تعاني الهند حالياً من أسوأ حالات تفشي المرض في العالم منذ أن بدأت جائحة الفيروس التاجي منذ أكثر من عام. وصل عدد الإصابات الجديدة بكوفيد 19 في البلاد إلى رقم قياسي يبلغ أكثر من 350 ألف إصابة يومياً.
توفي ما مجموعه 200 ألف شخص بسبب فيروس كورونا في الهند، بينما أصيب حوالي 16.6 مليون شخص حتى اليوم.
هذه الأزمة الصحية لا ترتبط بالهند وحدها، إذ تنعكس على الاقتصاد العالمي برمته وضمناً الاقتصادات العربية ولا سيما النفطية منها.
بسبب هذه الأزمة، منعت الهند الآن تصدير لقاحات كورونا، ليأتي ذلك كضربة كبيرة لعشرات الدول التي تنتظر حصصها لتخفيف إجراءات الغلق وإعادة فتح الأسواق. إذ تتطلع الدولة، التي تعد واحدة من أكبر منتجي اللقاحات في جميع أنحاء العالم، بدلاً من ذلك إلى إعطاء الأولوية للتطعيمات المحلية بسبب تسارع الموجة الثانية.
التأثير على التجارة
ترتبط الهند مع الدول العربية بإمدادات تجارية كبيرة، وفق بيانات الأمم المتحدة الإحصائية لتجارة السلع الأساسية، إذ استوردت في العام 2020 بقيمة 23.9 مليار دولار من الإمارات، و17.72 ملياراً من السعودية، و26.27 مليار دولار من العراق، و8.12 مليارات دولار من قطر، و5.98 مليارات دولار من الكويت، و1.77 مليار دولار من مصر، و3 مليارات دولار من سلطنة عمان.
وتعتبر الهند اقتصاداً رئيسياً، وتفاقم أزمة كورونا يمثل انتكاسة لآفاق النمو، مع انتعاش غير متكافئ من الوباء المنتشر في جميع أنحاء العالم. فقد اعتمد العالم على الهند، كثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، وبالتالي هي من بين أكثر الدول طلباً للمنتجات، اليوم هذا المؤشر أصبح موضع شك.
وتعتبر الهند، وفق "فوربس"، سادس أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر سوق ناشئ بعد الصين. وبالتالي، فإنّ الظروف اليائسة في الهند لها تأثير كرة الثلج على الاقتصاد الدولي.
تعتبر الهند، وفق فوربس، سادس أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر سوق ناشئ بعد الصين. وبالتالي، فإن الظروف اليائسة في الهند لها تأثير كرة الثلج على الاقتصاد الدولي.
وفقاً لصندوق النقد الدولي،كان من المتوقع أن تنمو الهند بنسبة 12.5% هذا العام، بينما قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية قبل الانتشار الكبير للفيروس، إنّ الاقتصاد الهندي من المتوقع أن ينمو بنسبة 11%.
ومع ذلك، يمكن للموجة الجديدة من الإصابات الآن أن تقوض هذا الانتعاش وسط عمليات الإغلاق وحظر التجول الجديدة لمنع انتشار الفيروس.
من المقرر أن يمر الاقتصاد الهندي بربع ثان صعب، وقد يعني تباطؤ معدل النمو العالمي. حذر جيتا جوبيناث، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، من أنّ حساباته السابقة سبقت الموجة الأخيرة "المقلقة للغاية".
بالإضافة إلى ذلك، قامت شركة "أوكسفورد إيكونوميكس" للتنبؤات العالمية، بمراجعة توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند، من 11.8% إلى 10.2% لعام 2021، لافتة إلى آثار العبء الصحي المتصاعد في البلاد، ومعدلات التطعيم المتعثرة وعدم وجود استراتيجية حكومية مقنعة لاحتواء الوباء.
في الوقت الحالي، تجنب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الإغلاق على مستوى البلاد وشجع الولايات على إبقاء اقتصاداتها مفتوحة.
كما أن مؤشر النشاط التجاري في الهند سجل أكبر انخفاض له في 12 شهراً، في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان.
التأثير على الطلب النفطي
انخفضت أسعار النفط أخيراً مع توقع ضعف الطلب في الهند، وهي ثالث أكبر مستورد للخام في العالم. تستهلك البلاد ما يقرب من 10% من صادرات النفط الخام العالمية.
وتعتمد الدول العربية النفطية على عودة الاقتصادات للنمو لزيادة الطلب على منتجها الأهم وهو النفط، ومع تراجع الأسعار وانحسار الطلب، تتزايد أزمة ميزانيات الدول العربية المنتجة للبترول وما لذلك من تداعيات على كافة المؤشرات الاقتصادية في هذه البلدان، التي أرهقها الفيروس خلال الفترة الماضية.
