استمع إلى الملخص
- يتوقع الخبراء تخفيضات تدريجية في أسعار الفائدة خلال السنوات القادمة، مما قد يحسن القدرة على تحمل تكاليف الإسكان، مع استمرار التفاوتات الإقليمية في أسعار المنازل بسبب نقص بناء المنازل.
- أظهر سوق الرهن العقاري مرونة أكبر من المتوقع، مع توقعات بزيادة مطردة في إقراض شراء المنازل وإعادة الرهن العقاري، مما يؤدي إلى نمو متواضع في أسعار المنازل.
أعاد ارتفاع التضخم إلى 2.6% في المملكة المتحدة تسليط الضوء على سوق العقارات، وسط تثبيت بنك إنكلترا المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه اليوم الخميس عند 4.75%. ويواجه القطاع العقاري تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع تكلفة الاقتراض، ما يقلص القدرة الشرائية للمشترين المحتملين، بالإضافة إلى تراجع الطلب الذي يضغط على أسعار المنازل والسكن. وكان البنك المركزي قد ثبت سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في اجتماع اليوم، مشيراً إلى تسارع التضخم السنوي منذ سبتمبر/أيلول الماضي متجاوزاً التوقعات بفارق طفيف. وقال البنك في بيان السياسة النقدية إن التضخم السنوي في أسعار المستهلكين ارتفع إلى 2.6% في نوفمبر من 1.7% خلال سبتمبر، وهو ما فاق التوقعات بصورة طفيفة، وكان السبب الأكبر لتلك الزيادة ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذاء.
وجاء قرار بنك إنكلترا اليوم تماشياً مع التوقعات، وبعدما خفض المصرف سعر الفائدة الرئيسي مرتين هذا العام من 5.25%. ووفق البنك، فإن تضخم أسعار الخدمات ظل مرتفعاً، لذا من المتوقع أن يواصل المستوى العام للأسعار الزيادة بصورة طفيفة على المدى القريب. وأشار إلى أن معظم المؤشرات قصيرة الأمد للنشاط الاقتصادي بالمملكة المتحدة تراجعت، وبات أعضاء لجنة السياسة النقدية يتوقعون انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي دون التقديرات بنهاية العام الجاري.
ورغم الصعوبات التي يعاني منها قطاع العقارات، يتوقع خبراء الاقتصاد في العاصمة لندن تخفيضات تدريجية في أسعار الفائدة خلال العام المقبل، وهو ما ينعكس إيجابيا على القطاع ويخفض كلفة القروض العقارية. وفقاً لتقديرات كابيتال إيكونوميكس، قد تستمر هذه التخفيضات حتى تصل الفائدة إلى 3.5% بحلول أوائل عام 2026. بينما توقعت بانثيون للاقتصاد الكلي ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة خلال عام 2025، لتصل إلى 4% مع نهاية العام.
نظرة متأنية حول تخفيض الفائدة
في هذا الصدد، يقول تشارلي كورنز، خبير اقتصادي أول في "مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال"، في ردّه عن أسئلة "العربي الجديد"، إنهم يتوقعون تخفيفاً تدريجياً لأسعار الفائدة خلال العام المقبل. ويوضح أنّ بيانات التضخم الصادرة في 18 ديسمبر/كانون الأول، إلى جانب أرقام نمو الأجور في اليوم السابق، تدعم وجهة نظرهم التي ترى أن التخفيض التالي لأسعار الفائدة لن يتم حتى العام المقبل. ويضيف: "اعتباراً من الآن، نتوقع ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2025، مما يرفع سعر البنك إلى 4% بحلول نهاية العام".
ويشير كورنز إلى أنّ وجهة نظرهم ترتكز على توقعات بأن ينخفض التضخم نحو المستوى المستهدف 2% على المدى المتوسط (أي منتصف عام 2026 وما بعده). ولذلك، فإن المخاطر السلبية لتوقعاتنا لأسعار الفائدة تنبع مما إذا كانت المملكة المتحدة تعاني باستمرار من تضخم أعلى من الهدف خلال تلك الفترة، مع عدم وجود دلائل تذكر على التقدم نحو مكافحة التضخم. وبصرف النظر عن المعدل الرئيسي، سيكون التضخم الأساسي وتضخم الخدمات من المؤشرات المهمة التي يجب مراقبتها.
وبالنسبة لسوق الإسكان، يقول كورنز، إن غالبية القروض العقارية تكون محددة المدة، وعادة ما تكون لمدة بين عامين وخمس سنوات. وبالتالي، فإن المحركات الرئيسية لأسعار الفائدة على هذه القروض العقارية هي التوقعات بشأن أسعار الفائدة التي ستكون عليها خلال عامين وخمسة أعوام. و"بما أن تخفيضات أسعار الفائدة قد تم تسعيرها بالفعل في هذه الرهون العقارية، فإننا لا نتوقع انخفاضاً كبيراً في أسعار الرهن العقاري في العام المقبل".
وبدلاً من ذلك، سيتم دعم الطلب على الإسكان في المقام الأول من خلال تحسين القدرة على تحمل التكاليف، مع استمرار الدخل في النمو بمعدل أسرع من أسعار المساكن. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يتوقع مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال أن ترتفع أسعار المنازل في المملكة المتحدة بنسبة 4% في العام المقبل، وبنسبة 3% عام 2026.
