بايدن يسعى لتوجيه ضربة كبرى للطاقة الروسية قبل مغادرته

26 ديسمبر 2024
بايدن في شرفة البيت الأبيض لمشاهدة الألعاب النارية بمناسبة يوم الاستقلال، 4 يوليو (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تخطط إدارة بايدن لفرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي، مستهدفة الأسطول المظلم ومصدري النفط غير المعاقبين، لتعزيز نفوذها في المفاوضات مع روسيا بشأن أوكرانيا.
- من المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى تقويض إيرادات روسيا، مما يضغط على الروبل ويرفع التضخم وأسعار الفائدة، بينما يظل قطاع الطاقة الروسي مصدراً رئيسياً للإيرادات.
- العقوبات قد تعزز سطوة الطاقة الأميركية في أوروبا، مما يزيد اعتماد القارة على الإمدادات الأميركية وسط تحديات تأمين الغاز وارتفاع الطلب.

تخطط إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لفرض عقوبات مالية جديدة كبرى على قطاع الطاقة الروسي، لتبدو وكأنها قذائف اللحظات الأخيرة في حرب العقوبات الغربية ضد موسكو، إذ يتطلع بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض إلى توجيه ضربة موجعة لخزائن موسكو.

سيكون جوهر العقوبات استهداف ما تصفه واشنطن بـ"الأسطول المظلم" للسفن الدولية التي تحمل النفط الروسي إلى دول غير غربية، بالإضافة إلى بعض مصدري النفط الروس الذين لم يتم فرض عقوبات عليهم حتى الآن، وفقاً للعديد من الأشخاص المطلعين على الأمر. وتشمل الخيارات أيضاً إلغاء الترخيص الذي يسمح للبنوك بمعالجة معاملات الطاقة الروسية، حسبما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن أربعة أشخاص مطلعين على الأمر.

ووفق الأشخاص الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم حسب الصحيفة الأميركية، تفكر إدارة بايدن في توجيه ضربة أخيرة في حربها المالية ضد فلاديمير بوتين، معتبرين أن هذه الخطوة ستمنح الفريق القادم للرئيس المنتخب دونالد ترامب المزيد من النفوذ في مفاوضاته مع بوتين بشأن إنهاء حرب روسيا مع أوكرانيا.

التحرك الكبير المرتقب ضد روسيا قبل ترك بايدن منصبه من شأنه أن يعزز مزاعم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بأنه حشد الحلفاء الغربيين للرد بقوة على غزو روسيا أوكرانيا عام 2022. وفي العامين ونصف العام منذ غزو أوكرانيا، كان البيت الأبيض حذراً من اتخاذ إجراءات صارمة للغاية ضد صادرات الطاقة الروسية، خوفاً من ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية وانعكاسها على أسعار الوقود في الولايات المتحدة. لكن التضخم انخفض بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وانتهت الانتخابات، ما أدى إلى تغيير الحسابات السياسية.

الإجراءات الأكثر عدوانية

وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد ذكرت في تقرير لها في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن بايدن كان متردداً منذ فترة طويلة في اتخاذ مثل هذه الخطوة خوفاً من ارتفاع أسعار الوقود، لا سيما على خلفية الانتخابات الرئاسية الأميركية الشهر الماضي، والآن أصبحت إدارته مستعدة "لاتخاذ إجراءات أكثر عدوانية" وسط انخفاض أسعار النفط والمخاوف من أن ترامب قد "يحاول إجبار" كييف على عقد صفقة سريعة مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقالت مصادر مطلعة للوكالة إنه قد يكون أحد نماذج العقوبات الموسعة للولايات المتحدة هو فرض قيود تتم بموجبها "معاقبة الدول التي تشتري النفط الروسي".

وفي السياق ذاته، نقلت واشنطن بوست عن الباحث البارز في مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا في نيويورك إدوارد فيشمان، الذي دعا بايدن إلى استهداف مبيعات الطاقة الروسية في الأسابيع الأخيرة من رئاسته، قوله: "كانت إدارة بايدن قلقة بشأن ارتفاع أسعار الغاز وتفاقم التضخم.. كان هذا هو القيد الرئيسي على سياسة العقوبات على روسيا.. لكن الانتخابات انتهت، والتضخم تحت السيطرة.. الأسباب التي تجعلنا حذرين للغاية بشأن العقوبات لم تعد سارية بعد الآن".

