مع زيادة التوتر في البحر الأحمر، خلال الفترة الأخيرة، جراء الضربات العسكرية الأميركية والبريطانية لليمن وإصرار الحوثيين على ضرب السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، تتصاعد المخاطر المتعلقة بالعبور من مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي يمر من خلاله 12% من التجارة العالمية، أي نحو تريليون دولار تمر سنويا عبره.
ما عزز اتجاه شركات الشحن إلى بدائل له، منها الممر البري دبي – حيفا، الذي يمر بالإمارات والسعودية والأردن إلى إسرائيل.
وبات هذا الممر ذا أهمية كبيرة لإسرائيل، خاصة في ما يتعلق بعملية استيراد وتصدير البضائع ذات صلاحية قصيرة مثل المنتجات الغذائية الطازجة، وكذلك المواد الخام والمنتجات التي تتطلب تسليماً سريعاً للعملاء.
وتتم عمليات تسيير الشاحنات فيه من ميناء دبي إلى ميناء تل أبيب في حيفا عبر طريق شركتي شحن، هما: "تراكنت" الإسرائيلية و"بيورترانز" الإماراتية، حسبما أورد تقرير نشره موقع "والا"، مؤخرا.
وحسب الموقع العبري فإن نجاح المراحل التجريبية لخط النقل البري الجديد دعم استمرارية وصول عشرات الشاحنات من موانئ الخليج العربي إلى إسرائيل، خاصة بعدما أعلنت "تراكنت" و"بيورترانز"، في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن توقيع اتفاقية تعاون تقضي بإنشاء جسر بري بين ميناءي دبي وحيفا.
وزعمت الشركتان حينها أن إنشاء هذا الطريق الجديد سيسهم في توفير أكثر من 80% من تكلفة نقل البضائع عبر البحر، ما يصب بالمصلحة المالية الإماراتية بالأساس، كونها الدولة الخليجية الأعمق تطبيعا مع إسرائيل، والأكثر قلقا من هجمات الحوثيين، حسبما أوردت قناة "كان" الإسرائيلية، تعليقا على تصاعد استخدام ممر دبي - حيفا البري كبديل لمضيق باب المندب.
تجنب البحر الأحمر
يشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الممر البري يربط ميناء دبي في الإمارات بميناء حيفا في إسرائيل مرورا بالسعودية والأردن، وتم طرح فكرته على خلفية الاتفاق الإبراهيمي عام 2020، لكن الحرب في قطاع غزة واستهداف الحوثيين للسفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر أكسباه أهمية خاصة.
وأضاف أن إسرائيل زعمت، وقت توقيع الاتفاق، أن الهدف من الممر ليس إضعاف مصر اقتصاديا واستبدال قناة السويس بالممر البري، بل خلق "مكمل إضافي" سريع للقناة، وأشارت إلى إمكانية ربط المشروع بموانئ مصرية على البحر الأبيض المتوسط ومنها لأوروبا، رغم أن الطموح الإسرائيلي هو جعل ميناء حيفا الإسرائيلي البوابة الرئيسية لأوروبا.
لكن الواضح أن المشروع يهدف إلى تغيير الخارطة السياسية والاقتصادية في الشرق الاوسط لصالح إسرائيل، بتجنب البحر الأحمر ثم الاندماج في اقتصادات دول الخليج العربي كهدف استراتيجي، بحسب إسماعيل.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن بعض دول الخليج المشاركة في الممر البري قد تجني بعض الفوائد الاقتصادية مثل توفير 7 إلى 10 أيام من وقت الشحن البحري، "لكن المستفيد الأكبر من هكذا مشروع هو إسرائيل"، حسب تقديره.
ويلفت إسماعيل إلى أن وسائل إعلام إسرائيلية أكدت إجراء تجارب للممر التجاري في أسابيع سابقة، لكنه أكد، في المقابل، على أن "قناة السويس تبقى الممر العالمي العملي والاقتصادي لنقل الملايين من براميل النفط وآلاف الأطنان من الغاز والسلع الأخرى، والتي تحتاج إلى ممر نقل بحري وليس بريا، وبالتالي فإن الحاجة إلى البحر الأحمر ستظل قائمة.
