في أسبوع قارس البرودة على غير العادة، تسببت العواصف الثلجية في انهيار البنية التحتية لشبكات الطاقة في ولاية تكساس الأميركية التي تستحوذ على أكثر من ثلث إنتاج النفط في الولايات المتحدة، ما تسبب في خسائر اقتصادية ضخمة للولاية وللاقتصاد الأميركي، لتمتد تداعيات الأزمة إلى عقود القمح وتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وحتى تجارة التجزئة عبر الإنترنت.
وأضحت تكساس في أيام معدودة شبيهة بالعديد من بلدان العالم الثالث التي تشهد انقطاعات متكررة في الكهرباء عن ملايين الأسر على مدار اليوم، ولجوء السكان لحلول بدائية لتوفير التدفئة والطعام، فيما حظر مسؤولو تكساس بيع الغاز الطبيعي إلى الولايات الأخرى.
ومع استمرار الكارثة، حذر محللون من أن ما يحدث يمثل جرس إنذار لوقوع أزمة طاقة، يمكن لها أن تطاول عدداً كبيراً من الولايات الأميركية الأخرى خلال الفترة المقبلة.
وبقي نحو مليوني أميركي في تكساس محرومين من الكهرباء حتى أمس، الخميس. وأكدت الشركة المزودة للكهرباء في الولاية أن 200 ألف منزل لا تزال محرومة من الكهرباء، فيما قد تتواصل انقطاعات التيار لوقت أبعد.
ولجأ سكان هيوستن، وهي أكبر مدن الولاية، إلى كنيسة "لايكوود"، يوم الأربعاء، هرباً من البرد، ونتيجة انقطاع الكهرباء، فيما قال النائب الديمقراطي السابق في تكساس بيتو أورورك، لقناة "أم أس أن بي سي"، إنه "كان ممكناً التحصن ضد كل تلك الصعوبات"، معتبراً أن "تكساس ليست بعيدة عن أن تكون ولاية فاشلة".
وسارعت السلطات في الولاية لتقصي أسباب حدوث الأزمة وانقطاع التيار عن ملايين المواطنين في الولاية التي اعتبرت لسنوات مركزاً للطاقة في أميركا الشمالية، وخاصة أن شبكة الطاقة فيها لديها نوع من الاستقلالية عن بقية الولايات الأميركية، الأمر الذي نزعت إليه السلطات في الولاية للتهرب من اللوائح الفيدرالية التي تفرض قدرات تمكنها من التعامل مع الطقس شديد البرودة.
ونقلت شاشات الأخبار طوابير المواطنين أمام المحال لشراء أخشاب توفر لهم التدفئة التي يحتاجون إليها، بعيداً عن التيار الكهربائي وأعطاله، كما زجاجات مياه الشرب، بعدما تسبب انقطاع التيار الكهربائي في انقطاع المياه عن بعض البيوت بسبب تجمد أنابيب المياه.
وترتب على انقطاع التيار الكهربائي خسائر اقتصادية ضخمة بالنسبة للولاية وللاقتصاد الأميركي، حيث انخفض إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بنسبة 40%، بعد تراجع إنتاج حقل برميان، أكبر وأهم حقول إنتاج النفط الأميركي، بنسبة تقترب من 80%.
وقلصت شركة أوكسيدنتال بتروليوم تسليم شحناتها، وأغلقت شركة شيفرون بعض آبارها، وأوقفت شركة كيميكال ميكرز العمل بمصانعها على خليج المكسيك، وتوقفت تماماً عمليات التكسير الهيدروليكي.
وبعد تأكد مسؤولي الشركات من ضخامة الخسائر التي تكبدوها، بات أكبر أمل لديهم هو انتهاء الأزمة في أقرب وقت، خوفاً من تضاعف الخسائر.
ووصف بول سانكي، من مركز سانكي للأبحاث، ما يحدث في تكساس بأنه "أكبر كثيراً مما يعتقد الكثيرون"، مؤكداً في مذكرة نشرها على موقع المركز، أن ما يحدث في الولاية هو أزمة عالمية، كونه أكبر انقطاع للطاقة في تاريخ الولايات المتحدة، ولأنه يحدث في منتصف شتاء شديد القسوة على مستوى العالم.
وأضاف سانكي "ترقبوا، فالأزمة ما زالت في بدايتها، وانقطاع بهذا الحجم في ولاية تكساس هو مؤشر عالمي، لا في الولاية وحدها".
ومن المعروف أن سوق الطاقة في الولايات المتحدة وحوض الأطلسي بأكمله يعتمد على تكساس والجزء المطل على ساحل الخليج في الولايات المتحدة، ويمثل تراجع الإنتاج هناك ضربة قوية لاستعادة القطاع لقدرته التي تعطل أغلبها خلال العام الماضي مع انهيار أسعار النفط عالمياً.