وقد قدمت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون مئات المليارات من الدولارات على شكل مساعدات لكييف، في حين طبقت مجموعة من العقوبات المالية على البنوك الروسية وشركات الدفاع والمنتجين الصناعيين والشركات الأخرى. وقد أثرت هذه العقوبات بقوة متزايدة. ومع ذلك، ظل قطاع الطاقة في روسيا متأثراً جزئياً فقط، وهو ما يدعم قوات بوتين في ساحة المعركة مع تقليل الضرر الاقتصادي في الداخل. ويأتي ما بين ثلث ونصف عائدات ميزانية روسيا من بيع النفط والغاز.

وأعلنت وزارة المالية الروسية في يوليو/ تموز الماضي، أن إيرادات البلاد من بيع موارد الطاقة ارتفعت لتبلغ 5.7 تريليونات روبل (حوالي 64 مليار دولار)، في النصف الأول من العام الجاري. وأفادت الوزارة بأن حجم إيرادات النفط والغاز في الفترة المذكورة ارتفع بنسبة 68.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023.

انعكاسات سلبية على الاقتصاد الروسي

لكن العقوبات التي يسعى إليها بايدن من المتوقع أن تقوض كثيراً إيرادات روسيا وتتسبب في ضغوط حادة على الروبل وتدفع التضخم السنوي إلى الارتفاع ورفع أسعار الفائدة. وبينما تخفض معظم البنوك المركزية في العالم أسعار الفائدة، تنتهج روسيا سياسة معاكسة، وتصل أسعار الفائدة إلى 21%، وهو أعلى مستوى منذ عقدين من الزمان، وتتوقع الأسواق أن تصل إلى 23% بحلول نهاية العام الجاري 2024.

ويأتي هذا في وقت أصبح فيه من الصعب على نحو متزايد تحمل نفقات الحكومة. فقد تضمنت ميزانية روسيا، التي جرى الكشف عنها في سبتمبر/ أيلول الماضي، خطة لزيادة الإنفاق الدفاعي بمقدار الربع العام المقبل. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الإنفاق إلى 17 تريليون روبل (170 مليار دولار)، وهو مبلغ يمثل أكثر من 40% من إجمالي الإنفاق الحكومي أو 8% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وسوف يشكل الإنفاق الدفاعي وحده 6% من الدخل القومي الروسي، وهو أعلى مستوى منذ الحرب الباردة.

وقال بيتر هاريل، المدير السابق لإدارة بايدن للاقتصاد الدولي، والذي يعمل الآن زميلاً غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "يجب أن يكون هدف فرض عقوبات كبرى جديدة هو انخفاض مزدوج الرقم في عائدات التصدير، على مدى فترة تراوح ما بين ستة أشهر و12 شهراً. ومع ذلك، خفف هاريل من التوقعات"، وقال: "حتى لو كانت هناك ضربة كبيرة، ستستمر روسيا في التمتع بعائدات تصدير كبيرة". "العقوبات هي لعبة تكرارية حيث تتطلع إلى تحقيق ضربات أساسية متتالية.. يمكن أن تكون العقوبات الإضافية على الطاقة بمثابة ضربة مزدوجة قوية".

في الأثناء، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن العقوبات المرتقبة ضرورية لضمان أن تكون أوكرانيا في "أفضل وضع ممكن للدفاع عن نفسها والتفاوض على السلام بشروط عادلة". وأضاف المسؤول، الذي تحدث أيضاً شرط عدم الكشف عن هويته، وفق واشنطن بوست: "سيكون هذا الإجراء خطوة أخرى نحو تحقيق هذا الهدف". ولقد أدى "سقف أسعار النفط" الغربي، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إلى الحد من عائدات الكرملين من الطاقة من خلال تحديد سعر أقصى يمكن للدول المشاركة شراء النفط الروسي به بشكل قانوني.

لكن روسيا استمرت في إيجاد أسواق غير غربية للصادرات للالتفاف حول السقف، وخاصة في الصين والهند. بينما قد تمنح أسواق الطاقة العالمية الآن بايدن المزيد من الحرية لتشديد هذا الجهد. وقالت وكالة الطاقة الدولية، الشهر الماضي، إنها تتوقع أن يتجاوز العرض الطلب في العام المقبل، مع زيادة الولايات المتحدة وكندا ودول أخرى الإنتاج.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على أمر العقوبات: "أعتقد أننا في الواقع في وقت يمكن فيه للسوق التعامل مع الطاقة الخارجة من السوق"، في إشارة إلى كميات النفط الروسية التي سيتم خنقها بالعقوبات وإبعادها عن الأسواق. وقال بوب ماكنالي، مؤسس ورئيس مجموعة رابيدان للطاقة: "من الواضح أن الطاقة ظلت المصدر الأكبر للإيرادات بالنسبة لروسيا لتمويل حربها، وستكون الخطوة نحو تشديد العقوبات بمثابة نهاية مرحب بها لحملة العقوبات التي يشنها بايدن ضد روسيا".

