتوبر الماضي، حينما بلغت مستويات 34.41 ليرة للدولار، لتصل نسبة التراجع منذ بداية العام إلى أكثر من 15% نزولاً من مستويات 29.82 ليرة مقابل الدولار إلى الأرقام الحالية، بينما تراجعت 24% خلال عام كامل، وذلك بعد مسيرة الهبوط العام الماضي من مستويات 18.7 مقابل الدولار إلى حدود 29.5 ليرة للدولار، بتراجع 57%.
وتزامن ذلك مع الزلزال الذي ضرب عشر ولايات تركية، في فبراير/شباط العام الماضي وزادت تكاليفه، بحسب تقديرات البنك الدولي على 34.2 مليار دولار من الأضرار المادية، أو نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021، وأيضاً بالتوازي مع نهج الحكومة الجديد وبرنامج الفريق الاقتصادي الذي بدّل السياسة المالية والنقدية، فرفع الضرائب وسعر الفائدة بنحو 4150 نقطة، ما يعادل 41.5%، من 8.5 إلى 50% منذ سبتمبر/ أيلول 2021 حتى مارس/ آذار من العام الجاري ويثبت السعر حتى اليوم.
يرى أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير في إسطنبول، فراس شعبو، أن ثبات سعر صرف الليرة التركية مهم ويعطي أملاً بالتحسن، خصوصاً بواقع استمرار تراجع نسبة التضخم وزيادة الصادرات وعائدات السياحة. ويضيف شعبو لـ"العربي الجديد" أن سياسة الفريق الاقتصادي الحكومي جاءت إنقاذاً لليرة والوضع المالي والاقتصادي عموماً، لأن سعر الصرف بالسابق كان يثبت من خلال تدخل المصرف المركزي الذي بدد معظم احتياطياته، قبل أن ترتفع مجدداً إلى أعلى مستوى اليوم. لكن أستاذ المالية يلفت إلى ضرورة تحريك أسعار الفائدة والنظر إلى الواقع الإنتاجي، لأن سعر الفائدة المرتفع وتثبيته عند 50% منذ سبعة أشهر، دفعا الأموال إلى خزائن المصارف على حساب الإنتاج والاستثمار وتحريك الأسواق.
ويعرب رئيس مجلس اتحاد المصدرين الأتراك، مصطفى غولتبه، عن قلقه البالغ من ارتفاع معدل الفائدة إلى %50، مؤكداً أن هذا المستوى المرتفع يقف عائقاً أمام نمو الاستثمارات والتوظيف، ويؤدي إلى تراجع الإنتاج في قطاعات حيوية عدة. وأشار غولتبه خلال تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية، اليوم، إلى أن الظروف الاقتصادية الحالية تجعل من الصعب تحقيق أي زيادة في الاستثمارات أو فرص العمل. ويضيف غولتبه أن ارتفاع معدل الفائدة يساهم في تراجع الإنتاج وتدهور التوظيف، ما يزيد من خسائر الشركات في مختلف القطاعات، وأشار إلى أن قطاعات الملابس الجاهزة والإنشاءات والأثاث وصناعة السيارات تواجه تحديات كبيرة نتيجة المنافسة المتزايدة بسبب ارتفاع تكلفة التمويل.
وجاءت تصريحات غولتبه وسط مخاوف واسعة من تأثير الفائدة المرتفعة في الاقتصاد التركي، إذ تعوق تكاليف التمويل العالية المشاريع الاستثمارية وتؤثر سلباً بتنافسية المنتجات التركية في الأسواق المحلية والعالمية، رغم ما تحققه السياسة الاقتصادية التركية من تحسن بتصنيفها الائتماني وزيادة احتياطي المصرف المركزي. وبحسب بيانات المصرف المركزي التركي، فقد سجل الاحتياطي مستوى قياسياً جديداً نهاية أكتوبر الماضي، ليبلغ 159 ملياراً و365 مليون دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، فيما ارتفع إجمالي احتياطي النقد الأجنبي ليبلغ 93 ملياراً و791 مليون دولار.
ويرى شعبو أن مطلع العام المقبل سيحدد مستوى تراجع التضخم وسعر الليرة التركية، لأنه سيشهد زيادة الحد الأدنى للأجور وبدء تطبيق ضرائب جديدة، فضلاً عن نتائج الصادرات المتوقع تعديها 260 مليار دولار. ولكن بجميع الأحوال، نرى أن الاقتصاد التركي يُعاد تشكيل ملامحه من جديد هذه الفترة، سواء لجهة القروض الخارجية أو الضرائب والنفقات بالداخل، وأثر كل ذلك على المعيشة والإنتاج.
وكانت الحكومة التركية قد أعلنت زيادة في رسوم المعاملات الحكومية والضرائب بنسبة %43.93 اعتباراً من بداية عام 2025، وذلك في إطار التعديلات المالية الجديدة. وتشمل الزيادة الرسوم المرتبطة بالمعاملات الرسمية المختلفة، حيث ستؤثر بشكل خاص في رسوم تسجيل الهواتف المحمولة المستوردة وجوازات السفر ورخص القيادة، إضافة إلى ضريبة الخروج من البلاد للمواطنين الأتراك.