استمع إلى الملخص
- على الرغم من دعمهم لسياسات ترامب المتعلقة بأمن الحدود والهجرة، إلا أن الرسوم الجمركية السابقة تسببت في خسائر كبيرة للقطاع الزراعي، مما اضطر الحكومة لدعم المزارعين بمليارات الدولارات.
- تواجه المناطق الريفية تحديات اقتصادية كبيرة، مثل انخفاض أسعار المحاصيل وارتفاع تكاليف التشغيل، مما يزيد الضغوط على القطاع الزراعي في ظل التوترات التجارية المحتملة.
يشعر المزارعون الأميركيون بقلق بالغ حيال الإجراءات الانتقامية المرتقبة من الصين وحتى حلفاء الولايات المتحدة، إذا ما وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً عبر الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث تعهد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية و10% على السلع الواردة من مختلف انحاء العالم، ما يعرّض منتجات المزارعين الأميركيين لرسوم مضادة تكبدهم عشرات مليارات الدولارات على غرار ما حدث في الفترة الرئاسية الأولى لترامب في الفترة من 2017 حتى 2021.
وتزداد حيرة المزارعين الأميركيين، الذين يميل الكثير منهم بالأساس إلى ترامب ويؤيدون العديد من سياسته، ولا سيما ما يتعلق بأمن الحدود ومواجهة الهجرة غير الشرعية والقضايا الاجتماعية، لكن الرسوم الجمركية الواسعة التي يتبناها تعد بمثابة وبال لهم، حيث تجتمع بالأساس عدد من العوامل المؤثرة سلباً في قطاع الزراعة، منها ضعف أسعار المحاصيل، وتناقص الثروة الحيوانية مع ارتفاع تكاليف الاقتراض والتشغيل.
خلال حرب ترامب التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي في عام 2018، خسرت الولايات المتحدة 27 مليار دولار من الصادرات الزراعية، واضطرت كذلك إلى دعم المزارعين بعشرات مليارات الدولارات. يتذكر أنصار هاريس الضرر الذي خلفته الحرب التجارية الأخيرة بشكل حاد. وقال ليز دانييلسون، وهو ديمقراطي منذ فترة طويلة يدير مزرعة كبيرة في شمال غرب ويسكونسن، لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن النزاع كلفه "قدراً كبيراً من المال"، ليس فقط تقويض أسعار المحاصيل، ولكن أيضاً زيادة تكاليف المعدات وصناديق تخزين الحبوب، لأن الفولاذ المستورد أصبح أكثر تكلفة.
وفرض ترامب خلال فترة رئاسته رسوماً جمركية على واردات الصلب والألمنيوم وغيرها من السلع المصنعة في الخارج، قائلاً إنه كان يهدف إلى حماية الشركات المصنعة المحلية. ورد الاتحاد الأوروبي والصين بفرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية الأميركية، التي استهدفوها جزئياً لإيذاء المجتمعات التي دعمت ترامب، وفقاً لخبراء التجارة.
وقال تشارلز واكشماوث، الذي يساعد في إدارة مصنع لتجهيز الفاصولياء في مينوموني بولاية ويسكونسن، إنه في عام 2018، تراكمت أكياس ضخمة من الفاصولياء مع اختفاء المشترين. وأدت التعريفات الجمركية التي فرضتها أوروبا على الفاصولياء الأميركية إلى زيادة تكلفة الأوروبيين بنسبة 25%، ما تسبب في تراجع المستوردين عن عقود الشراء من الولايات المتحدة.
وقال واكشماوث، وهو مؤيد لهاريس، إن الشركة لم تسترد بعد حصتها في السوق التي فقدتها أمام المزارعين الأرجنتينيين، على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توصلا إلى هدنة تجارية في أواخر عام 2021. وأضاف أن وعود ترامب بنشر التعريفات الجمركية مرة أخرى "تبقيني مستيقظاً في الليل".
وأرسلت إدارة ترامب 23 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب إلى المزارعين خلال الحرب التجارية الأخيرة لتعويض القطاع الزراعي عن الخسائر المرتبطة بالتعريفات الجمركية. وساعدت هذه المدفوعات في تخفيف الضربة، وبالنسبة إلى البعض، خففت من أسوأ المخاوف بشأن حرب تجارية أخرى.
ترامب لا يزال المرشح المفضل
ورغم مخاوف الكثير من المزارعين من تضرر أنشطتهم، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنّ الكفة لا تزال تميل لصالح ترامب في هذه المناطق حيث لا يزال الكثيرون يؤيدونه رغم الضربة التي تعرضوا لها بفعل الردود الانتقامية للصين والاتحاد الأوروبي على سياساته الجمركية خلال فترته الرئاسية.
وقال زاك بيكون، وهو مزارع يبلغ من العمر 24 عاماً في وسط ويسكونسن: "لا أعتقد حقًا أن التهديد بالرسوم الجمركية سيدفع العديد من المزارعين بعيدًا عن ترامب". وأشار إلى أنّ من المحتمل أن يصوت لترامب، مضيفًا أن التقلبات المالية جزء من الحياة في الزراعة، ومن المرجح أن يواجه المزارعون مشاكل مالية بغضّ النظر عمن يفوز.
