بعد مفاوضات مكثفة استمرت عدة أيام بين البنك المركزي العراقي من جهة وممثلين عن بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، توصل الجانبان إلى اتفاق يقضي بتعزيز رصيد البنوك العراقية من العملة الصعبة، عن طريق الاعتمادات المالية الخاصة بها لدى عدد من البنوك والمصارف الدولية.
ويضمن ذلك بحسب مسؤولين عراقيين عدم تسرب مبالغ مالية ضخمة بالدولار إلى إيران ودمشق، حيث بدأت واشنطن فرض سياسة صارمة على بغداد في ما يتعلق بتمويل طلباتها من الدولار لإنجاز عمليات الاستيراد الخارجية والحفاظ على قيمة الدينار محليا.
وخاض البنك المركزي العراقي المفاوضات المتفق عليها مسبقا مع مسؤولي الفيدرالي الأميركي في أبوظبي، أيام الخميس والجمعة والسبت الماضية، وجرى على مدى الأيام الثلاثة بحث جملة من الملفات ركزت بالمجمل على آليات منع انتقال الدولار للدول والجهات المفروضة عليها عقوبات أميركية، وأبرزها إيران ونظام الأسد، وحزب الله اللبناني.
تفاصيل الاتفاق
من جانبها، نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، مساء الأحد، عن مسؤول مالي عراقي لم تسمه أن نافذة بيع الدولار من خلال البنك المركزي العراقي ستتوقف اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني 2024 المقبل.
واضاف المصدر أن هذا القرار جاء ضمن الاتفاق الأخير مع الجانب الأميركي، القاضي أيضا بتعزيز رصيد 10 مصارف عراقية بعملة الدولار، 5 منها من خلال مصرف "سيتي بنك"، والخمسة الأخرى من خلال بنك "جي بي مورغان" الأميركي، بمعنى أن تلك البنوك العراقية ستعمل على تمويل الأنشطة التجارية من عمليات استيراد وغيرها التي يتوجب أن تكون بالدولار مع الدول الأخرى.
ووفقا للمصدر ذاته، فإن بنوكاً عراقية أخرى سيتم تعزيز أرصدتها باليوان الصيني من خلال بنك التنمية السنغافوري بواقع 13 مصرفاً، في حين أن عدد المصارف التي عززت حساباتها بالروبية الهندية لدى مصرف التنمية السنغافوري اثنان، وستتم إضافة مصارف أخرى خلال الأسبوعين المقبلين.
وأضاف المصدر أن المفاوضات تكللت بجملة من القرارات والآليات التي تساهم في تسهيل الإجراءات الخاصة بالتحويلات المالية الخارجية الخاصة بالاستيراد من خلال نافذة بيع العملة الأجنبية، وتم الاتفاق على تعزيز رصيد مسبق لخمسة مصارف عراقية في حساباتها بالدولار لدى المصارف الأردنية عن طريق بنك "جي بي مورغان" الأميركي.
وأكد أنه تم حل المشاكل المتعلقة بالحوالات المرفوضة وتم الاتفاق على أن يكون رفض الحوالات مستندا لأسباب قوية، مضيفاً أن اجتماعات أخرى جمعت أحد المصارف الاماراتية والبنك المركزي العراقي والجانب الأميركي لتنفيذ آلية تعزيز الأرصدة بالدرهم الإماراتي للمصارف العراقية.
مصارف أردنية
وكشفت مصادر مصرفية عراقية، لـ"العربي الجديد"، عن دخول مصرفين أردنيين كأطراف بين 5 مصارف عراقية من جهة وبنك جي بي مورغان الأميركي من جهة أخرى، بهدف تسريع تمويل التجارة الخارجية للعراق.
وقالت المصادر ذاتها، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إن وظيفة البنكيين الأردنيين هي تدقيق الحوالات الصادرة عن المصارف العراقية الخمسة هذه، وإرسالها الى بنك جي بي مورغان لتنفيذها، موضحة أن حصة كل مصرف لا تتجاوز شهريا الـ100 مليون دولار.
وبيّنت المصادر أن اختيار المصارف الخمسة جرى على أساس الامتثال ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي خطوة مهمة في توسيع التعامل مع المصارف الأميركية، اذ كانت في الأشهر الماضية تمويل التجارة بعملة الدولار من خلال 4 مصارف تعمل في العراق لديها حساب في "سيتي بنك" الأميركي.
