سجلت أسعار الوقود في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي ارتفاعات قياسية وغير معهودة مقارنة بأسعار ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، نتيجة القيود المفروضة على السكان ومنع إدخال الوقود بالكميات التي كانت في السابق.
وبات العثور على الوقود سواء السولار أو البنزين مهمة غاية في الصعوبة نظرًا للكميات الشحيحة التي يسمح بإدخالها إلى القطاع والتي تقتصر على المؤسسات الدولية وبعض الشركات الكبرى التي تتحصل عليه بتنسيق خاص مسبق من خلال المؤسسات الأممية.
في موازاة ذلك، نشطت عمليات التهريب للسولار والبنزين من خلال المعابر الحدودية ليتم بيعه بأسعار مرتفعة كون العملية تنشط في السوق السوداء بعيداً عن المعاملات الرسمية الحكومية أو حركة المعابر الحدودية الرسمية. وباتت الطرق الرسمية تشهد انتشاراً للباعة الجائلين لبيع الوقود بنظام اللتر الواحد في زجاجات بلاستيكية لتوفيره في الأسواق المحلية، وهو الأمر الذي جعل الحصول عليه صعباً للغاية، حيث لا يقوى على شرائه الكثير من السائقين الذين توقفت مركباتهم.
شح الوقود
في الوقت ذاته، فإن شح الوقود من الأسواق دفع بأصحاب المركبات لا سيما تلك التي تعمل على السولار لاستخدام "زيت القلي" كبديل عن الوقود في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار والذي تصاعد بشكلٍ كبير خلال الشهور الثلاثة الماضية، فيما بقي أصحاب سيارات البنزين بلا بدائل.
ووفقًا لرصد مراسل "العربي الجديد" فإن الأسعار قفزت بنسب قياسية نتيجة الشح الشديد في الأسواق، إذ كانت أسعار السولار لا تزيد عن 6 شواكل للتر الواحد، فيما وصلت حالياً إلى 25 شيكلاً إسرائيلياً للتر الواحد، فيما يبلغ سعر الغالون الواحد من السولار الذي يحتوي على 16 لتراً ما بين 450 إلى 550 شيكلاً إسرائيلياً فيما كان سعره في السابق يتراوح ما بين 90 إلى 95 شيكلاً. (الدولار=3.65 شواكل إسرائيلية)
أما أسعار البنزين فسجلت هي الأخرى مستويات قياسية عما كانت عليه في السابق إذ كان "الغالون" الواحد يبلغ 90 إلى 95 شيكلاً إسرائيلياً بما لا يتجاوز 7 شواكل للتر الواحد، في حين وصلت أسعاره حالياً لأكثر من 1200 شيكل إسرائيلي للغالون، ويصل في بعض الأحيان 2000 شيكل.
وتوقفت السيارات والمركبات التي تعمل بالبنزين بشكلٍ شبه كلي عن العمل نتيجة لعدم توافر الكميات في السوق المحلي، فيما بقيت تلك التي تعمل بالسولار من خلال خلط البنزين بزيت القلي أو الاعتماد كلياً عليه نظراً لكون سعره أقل بكثير من أسعار البنزين في الأسواق.
وعادة ما يعتبر الوقود المصري أقل تكلفة من أسعار الوقود الإسرائيلي لاعتبارات فنية مرتبطة بالجودة وطبيعته، إلى جانب ندرة الإسرائيلي مقارنة مع الوقود المصري الذي يتوفر في بعض الأحيان عبر عمليات التهريب التي تتم من خلال العاملين بين المعبرين في رفح. في الأثناء، يقول الفلسطيني محمود زقوت إن أسعار الوقود التي قفزت بشكلٍ كبير انعكست بالسلب عليه وعلى قدرته على التحرك في سيارته الخاصة لإنجاز عمله، إذ بات يدفع مبالغ مالية مضاعفة عن تلك التي كان يدفعها قبل الحرب الإسرائيلية على غزة.
التنقل في غزة
ويضيف زقوت لـ "العربي الجديد" أنه يدفع ما لا يقل عن 2000 شيكل إسرائيلي في الشهر الواحد لتوفير السولار الخاص بمركبته وهو مبلغ كان يدفعه لفترة زمنية تتراوح ما بين 3 إلى 4 شهور في الوضع الطبيعي، إلا أن حاجته للتنقل خلال الحرب تجعله يقوم بعملية الشراء. ويطالب الفلسطيني الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بالضغط على الاحتلال لإدخال الكميات اللازمة من الوقود وتوفيره في الأسواق، إلى جانب قيام الجهات الحكومية في غزة بدورها في إنهاء ظاهرة السوق السوداء وجعل الأسعار تهبط بشكلٍ كبير في السوق المحلي.
أما الفلسطيني حسام عبد الرؤوف فيشرح أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار البنزين أدى لتوقف مركبته تماماً عن العمل نتيجة لصعوبة توفره، ويشكو من المبلغ الضخم الذي يصعب عليه تحمله في ظل عدم توافر فرص العمل خلال الفترة الحالية والنزوح هو وعائلته إلى رفح جنوبي القطاع. ويقول عبد الرؤوف لـ "العربي الجديد" إن هذه الأسعار التي وصل إليها الوقود غير مسبوقة منذ أن فرض الحصار الإسرائيلي على غزة عام 2007، إذ لا يمكن للسائقين وأصحاب المركبات أن يتحملوها لا سيما وأن هناك توقفا لجميع الفئات العاملة بسبب الحرب.
وسمحت إسرائيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوعاً بين الفصائل في غزة والاحتلال، جرى التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أميركية، تخللتها صفقة تبادل أسرى. وكان القطاع يشهد إدخال كميات كافية من الوقود بما يشمل الغاز الطبيعي والسولار والبنزين، قبل أن يقرر الاحتلال منع إدخال الوقود مع بدء الحرب وتصاعد العدوان، ثم عاود السماح بإدخال كميات تتراوح ما بين 4 إلى 6 شاحنات يوميا لكل القطاع.