ويبلغ حجم الواردات النفطية من السعودية إلى الهند 445 ألف برميل يومياً، فيما يصدر العراق، أكبر مورد للنفط الخام للهند، 867500 برميل يومياً، وكذا تصدر الإمارات العربية المتحدة والكويت كميات من نفطها إلى الهند، وذلك وفقاً لموقع "تايمز أوف إينديا".
ويفوق الضغط القادم من الهند (وكذلك اليابان، التي أعلنت حالة الطوارئ الثالثة في طوكيو وأوساكا ومحافظتين أخريين)، علامات الانتعاش القوي في الولايات المتحدة والصين، وهما من أعلى مستهلكي النفط في العالم.
تتطلع مؤسسة النفط الهندية إلى بيع البنزين في السوق الفورية، وهو مؤشر محتمل على ضعف الطلب المحلي، بينما تضطر مصافي التكرير في البلاد إلى تأجيل عمليات الإغلاق المخطط لها للصيانة في بعض المصانع حيث يفر العمال أو يمرضون بالفيروس.
عملياً، انخفضت أسعار النفط، اليوم الأربعاء، وذلك في ظل انتشار فائق السرعة للإصابات بكوفيد-19 في الهند، وزيادة فاقت التوقعات لمخزونات الخام في الولايات المتحدة، وهو ما طغى على الثقة التي أبدتها أوبك وحلفاؤها في تعاف قوي للطلب العالمي على الوقود.
وقال موراي أوتشينكلوس، المدير المالي لـ"بي.بي"، في مكالمة مع محللين لإعلان نتائج أعمال الربع الأول من العام، أمس الثلاثاء: "لا يزال هناك فائض نفطي كبير مقلق تعكف أوبك+ على التعامل معه في الوقت الحالي، ولا يزال هناك الكثير من عدم اليقين في الأجواء في ظل الجائحة".
التأثير على إمدادات اللقاح
يُعد معهد Serum Institute في الهند أكبر مُصنِّع للقاحات في العالم. ووقف الصادرات، الذي تم الإعلان عنه وقد يستمر لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، سيؤثر بشكل مباشر على إنتاج لقاح "أسترازاينيكا" وعلى مخطط "كوفاكس"، الذي تم إنشاؤه مع منظمة الصحة العالمية لضمان توزيع ما لا يقل عن ملياري جرعة لقاح هذا العام.
لدى معهد Serum أيضاً اتفاقيات توريد ثنائية مع العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة.
واجه برنامج طرح اللقاحات في المملكة المتحدة بالفعل تأخيرات بعد وصول حوالي 5 ملايين جرعة متأخرة من المعهد. في مارس/ آذار، قال وزير الصحة مات هانكوك إن التأخير الناجم عن مشكلات التصنيع سيعطل برنامج التطعيم البريطاني خلال إبريل/ نيسان.
ومع ذلك، قال بول ديلز، من كابيتال إيكونوميكس، إن "الخطر على اقتصاد المملكة المتحدة ضئيل".
وهناك خوف من ظهور سلالات أخرى متحورة من الفيروس في الهند مع تركز العدوى في المناطق المكتظة بالسكان.
القلق ناتج عن أنّ الطفرات الجديدة يمكن أن تضعف فعالية اللقاحات وتؤدي إلى قيود جديدة في الاقتصادات العالمية.
قد يتسبب هذا في إعادة فتح الاقتصادات بشكل أبطأ في جميع دول العالم، وضمناً الدول العربية، فإذا حدث ارتفاع في الإصابات بالمتغير الجديد، يمكن أن يتأثر أيضاً الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
التأثير على الأسواق المالية
وضع المستثمرون الأجانب 5.3 مليارات دولار في الأسهم والسندات الهندية في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار، وفقاً لبيانات "سوسييتيه جنرال"، لكن 6.1 مليارات دولار من رأس المال قد خرج حتى الآن هذا الشهر بسبب مخاوف الفيروس.
يحظى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بشعبية في الأسواق الدولية، وكان يُنظر إليه حتى وقت قريب على أنه أحد "أكثر القادة الوطنيين أماناً" في العالم. هذا الآن موضع شك.
فتصاعد المشكلات السياسية بالنسبة لمودي من شأنه أن يغير بشكل جذري التصورات عن الهند. ولم يكن للوباء تأثير مالي كبير حتى الآن، ولكن هناك متسعاً من الوقت لإلحاق المزيد من الضرر.