وأكدت أن المصارف العراقية الأخرى ستعمل على تمويل التجارة مع الإمارات بعملة الدرهم من خلال مصرف أبوظبي الأول، مبينة أن تمويل التجارة مع الصين بعملة اليوان والهند بعملة الروبية من خلال بنك التنمية السنغافوري.
وأشارت إلى أن المصارف العراقية المُعاقبة من قبل الخزانة الأميركية والتي يبلغ عددها 22 مصرفا، غير مشمولة بالتحويل المالي لأي دولة، باعتبار أن تسوية المبلغ بين الدينار أو اليوان الصيني وأي عملة أخرى تكون بعملة الدولار، لأن الاقتصاد العراقي مرتبط بعملة الدولار.
اختيار المصارف
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي إن فتح مصارف جديدة باعتماد عملات جديدة سيؤدي إلى زيادة القنوات اللازمة لاستقبال التجار والمستوردين، فضلاً عن تنويع الجهات والدول المستفيدة لتكون بعملات الدول التي تعتمد عليها التجارة العراقية بشكل كبير وهي الصين والإمارات والهند.
وأضاف العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اختيار المصارف الخمسة الجديدة التي تم الاتفاق عليها، تم وفق مجموعة من المحددات، في مقدمتها امتلاكها لمجموعة بنوك مراسلة معتمدة من قبل الجانب الأميركي، ونشاطها التجاري السابق ومعايير تم تحديدها من قبل الفيدرالي الأميركي.
وأضاف أن البنوك الخمسة التي أضيفت لقائمة البنوك المعتمدة هي مصرف التنمية الدولي، والمصرف العراقي الإسلامي، ومصرف الجنوب الإسلامي، ومصرف آشور، ومصرف RT، باعتماد التعامل بالدولار والدرهم الإماراتي واليوان الصيني والروبية الهندية.
وبيّن العبيدي أن هذه الآلية تعطي المساحة اللازمة للتجار من أجل الدخول في العمليات التجارية الرسمية لتقليل الضغط على البنوك الخمسة السابقة المتمثلة بـالمصرف العراقي للتجارة، المصرف الأهلي، مصرف بغداد، مصرف المنصور، ومصرف أبوظبي الإسلامي.
وأوضح أن التبادل التجاري مع مجموعة دول ممنوعة من التعامل بالدولار، وبعض السلع التي يتم تهريبها ولا يمكن استيرادها رسميا، تضغط على السوق الموازي وتدفع إلى زيادة الطلب على الدولار، وهو ما يصعب عملية تراجع سعر الصرف.
سعر الصرف لا يتأثر
ومن جانب آخر، أكد الخبير المصرفي عبد الرحمن الشيخلي أنه لا علاقة لإجراءات البنك المركزي الأخيرة مع نظيره الأميركي وفتح اعتمادات مصرفية جديدة بأزمة سعر صرف الدولار الحالية في العراق.
وقال الشيخلي، لـ"العربي الجديد"، إن عدم وجود مصادر ريعية أخرى للدخل القومي العراقي المتمثلة بالصناعة وأدوات التبادل التجاري من الصادرات العراقية يساهم في انتعاش السوق السوداء المسيطرة على سعر صرف الدولار المتداول في السوق.
وأشار إلى أن البنك المركزي العراقي حريص على عدم التدخل في السوق السوداء ولا علاقة له بعمليات التداول النقدي التي تتم من خلال المضاربين والجهات التي تتمكن من الحصول على الدولار المخصص للمسافرين بطرق التحايل والالتفاف، على حد وصفه.
وأكد الشيخلي أن فتح قنوات جديدة للتداول الخارجي مع بنوك دولية بعملات دول مختلفة، جاء وسيلةً للضغط على البنك الفيدرالي الأميركي، وعدم الاعتماد الكامل على الدولار في تزويد التجار بتكاليف البضائع المستوردة من هذه الدول.
وأوضح أن البنك المركزي يحاول توفير العملات الأجنبية لغرض الاستيراد، لأن نافذة بيع العملة الخاصة بالتحويلات الخارجية سوف تتوقف في بداية العام المقبل 2024، وهو ما يتطلب توفير بدائل مالية للتجار الموردين.
وأضاف أن بعض المصارف المحلية في العراق ليست لديها علاقات مصرفية دولية، وأن هناك فجوة بين المصارف الأجنبية والمصارف العراقية، باستثناء المصارف العشرة التي تم الاتفاق عليها، كونها تمتلك اعتمادات مالية لدى مصارف دولية رصينة.