- وكالات التصنيف الائتماني العالمية مثل موديز وستاندرد آند بورز خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني، معتبرة الاقتصاد معرضًا للمخاطر الجيوسياسية بسبب الصراع مع المقاومة الفلسطينية والمخاوف من تصعيد مع إيران.
- الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات مالية كبيرة، بما في ذلك تزايد العجز المالي الذي قد يتجاوز 8% في موازنة 2024، مما يدفع الحكومة للاقتراض بفائدة مرتفعة ويزيد الضغوط المالية في ظل استمرار الحرب والتحديات الجيوسياسية.
يتدفق المال السياسي على بورصة تل أبيب منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل سبعة أشهر، للحيلولة دون انهيار الأسهم وسط هروب رؤوس أموال أجنبية من السوق بقيمة 22 مليار شيكل (5.89 مليارات دولار)، فيما تتزايد مخاوف المتعاملين من توقف دعم المؤسسات الإسرائيلية للبورصة خلال الفترة المقبلة، في ظل استمرار الخسائر المالية لمختلف الأنشطة والمالية العامة، بسبب الحرب التي لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، ما دعا مؤسسات عالمية للتصنيف الائتماني إلى التحذير من تداعيات الحرب على الاقتصاد ستستمر لسنوات.
وفي مقابل هروب الأموال الأجنبية من الأسهم والسندات الإسرائيلية خلال الأشهر السبعة للعدوان على غزة، ضخت المؤسسات المحلية والأفراد 28 مليار شيكل (7.5 مليارات دولار) في سوق الأوراق المالية. وتظهر بيانات بورصة تل أبيب التي قال موقع كالكاليست الإسرائيلي إنه حصل عليها، أن وزن الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم المحلية آخذ في التناقص، وأن سوق الأوراق المالية أصبح يعتمد أكثر فأكثر على استثمارات المؤسسات المحلية، وإذا قررت الأخيرة تقليل التعرض، فإن وضع سوق الأوراق المالية سيكون سيئاً.
وقال هدار رومانو، مدير خدمات البيانات والمعلومات في بورصة تل أبيب، لـ"كالكاليست" إنه "منذ بداية الحرب، تدعم المؤسسات المحلية سوق المال، وتستوعب مبيعات الأجانب الذين يخرجون من السوق في ظل الوضع القائم". وأضاف أن "خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل والمخاطر الجيوسياسية ستستمر في التأثير على الاستثمار الأجنبي في بورصة تل أبيب".
وأبقت وكالة موديز التصنيف الائتماني العالمية على خفض تصنيف إسرائيل عند درجة "A2"، التي تجسد تعرض الاقتصاد الإسرائيلي بشكل مرتفع للمخاطر الجيوسياسية، وذلك بعدما قررت الوكالة وضع إسرائيل في خانة التصنيف هذه منذ فبراير/ شباط الماضي.
وقالت "موديز" في تقرير لها، يوم الجمعة الماضي، بحسب ما نقله موقع غلوبس الاقتصادي الإسرائيلي، إن خطر التصعيد إلى صراع عسكري صريح بين إسرائيل وإيران لا يزال قائماً، الأمر الذي قد يؤدي إلى تكاليف بشرية واقتصادية. وأشارت إلى أن صراع الاحتلال مع المقاومة الفلسطينية في غزة مستمر، و"النتيجة لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير". وأضافت أن "عواقب الصراع في غزة على التصنيف الائتماني لإسرائيل سوف تتكشف على مدى فترة من الزمن، ومن المحتمل أن تتجاوز فترة القتال الفعلي، وقد يكون التأثير السلبي على مؤسسات البلاد والمالية العامة أكثر خطورة من توقعات موديز الحالية".
وقبل ثلاثة أسابيع، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز أيضا تصنيفها لإسرائيل من "AA-" إلى "A+"، مع نظرة مستقبلية سلبية. وترهن وكالات التصنيف الائتماني نظرتها إلى إسرائيل بقدرة دولة الاحتلال على السيطرة على الأضرار التي تخلفها الحرب، لاسيما معدلات الاستدانة والعجز المالي. لكن المؤشرات التي تصدرها وزارة المالية تظهر تزايداً في العجز بما يفوق التوقعات، حيث يُتوقع أن يتجاوز 8% في موازنة 2024، وهو ما يقترب من أربعة أضعاف ما كان مقدراً قبل الحرب بنسبة 2.25%، كما يتجاوز كثيرا التقديرات التي تطرقت إليها الموازنة المعدلة للعام الجاري 6.6%.