وقال كين روزناو، 69 عاماً، الذي يدير مزرعة حبوب تبلغ مساحتها 800 فدان بين مدينتي ميلووكي وماديسون في ويسكونسن، إن الحرب التجارية الأخيرة خفضت أرباحه بنحو 25%، لكن الدعم المالي من الحكومة ساعده في تجاوز هذا التراجع. ومع ذلك، أضاف روزناو أنه يفضل كسب أمواله من السوق "لا نريد الحصول على شيك في صندوق البريد من العم سام".
ورغم شعوره بالقلق بشأن المزيد من التوتر التجاري، لكنه يخطط للتصويت لترامب، ويرجع ذلك جزئياً إلى اعتقاده أن الرئيس السابق سيقوم بعمل أفضل في معالجة الهجرة وارتفاع الأسعار. ويعتقد أن ترامب كان محقاً في مواجهة الصين بشأن اختلال العلاقات التجارية.
وقال جاستن ماتوت الذي قال إن مزرعة الذرة وفول الصويا الخاصة به ستتضرر على الأرجح إذا نفذ ترامب تعهده ببدء حروب تجارية جديدة مع الصين وغيرها، إنه يخطط للتصويت لترامب على أي حال. ويدعم ماتوت ترامب لأسباب تتجاوز الزراعة، منها مواجهة الهجرة غير الشرعية والقضايا الاجتماعية، وهو متأكد تماماً من أن مزرعته قادرة على تحمّل أي شيء يثيره ترامب. وأضاف في أثناء استراحة من موسم الحصاد المزدحم في شمال غرب ويسكونسن: "أريد التصويت لما أعتقد أنه سيكون الأفضل لبلدي. سياسات التجارة بعيدة نوعاً ما عن القائمة بالنسبة إليّ".
ولطالما كانت المناطق الريفية مصدراً ثابتاً لدعم ترامب والجمهوريين، حيث قال 56% من الناخبين الريفيين في استطلاع حديث لمبادرة الديمقراطية الريفية إنهم سيصوتون للرئيس السابق. لكن المرشحة الديمقراطية هاريس تحاول انتزاع المزيد من الأصوات من مناطق الريفيين عبر تخويف المزارعين من مخاطر أعمق بفعل سياسات ترامب.
فقد ركز تيم والز، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس على الأمر في جولات حملته في ويسكونسن. وقال والز في مقابلة تلفزيونية محلية هذا الشهر: "لقد رأينا أن الرسوم الجمركية المروعة التي فرضها دونالد ترامب تضر بالزراعة.. والآن لدينا كونغرس لا يستطيع لأول مرة على الإطلاق تمرير مشروع قانون المزارع". ولم يتمكن الكونغرس منذ عام 2018 من تمرير مشروع قانون زراعي جديد، بما يوفر الدعم المالي إذا انخفضت أسعار المحاصيل إلى مستويات متدنية للغاية أو إذا دمرت العواصف الحصاد.
أوقات عصيبة للمزارعين
وستأتي التوترات التجارية الجديدة المحتملة في وقت يشعر فيه المزارعون بالإرهاق بالفعل. فقد تضرر المزارعون الذين يزرعون محاصيل مثل الذرة وفول الصويا من انخفاض الأسعار بسبب انتعاش العرض العام الماضي 2023 بعد استئناف أوكرانيا للصادرات عقب توقف بسبب الحرب مع روسيا. كذلك أدى الدولار الأميركي القوي إلى إضعاف الطلب العالمي. وانخفضت العقود الآجلة للذرة في بورصة شيكاغو التجارية إلى 3.95 دولارات للبوشل في منتصف أغسطس/ آب، وهو أدنى سعر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بينما انخفضت أسعار القمح وفول الصويا بنسبة 9% و24% على التوالي حتى الآن.
وتضر زيادة تكاليف المدخلات وارتفاع أسعار الفائدة أيضاً بقدرة مربي الماشية على تجديد قطعانهم. وكانت مخزونات الماشية منخفضة تاريخياً بالفعل، بسبب مزيج من مشكلات سلسلة التوريد والأحداث الجوية. أظهر تقرير وزارة الزراعة الأميركية نصف السنوي في يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو أحدث تقرير متاح، أن أعداد الأبقار المتاحة للحوم البقر والحليب والتكاثر انخفضت إلى 87.2 مليون رأس، وهو أدنى مستوى منذ عام 1951.
وفي الوقت نفسه، يرتفع عدد الماشية التي تُطعَم أو التي تُعَدّ للذبح، فيما تمنع تكلفة الاقتراض المرتفعة المزارعين من الحصول على رأس المال لتجديد قطعانهم. ونظراً لأن تربية الماشية للذبح تستغرق من 18 إلى 24 شهراً، من المرجح أن يكون هناك ضغط على العرض إلى حين تنخفض أسعار الفائدة، وهو المتوقع أن يحدث في وقت لاحق من العام. وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية أن ينخفض صافي دخل الزراعة إلى 116.1 مليار دولار في عام 2024، وهو انخفاض قياسي على أساس سنوي بنسبة 25.5%.
وحافظ الرئيس الحالي جو بايدن على العديد من التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وحتى زاد بعضها، بينما رفع إلى حد كبير التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي. قالت حملة هاريس إنها ستستخدم التعريفات "المستهدفة" لدعم العمال الأميركيين والاقتصاد، لكنها لن تستخدم التعريفات الأوسع التي اقترحها ترامب.
وقد انتقدت هاريس مراراً وتكراراً مقترحات ترامب بشأن التعريفات باعتبارها "ضريبة مبيعات وطنية" على الأميركيين لأن الرسوم الجمركية من شأنها أن تجعل السلع أكثر تكلفة.