وتوقعت مصارف أن تظلّ أسعار النفط في مستويات متراجعة خلال العام المقبل، بسبب الفائض الكبير في المعروض من الخامات مقارنة بالطلب في السوق النفطية. ونقلت نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة عن وارن باترسون وإيوا مانثي، محللا السلع في بنك "آي إن جي"، قولهما في مذكرة لعملاء البنك أخيراً: "نتوقع أن يحقق سوق النفط فائضاً في العام المقبل".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتوقّع محلّلو مصرف "بنك أوف أميركا"، في تقرير، هذا الشهر، أن تنخفض أسعار النفط إلى متوسط 65 دولاراً للبرميل في عام 2025، بسبب زيادة المعروض من النفط الخام وتباطؤ الطلب، مع تحول البلدان نحو مصادر طاقة أنظف. وشدّد فرانسيسكو بلانش، رئيس أبحاث السلع والمشتقات العالمية في البنك، على أنه "لن يكون هناك نقص في المعروض من النفط"، متوقعاً اتجاهاً هبوطياً للأسعار العام المقبل. كما توقع محللو مصرف "جيه بي مورغان تشيس" تراجع أسعار الخام في 2025.

العقوبات تخدم ترامب ومأزق كبير للأوروبيين

وبينما يرى بعض المحللين أن هناك تضاداً كبيراً في وجهات النظر بين بايدن وترامب في العديد من الملفات، ومنها إنهاء الحرب في أوكرانيا، إلا أن العقوبات التي يخطط لها بايدن ضد منابع الطاقة الروسية قد تخدم ترامب، إذ تعزز خططه في زيادة سطوة الطاقة الأميركية، لا سيما في أوروبا، وجعل القارة الباردة أكثر طواعية في العديد من الملفات. وهدد ترامب، هذا الشهر، بفرض رسوم جمركية إذا لم تخفض الكتلة عجزها التجاري "الهائل" مع الولايات المتحدة من خلال مشتريات كبيرة من النفط والغاز.

ويشتري الاتحاد الأوروبي بالفعل النصيب الأكبر من صادرات النفط والغاز الأميركية، بعد سلسلة العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو. وربما تكون الساحة الأوروبية مؤهلة حالياً لانتزاع ترامب المزيد من المكاسب، إذ يستنفد الاتحاد الأوروبي مرافق تخزين الغاز بأسرع وتيرة منذ أزمة الطاقة قبل ثلاث سنوات، مع ارتفاع الطلب بسبب الطقس البارد، وانخفاض الواردات المنقولة بحراً، ما يدفع الأسعار للصعود في الأيام الأخيرة.

ووفق بيانات "جي آي إي" (Gas Infrastructure Europe)، وهي منظمة تمثل مشغلي البنية التحتية للغاز في أوروبا، انخفض حجم الغاز في مواقع التخزين في الكتلة الأوروبية بنحو 19% من نهاية سبتمبر/ أيلول إلى منتصف ديسمبر/ كانون الأول. ولم يشهد العامان الماضيان سوى انخفاضات أحادية الرقم خلال الفترة نفسها، عندما ضمنت درجات الحرارة الأعلى من المعتاد أن يظل التخزين ممتلئاً نسبياً حتى موسم التدفئة الشتوي، كما كبحت الصناعات الطلب بسبب ارتفاع الأسعار. كانت آخر مرة جرى فيها إفراغ مخازن الغاز في القارة الباردة بهذه السرعة بحلول منتصف ديسمبر/ كانون الأول في عام 2021 عندما بدأت روسيا في قطع إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب قبل غزوها الكامل لأوكرانيا.

في الأثناء، شنت روسيا هجوماً كبيراً على قطاع الطاقة في أوكرانيا، وفق ما أعلن وزير الطاقة الأوكراني جيرمان غالوشينكو، صباح أمس الأربعاء. تأتي الهجمات الواسعة قبل أيام من انتهاء عقد عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا. ولمّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأسبوع الماضي، إلى أن بلاده ستمنع عبور الغاز روسي المنشأ ما لم يحصل على تأكيدات بأن الكرملين لن يستفيد مالياً من ذلك أثناء الحرب. وفي خضم قذائف الحرب المتسارعة أخيراً والعقوبات الكبرى التي يعتزم بايدن فرضها في الأيام الأخيرة من ولايته على الإمدادات الروسية، يتعقد المشهد بالنسبة للأوروبيين كثيرا، إذ يجدون أنفسهم رهينة بشكل أكبر للإمدادات الأميركية.

المساهمون