وتسبب تعطل الكثير من مصادر الطاقة في تكساس خلال الأيام الماضية، في إحداث ارتباك في قطاعي النفط والغاز، حيث تراجع إنتاج النفط الخام بمقدار 4 ملايين برميل يومياً، وهو ما لم يحدث في أي وقت سابق، وفقًا للتجار والمسؤولين التنفيذيين في الصناعة ممن لديهم معرفة مباشرة بالعمليات.
وفي السياق نفسه، انخفض إنتاج الغاز إلى أدنى مستوى منذ عام 2017، وأعلنت شركتا سيتجو بتروليوم كورب، وخطوط أنابيب بلينز أول أميركان، وقوعهما تحت حالة القوة القاهرة، التي تسمح للشركات الأميركية بعدم الالتزام بتسليم الكميات التي تم الاتفاق عليها.
وفي إشارة إلى حجم التأثير الذي يمكن أن يطاول الولايات الأخرى، حظر جريج أبوت، حاكم ولاية تكساس، مبيعات الغاز الطبيعي خارج حدودها، وقالت شركة تشينير إنيرجي، أكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في الولايت المتحدة، إنها ستخفض مؤقتاً تصدير واستهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء لمساعدة شبكات الطاقة في تكساس.
وفي ظل معاناة الملايين من البرد القارس وانقطاع الكهرباء والمياه، سيكون هناك مستفيدون من الأزمة لحصد المزيد من المكاسب، خاصة منتجي الغاز والطاقة عموماً.
ويقول شريف نافع، المدير السابق في شركة هاليبرتون للطاقة، والرئيس التنفيذي في شركة The Seven Drilling Technology لتقنية الحفر، إن "بعض الشركات ستستغل الانقطاعات لزيادة الأسعار"، مضيفاً أن السبب المعلن هو توقف مولدات الطاقة التي تعمل بالنفط ومولدات الطاقة الهوائية نتيجة تجمدها، "ما يعني أنهم سيعملون على تطوير المحطات، وإذا حدث ذلك فسوف يكون سبباً لزيادة أسعار الكهرباء".
وأكد نافع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أسعار النفط ترتفع عادة في أوقات البرودة الشديدة بفعل زيادة الطلب، وهو ما نشهده حالياً، وهذا معناه أن أسعار النفط والكهرباء في طريقها للزيادة في الولايات المتحدة".
وعالميا زادت أسعار النفط لتبلغ أعلى مستوياتها في 13 شهرا، أمس، إذ شهدت الأسواق عمليات شراء جديدة بفعل مخاوف من أن الطقس البارد المفاجئ في تكساس قد يعطل إنتاج الخام الأميركي لأيام أو ربما لأسابيع.
وتجاوز خام برنت 65 دولاراً للبرميل، ملامسا أعلى مستوياته منذ 20 يناير/ كانون الثاني 2020. ولامست العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي مستوى 62 دولاراً للبرميل، مسجلة أعلى مستوياتها منذ الثامن من يناير 2020.
وبحسب محللي وود ماكنزي، فإنه جرى فقد قرابة مليون برميل يوميا من إنتاج الخام، وقد تستغرق استعادته بالكامل أسابيع.
وقال تشيوكي تشين، كبير المحللين لدي صنوارد تريدينج، إنه علاوة على ذلك، فإن سحبا أكبر من المتوقع لمخزونات النفط الأميركية عزز المخاوف بشأن الإمدادات.
وأظهرت بيانات من معهد البترول الأميركي أن مخزونات الخام الأميركية انخفضت 5.8 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 12 فبراير/ شباط الجاري إلى نحو 468 مليون برميل، مقارنة مع توقعات المحللين بانخفاض 2.4 مليون برميل.
وتلقى ارتفاع سعر النفط في الأشهر الأخيرة الدعم أيضا من شح الإمدادات العالمية، ما يرجع بدرجة كبيرة إلى تخفيضات الإنتاج التي تقوم بها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ومنتجون حلفاء في مجموعة أوبك+ التي تضم روسيا.
ولم تقتصر تداعيات أزمة الطاقة الناجمة عن عواصف الثلوج في تكساس على توفر الكهرباء والوقود، بل امتدت إلى قطاعات أخرى، حيث ارتفعت أسعار القمح في العقود الآجلة، كما ألغت متاجر أمازون الشهيرة شحن بضائعها من إلينوي إلى تكساس، وتأخرت شحنات لقاح فيروس كورونا، بسبب تراكم الثلوج على الطرق بارتفاعات تعوق الحركة وتمنع مرور الشحنات.
وأكد جيف زينتس، منسق مكافحة وباء كوفيد ـ 19 في البيت الأبيض، أن الطقس البارد أثر على حملة التلقيح على خلفية إغلاق بعض مراكز التطعيم. وأرجأ الرئيس جو بايدن زيارة كانت مقررة، أمس، إلى مصنع لشركة فايزر ينتج اللقاحات في كالامازو في ميشيغان حتى الجمعة، بسبب الطقس.