تتخوف المصارف التجارية الكبرى في العالم من مخاطر لرأس المال، حيث ترى مؤسسات مالية ومصرفية أن هذه القواعد قد تقود إلى أزمة سيولة في الأسواق العالمية، وتؤثر تلقائياً على أسواق المال الدولية التي تنتعش عبر المضاربات.
وبازل 3 هي اتفاقية دولية تتعلق بالرقابة المصرفية وإدارة رأس مال البنوك. ومن فترة لأخرى تُدخل لجنة بازل للإشراف على البنوك، والتي تتخذ من مدينة بازل، بسويسرا مقرا لها، تعديلات على الاتفاقية بهدف تعزيز استقرار النظام المصرفي العالمي عبر زيادة رأس المال الذي يحتفظ به البنك بناءً على المخاطر التي يواجهها.
وأدى انهيار عدد من البنوك الأميركية، وانتشار تداعيات ذلك في أوروبا، واستحواذ بنك "يو.بي.إس" قسرياً على منافسه "كريدي سويس"، إلى إلقاء الضوء على أهمية دعم رأس المال المصرفي والسيولة.
وكانت المقترحات الأميركية لتطبيق الجولة الأخيرة من المعايير المصرفية الدولية، والتي أطلق عليها اسم إصلاحات بازل 3 النهائية، قد أثارت معارضة شرسة من المصارف الأميركية في "وول ستريت" منذ طرحها في يوليو/تموز الماضي.
وفي مقابلات أجريت في قمة "فايننشال تايمز" للخدمات المصرفية العالمية هذا الأسبوع، قال كبار المسؤولين التنفيذيين في الولايات المتحدة، إن المقترحات الحالية ستجبر المقرضين على تقليص الائتمان والمنتجات، في حين ردد نظراؤهم الأوروبيون الدعوات لإعادة التفكير في بازل 3.
في هذا الصدد، قال رئيس بنك "يو بي إس" السويسري، كولم كيليهر، لصحيفة فايننشال تايمز في تقرير نشرته أمس الخميس، إن "مقترحات بازل 3 الخاصة بالتعديلات الأميركية ستكون لها تأثيرات كبيرة على النظام المصرفي العالمي.
وأضاف كيليهر، الذي كان في السابق مسؤولاً تنفيذياً في مصرف "مورغان ستانلي" قبل أن يرأس عملية إنقاذ بنك يو بي إس في مارس/آذار من هذا العام: "أعتقد أنه من الواضح أن المنظمين لم يتبعوا الإجراءات القانونية الواجبة في دراسة التأثير الكمي ودراسات الجدوى حول تعديلات بازل 3".
وحسب تقرير" فايننشال تايمز"، من شأن المقترحات زيادة حجم رأس المال الذي يتعين على البنوك الأكبر والأكثر تعقيداً الاحتفاظ به نسبة إلى أصولها، مما قد يتطلب منها وضع عشرات المليارات من الدولارات جانباً.
وطرح المسؤول المصرفي السؤال حول ما إذا كان الأمر يتعلق بمزيد من رأس المال أم لا؟ وأضاف: "لا أعتقد أن ما حدث في بنك كريدي سويس كان يتعلق بالحاجة إلى المزيد من رأس المال".
وأشار منظمو الإجراءات المصرفية الأميركية إلى فشل البنوك متوسطة الحجم هذا العام، والتي من بينها بنوك وادي السليكون، وسيغنتشر، وفيرست ريبابليك بسبب أزمة السيولة التي أحدثت حالة من الذعر وسط المودعين.
من جانبه قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس" الأميركي، لصحيفة "فايننشال تايمز" أمس الخميس، إن متطلبات رأس المال الأعلى للبنوك "لم تتغير بشكل جوهري.
وأضاف سولومون أن المستهلكين قد يشعرون في نهاية المطاف بتأثيرات غير مباشرة.
من جانبه، قال المصرفي ببنك "جي بي مورغان"، دانييل بينتو، إن الإصلاحات يمكن أن يكون لها تأثير كبير على السيولة.
وأضاف أن أكبر خمسة لاعبين في السوق في العالم هي البنوك الأميركية. إذا كان علينا جميعاً إعادة معايير بازل، فإن التأثير على السيولة في النظام سيكون هائلاً.
ويرى محللون أن الولايات المتحدة تخلفت عن أغلب الدول في تنفيذ إصلاحات بازل 3، في ظل حملة عامة غير عادية تمارس الضغوط ضد أحدث المقترحات.
في هذا الصدد، قالت هيئات الرقابة الأميركية، إن متطلبات رأس المال للبنوك العالمية ذات الأهمية النظامية (G-Sibs) سترتفع بمتوسط 19% بموجب المقترحات.
لكن إحدى مجموعات الضغط الصناعية قدرت أن الزيادة ستصل إلى 24%، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض.
ومن المرجح أن تكون مقترحات "متطلبات بازل" موضوعاً رئيسياً في جلسات الاستماع التي يعقدها الكونغرس في واشنطن الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن يتحدث الرؤساء التنفيذيون لأكبر البنوك الأميركية عن أوضاع القطاع المصرفي.
وأعرب المسؤولون التنفيذيون عن تفاؤلهم، بأن الجهات التنظيمية سوف تقوم بتقليص جوانب معينة من قواعد بازل.
وقال سولومون، إنه لا يتوقع أن يتم تنفيذ مقترحات بازل النهائية في نهاية المطاف "بالطريقة التي تم طرحها بها بالضبط".
من جانبه قال بينتو: "من المستبعد جدًا أن تكون النتيجة تمامًا كما تم التعبير عنها في هذه الجولة".
ولمّح مايكل بار، نائب رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي لشؤون الإشراف في هذا الصدد، إلى أن البنك المركزي الأميركي قد يكون مستعدًا لإجراء تعديلات بازل 3.
وأعرب كل من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين عن مخاوفهم بشأن تأثير المقترحات على الأسر والشركات في الولايات المتحدة.
في هذا الصدد، قال بار: "نحن نهتم كثيرًا بالحصول على الائتمان للمقترضين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. لقد سمعنا عن هذه المخاوف وسنأخذها بعين الاعتبار".