يتحمل المواطنون والمنتجون في السودان، كلفة باهظة جراء انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، إذ تضطر كيانات صناعية وتجارية كثيرة إلى اللجوء إلى المولدات لتوفير التيار، بينما تتزايد أعباء المواطنين مع تغير أنماط الاستهلاك في غياب الكهرباء.
ويزداد إحباط السودانيين في غياب بوادر لحل أزمة الكهرباء الذي يزيد يوما تلو الآخر، إذ أشارت وزارة الطاقة أخيراً إلى أن 60% من السودانيين أضحوا خارج نطاق الشبكة القومية للكهرباء، وربما تزداد النسبة لتصل إلى 80%، لتلقي بالمسؤولية في ذلك على وزارة المالية التي لم توفر المال اللازم لإمداد المحطات بالوقود وصيانتها.
وفي هذه الأجواء تعاني أسر جرّاء اضطرارها إلى شراء احتياجاتها من الطعام والشراب بشكل يومي خوفاً من تلفها، ما يكلف ميزانياتها مبالغ كبيرة في ظل تغير الأسعار وارتفاعها بشكل يومي.
وتشكو ربات البيوت من طول فترات انقطاع الكهرباء بشكل متكرر يومياً، وتأثيره على إتلاف المأكولات واللحوم في شهر رمضان. وقالت ست النفر محمود: "أصبحنا نشتري الخضار واللحوم يومياً لخشيتنا من تلف الأكل بسبب الكهرباء، كما أن انقطاع التيار المتواصل تسبب في ندرة في مياه الشرب لتعطل المضخات وهذا يدفعنا لشراء المياه بمبالغ إضافية".
وأصبحت غالبية الأسر تبحث عن حلول بديلة مثل أجهزة الطاقة الشمسية التي انتشرت في أسواق البلاد أخيرا، فضلا عن المولدات. وخلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت شبكة الكهرباء، ثماني عمليات إطفاء، جاء نصفها خلال عام 2018، بينما تشهد البلاد منذ ذلك الحين انقطاعات يومية في مختلف أنحاء البلاد لساعات طويلة تصل إلى نحو 12 ساعة في بعض المناطق.
وزادت مبيعات مولدات الكهرباء سيما في العاصمة الخرطوم، وانتشرت سلسلة توكيلات بيع مولدات إنكليزية الصنع وصينية وهندية. ويُباع المولد الصغير سعة (5) كيلو واط بقيمة 570 ألف جنيه (نحو 1300 ألف دولار).
يقول المواطن ابراهيم الحسن، إنه اشترى مولداً يكفي لتشغيل الإنارة فقط في المنزل، مشيرا إلى أن ذلك يحمله أعباء مالية كبيرة إذ يستلزم تشغيله تزويده بكميات كبيرة من البنزين يومياً.
ولا تقتصر تداعيات انقطاع الكهرباء على الاحتياجات المعيشية الأساسية وإنما تمتد إلى التواصل الاجتماعي وتجنب الجرائم، إذ يقول مواطنون إن معدلات الجريمة المنظمة في الخرطوم في ارتفاع خاصة في ظل تزايد أعداد العاطلين من العمل في ظل تردي الظروف الاقتصادية للبلاد.
ومع الانقطاع الحالي، أصبح من الصعب الحفاظ على طاقة الهاتف، وهو ما أدى لشكوى الكثيرين من الملل. كما تأثر أداء شركات الاتصال نفسها، حيث تصبح الشبكة سيئة في المكالمات وتصفح الإنترنت.
وشمل انقطاع الكهرباء غالبية المستشفيات في العاصمة السودانية والتي تستعين بالمولدات الخاصة وتأمين الوقود اللازم لتشغيلها.
تقول مديرة أحد المستشفيات الحكومية لـ"العربي الجديد" إنهم يضطرون أحيانا إلى إغلاق المستشفى بسبب مشكلة مزدوجة تتمثل في عدم توفر الكهرباء والوقود الخاص بالمولد، مضيفة أن هناك قلقا كبيرا من أن يشل نقص التيار الكهربائي قدرات المستشفيات مما يعرض حياة الناس للخطر.
ويعاني القطاع التجاري كذلك من انقطاع للتيار يصل إلى 12 ساعة يومياً، مما يعيق استمرار العمل خاصة في الأعمال التي تعتمد على الكهرباء في التشغيل. ويضطر العديد من المتاجر للإغلاق بسبب غياب التيار أو شراء مولدات خاصة لاستمرار العمل.
أما القطاع الصناعي فهو المتضرر الأكبر، وفق عاملين في القطاع، مؤكدين أن تكلفة تشغيل المولدات عالية بسبب ارتفاع أسعار الوقود، علاوة على أن بعض الآليات تحتاج لتيار منتظم وقوي وهو ما لا يتوفر دوماً في المولدات.
وبحسب مصدر مسؤول في وزارة الطاقة، فإن حجم الطاقة المنتجة حالياً في البلاد، يبلغ نحو 2220 ميغاواط، بينما الطلب يصل إلى نحو 3020 ميغاواط. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أن القطاع في انتظار التمويل المطلوب لشراء الوقود وصيانة الكثير من الأعطال.
بينما يقول الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل، أن أزمة الكهرباء، تعد أحد مظاهر العجز الإداري في الدولة، حيث جرى إفراغ الشركات من الكفاءات وتعيين غير مؤهلين في سنوات حكم النظام السابق، لمجرد انتمائهم للحكومة السابقة دون مراعاة المعايير المهنية.
ويضيف المهل في تصريح لـ"العربي الجديد" أن عدم انتظام الإمداد الكهربائي للقطاعات المختلفة يؤثر مباشرة على الاقتصاد، كما أن عدم وجود أي مصادر للطاقة البديلة للاعتماد عليها سواء في القطاعات الإنتاجية أو السكنية أو الخدمية يزيد من الأزمة.
ويشير إلى وجود عجز في إنتاج الكهرباء يقدر بحوالي 650 ميغاواط، معتبرا أن الطاقات المتجددة وتحديداً الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح تمثلان الحل لمستقبل توليد الكهرباء في البلاد بالرغم من تكاليفهما العالية حالياً. وأضاف أن الطاقة الشمسية تضع السودان ضمن أغنى عشرة بلدان في العالم تتمتع بالضوء الشمسي.