كلفة ومدة الشحن
يؤكد الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن ممر دبي – حيفا يعمل على مرور البضائع من آسيا إلى إسرائيل عن طريق الإمارات والسعودية والأردن لتقليل الكلف ومدة وصول البضائع، وهو ما تزداد أهميته مع أزمة البحر الأحمر.
فامتناع العديد من شركات الشحن عن المرور بالبحر يعني تحمّل السفن لكلفة إضافية كبيرة، بلغت قرابة 4 أضعاف الكلفة المعتادة، فضلا عن أن مدة وصول الحاويات أصبحت طويلة بعد اضطرار عديد السفن إلى استبدال المرور من مضيق باب المندب بالمرور عبر رأس الرجاء الصالح حول قارة أفريقيا، ما يضاعف فترة الشحن "نظريا" من أسبوع إلى أسبوعين تقريبا، حسب الشوبكي.
لكن مدة بعض الشحنات قد تصل "عمليا" إلى 3 أشهر، حسب الشوبكي، لأن الشحنات ترسو في عدة موانئ أفريقية في طريق التفافها، وبالتالي تأخذ مددا إضافية للوصول إلى وجهاتها، ولذا فالممر البديل البري هو أسرع طريق لوصول الشحنات إلى إسرائيل.
الأمر ذاته ينطبق على الأردن، حسب الشوبكي، فبعض الشحنات تصل إليه عن طريق الإمارات والسعودية، ما يخفف من الكلف الإضافية والوقت اللازم لإيصال البضائع إلى المملكة الأردنية، وبالتالي فممر دبي - حيفا قائم كبديل مهم لإسرائيل والأردن، لكنه يختلف عن مشروع الممر الاقتصادي المقترح من الولايات المتحدة، والذي سيربط الهند بأوروبا عن طريق الجزيرة العربية.
ويلفت الشوبكي، في هذا الصدد، إلى أن استفادة الأردن من هكذا ممر دفعت لبنان إلى المطالبة بتفعيل الممر البري لصادراتها من الخضروات والفاكهة، التي تصل إلى دول الخليج العربي، لكن العائق أمام ذلك هو منع شحنات الخضروات اللبنانية عبر الترانزيت في الأراضي السعودية على خلفية اكتشاف عدة شحنات تحمل مخدرات، وبالتالي فإن لبنان يدرك صعوبة تمرير بضائعه عبر ممر بري مماثل.
موارد مالية إضافية
وعن العائدات المتوقعة للسعودية والإمارات تحديدا من فاعلية ممر دبي - حيفا، يشير الشوبكي إلى تركزها بالأساس في رسوم تفريغ البضائع إلى الموانئ وتشغيل هذه الموانئ، مشيرا إلى أن بعض البضائع لا تأتي عن طريق ميناء جبل علي في الإمارات، بل عن طريق ميناء الدمام في السعودية على الخليج العربي.
استفادة الأردن من هكذا ممر دفعت لبنان إلى المطالبة بتفعيل الممر البري لصادراتها من الخضروات والفاكهة، التي تصل إلى دول الخليج العربي
ويوضح أن العائدات من رسوم المناولة في موانئ الإمارات أو السعودية ورسوم مرور الشحنات عبر الطريق البري، سواء في السعودية أو الإمارات، تمثل موردا ماليا إضافيا للبلدين الخليجيين.
ويشير الشوبكي إلى دخول موانئ خليجية أخرى كمرشح للاستفادة من الممر البري بحسب امتداد الأزمة في البحر الأحمر، نتيجة الازدحامات، سواء في موانئ السعودية والإمارات، مثل ميناء صلالة في سلطنة عُمان.
ويعزز من هذا الترشح وجود ازدحام شديد في ميناء الدمام، بسبب تحويل الكثير من البضائع التي تصل إلى السعودية عبر البحر الأحمر، والتي كانت تصل إلى ينبع، وتصل حاليا إلى الموانئ الشرقية السعودية على الخليج العربي، بحسب الشوبكي.