وأظهرت بيانات صادرة عن المحاسب العام لوزارة المالية الإسرائيلي يالي روتنبرغ، اتساع العجز المالي في إبريل/ نيسان الماضي إلى 11.7 مليار شيكل (3.13 مليارات دولار)، متوقعاً وفق ما نقله موقع كالكاليست الإسرائيلي أخيراً أن "يستمر العجز في الارتفاع خلال الأشهر المقبلة". وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بلغت قيمة عجز الموازنة 26 مليار شيكل. ووفق الموازنة العامة، فإن الإنفاق المقدر للعام الجاري يبلغ 584.1 مليار شيكل (156.5 مليار دولار وفق سعر صرف أمس)، بزيادة 70 مليار شيكل مقارنة بموازنة الأساس المصادق عليها في مايو/ أيار 2023.
وتواجه حكومة الاحتلال مأزقاً شديداً، إذ تتخوف من تداعيات اتساع العجز المالي الذي يدفعها نحو الاقتراض بفائدة مرتفعة وفي الوقت نفسه تخشى سخط الإسرائيليين من تحمل المزيد من فواتير الحرب المستمرة التي يراهن عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لبقائه في الحكومة. وتؤثر الضغوط المالية المتزايدة في قدرة "المال السياسي" على دعم سوق المال وأيضا تسكين الجبهات الداخلية، وفق محللين. وفي إبريل/ نيسان الماضي، حدثت ظاهرة مختلفة عما كانت عليه في الأشهر السابقة، إذ بحسب "كالكاليست" أصبح لدى المؤسسات رصيد سالب في البورصة لأول مرة منذ بداية الحرب، أي أنها باعت صافي أسهم بمبلغ 370 مليون شيكل مقارنة بمتوسط مشتريات صافية بقيمة 1.5 مليار شيكل في الأشهر السابقة من الحرب.
ورغم أن مبيعات المستثمرين الأجانب تباطأت في إبريل/ نيسان الماضي مقارنة بالأشهر السابقة منذ اندلاع الحرب، إلا أنهم أنهوا الشهر برصيد سلبي أيضا، أي أن مبيعاتهم فاقت مشترياتهم في سوق الأسهم، ليبلغ صافي مبيعاتهم 460 مليون شيكل مقارنة بمتوسط شهري قدره 1.2 مليار شيكل في الأشهر الأخرى من الحرب. وكان تدفق الأموال إلى الخارج الشهر الماضي من قبل الأجانب هو الأدنى باستثناء شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 الذي تم خلاله وقف إطلاق النار بمقتضى هدنة مؤقتة لتبادل الأسرى، والتي ظن الأجانب أنها قد تمهد لوقف الحرب. وكانت هناك أيضاً توقعات بوقف إطلاق النار واتفاق لتبادل الأسرى في إبريل/ نيسان، وهو ما قد يفسر التحسن في البيانات، لكن هذه التوقعات كانت في غير محلها، وفي الأسبوعين الماضيين تعمق القتال.
وفي ظل هذه الأجواء يتوقع أن تستمر المؤسسات في إسرائيل من بنوك وصناديق استثمار في دعم البورصة عبر شراء الأسهم لإيجاد توازن أمام خروج الأجانب من السوق، ولكن إذا جرى انتهاك هذا التوازن، إما بسبب زيادة معدل مبيعات الأجانب أو بسبب انخفاض معدل مشتريات المؤسسات أو زيادة المبيعات، فإن سوق الأوراق المالية سوف تدخل في انخفاضات قد تكون حادة، وفق "كالكاليست". الأمر لا يقتصر فقط على أسهم الشركات المتداولة وإنما السندات الحكومية أيضاً. ويتسبب هروب رؤوس الأموال الأجنبية في الضغط على احتياطي النقد الأجنبي الذي خسر وفق بيانات بنك إسرائيل المركزي الصادرة في وقت سابق من مايو/أيار الجاري نحو 5.63 مليارات دولار في إبريل/ نيسان الماضي فقط ليصل إلى نحو 208.1 مليارات دولار.