يعيد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية جديدة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، ويثير تساؤلات حول مستقبل الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الناشئة والنامية، خاصة في ظل السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي يتبناها ترامب.
وتشمل سياسات ترامب الموعودة التوجه نحو الحماية التجارية، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع المستوردة، واتباع سياسة نقدية مرنة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي داخلياً. وبالنسبة للدول ذات الاقتصادات الناشئة والنامية، والتي تعتمد بشكل كبير على تدفقات الاستثمارات الأجنبية لدعم نموها الاقتصادي، فإن هذه السياسات قد تؤدي إلى تداعيات مهمة.
وستواجه الأسواق الناشئة تحديات كبيرة بعد فوز ترامب، لكنها أيضاً قد تجد فرصاً جديدة لتنويع اقتصاداتها وتعزيز مكانتها في النظام التجاري العالمي. ومع دخول الاقتصاد العالمي فترة جديدة من التحولات السياسية والاقتصادية، يصبح من الضروري أن تتبنى الأسواق الناشئة استراتيجيات مرنة ومبتكرة لجذب الاستثمارات وتحقيق استدامة اقتصادية طويلة الأمد.
من أبرز المخاطر المحتملة سحب أو تراجع تدفقات رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة ولمصلحة السوق الأميركية، حيث يسعى المستثمرون إلى الاستفادة من العوائد المتزايدة والدعم الحكومي المستمر للاقتصاد الأميركي. وخلال فترة رئاسته الأولى، عمل ترامب على تحفيز الاقتصاد الأميركي من خلال خفض الضرائب على الشركات وزيادة الإنفاق العام، مما جعل الولايات المتحدة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية مقارنةً بظروف الأسواق الناشئة. وإذا استمرت هذه السياسات، فقد يتجه المستثمرون إلى تفضيل الأصول الأميركية الآمنة والمربحة، ما يقلل من تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة ويؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي في هذه الدول.
وفي هذا السياق، تشهد الأسواق الناشئة تحديات إضافية نتيجة لاحتمال ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، والذي يضع ضغوطاً إضافية على الدول التي تعتمد على ديون مقومة بالدولار. ومع ارتفاع قيمة العملة الأميركية، يصبح سداد الديون الخارجية أكثر كلفة، مما يزيد من الأعباء المالية على الاقتصادات في الأسواق الناشئة ويجعلها أكثر عرضة للتقلبات المالية. وقد يؤدي هذا إلى انخفاض قيمة العملات المحلية مقابل الدولار، ما قد يدفع البنوك المركزية في هذه الدول إلى رفع أسعار الفائدة لمحاولة دعم عملاتها، كما حدث في كل من مصر وتركيا، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على الاستثمار والنمو.
من جهة أخرى، فإن سياسة ترامب التجارية المتشددة تجاه الصين ودول أخرى قد تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية وتفتح فرصاً لبعض الأسواق الناشئة. ففي ظل فرض المزيد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية، قد تنظر الشركات العالمية إلى دول أخرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية كمواقع بديلة لتصنيع منتجاتها وتصديرها. وقد تستفيد بعض الدول الناشئة، التي تمتلك تكلفة عمالة منخفضة وبنية تحتية مناسبة من هذه الفرصة لجذب الاستثمارات في قطاعات مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجيا، مما يعزز قدراتها التصديرية ويزيد من فرص العمل لديها.
ومع ذلك، يجب على هذه الدول أن تتعامل بحذر مع الفرص المتاحة، حيث إن الاعتماد الزائد على الاستثمارات الأجنبية قد يزيد من هشاشتها الاقتصادية في حال تراجع اهتمام الشركات الأجنبية أو حدوث أزمات مالية. لذلك، تحتاج الأسواق الناشئة إلى اعتماد سياسات اقتصادية تحفز الاستثمارات المحلية وتدعم التنوع الاقتصادي، لتكون قادرة على مواجهة التغيرات العالمية غير المتوقعة التي قد تطرأ مع استمرار السياسات الاقتصادية القومية التي يتبناها ترامب.