دور السياسات الحكومية في حل الأزمة
من جهتها، تقول مونيكا جورج ميشيل، خبيرة اقتصادية مشاركة في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نتوقع أن يشهد عام 2025 تخفيضين إلى ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة، مع استمرار البنك المركزي في التحلي بالحذر ومتابعة السياسة الأميركية عن كثب، إضافة إلى مراقبة نمو الأجور والتضخم في المملكة المتحدة". وتضيف: "مع انخفاض أسعار الفائدة، من المتوقع أن يرتفع الطلب على العقارات، مما قد يؤدي إلى زيادة أسعارها. ومع ذلك، قد تساهم الخطط الحكومية الجديدة في الحد من هذه الزيادة من خلال تعزيز المعروض من المساكن".
التفاوتات الإقليمية وأزمة الإسكان
يوضح البروفيسور بول شيشاير من كلية لندن للاقتصاد، في رده على أسئلة "العربي الجديد" حول التغيرات الهيكلية المحتملة في سوق الإسكان نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الأخيرة، أن زيادة تكلفة الرهن العقاري قد تحد من قدرة الأفراد على شراء المنازل، مما قد يدفع البعض إلى الاتجاه نحو الإيجار كبديل. ومع ذلك، يؤكد شيشاير أن هذا التحول "سيكون محدوداً للغاية، حيث من غير المتوقع أن يُحدث تأثيراً كبيراً على هيكل السوق".
وفي حديثه عن تأثير الانخفاض التدريجي المتوقع في أسعار الفائدة على التفاوتات الإقليمية في القدرة على تحمل تكاليف الإسكان وملكية المنازل في المملكة المتحدة، يقول شيشاير إن هذا التأثير سيكون محدوداً للغاية. ويوضح أن أسعار الفائدة، باعتبارها ثابتة على المستوى الوطني، لا تسهم في خلق تفاوتات بين المناطق. ومع ذلك، يلفت إلى أن "الاختلافات الإقليمية الكبيرة في أسعار المنازل وقدرة السكان على تحمل تكاليفها تظل قائمة، كما تظهر البيانات التي استعرضها في ورقة بحثية كتبها في يونيو/حزيران الماضي، تناولت الأسباب الجذرية لأزمة السكن في المملكة المتحدة".
ويشير شيشاير في تقريره، الذي شارك في تأليفه مع كريستيان آل هيلبر لصالح مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن أزمة السكن ناجمة بشكل رئيسي عن نقص بناء المنازل. وخلال الثلاثين عاماً التي تلت 1989، جرى بناء ثلاثة ملايين منزل أقل مقارنة بالثلاثين عاماً السابقة، على الرغم من زيادة الطلب. ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة متوسط سعر المنزل إلى متوسط الدخل بشكل كبير، حيث بلغت في لندن 12 ضعف الدخل المتوسط بحلول عام 2023.
ويؤكد التقرير أن "الحل يكمن في إصلاحات جذرية لزيادة العرض"، مشيراً إلى أن "حزب العمال يقدم مقترحات شاملة تتضمن إعادة أهداف الإسكان الإلزامية للسلطات المحلية، وتحديث الخطط المحلية لتلبية احتياجات السكن، ومراجعة استراتيجية الحزام الأخضر لتحسين استخدام الأراضي".
مرونة سوق الرهن العقاري
في رده على أسئلة "العربي الجديد"، يقول جيمس تاتش، رئيس قسم التحليلات في "فاينانس المملكة المتحدة" (UK Finance)، إن سوق الرهن العقاري "أظهر مرونة أكبر من المتوقع عام 2024 مع تراجع ضغوط الأسعار والتكاليف". ورغم تأثير قيود القدرة على تحمل التكاليف على نشاط إعادة الرهن الخارجي، فإن المنافسة على الاحتفاظ بالعملاء أتاحت للمقترضين الانتقال إلى صفقات جديدة داخلية دون اختبار جديد للقدرة على تحمل التكاليف.
ويشير تاتش إلى توقعات بزيادة مطردة في إقراض شراء المنازل وإعادة الرهن العقاري خلال عام 2025 مع تحسن القدرة على تحمل التكاليف، لكنه يتوقع انخفاضًا طفيفًا في إقراض الشراء بغرض التأجير. ويضيف أن "معايير الاكتتاب الحكيمة ساعدت العملاء في تفادي الصعوبات المالية، حيث بلغت المتأخرات ذروتها في أوائل 2024 قبل أن تبدأ بالتراجع، مع توقع انخفاضها بشكل أكبر في 2025". ويؤكد تاتش على أهمية تواصل العملاء الذين يواجهون صعوبات مالية مع مقرضيهم مبكراً، حيث تقدم الصناعة خيارات دعم مخصصة للمحتاجين.
توقعات الأسعار ومستقبل السوق
أما مايك بيتشر من "نايشن وايد بيلدينغ سوسيتي"، فأشار إلى مراجعة أسعار المنازل على المستوى الوطني وتوقعاتها لعام 2025. ووفقاً للمراجعة، يُتوقع أن يعزز التعافي الاقتصادي المستمر نشاط سوق الإسكان تدريجياً، مدعوماً بانخفاض طفيف في أسعار الفائدة ونمو الأرباح الذي يتجاوز ارتفاع أسعار المنازل المتوقع بين 2 و4%.
تشير أماندا برايدن، رئيسة هاليفاكس للرهون العقارية، إلى أنه بالرغم من الاتجاهات الإيجابية التي لوحظت مؤخراً، لا تزال القدرة على تحمل تكاليف الرهن العقاري تمثل تحدياً للعديد من المشترين. ومن المتوقع أن تكون أي تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة أكثر تدريجية مما كان متوقعاً سابقاً، بما يؤدي إلى إعادة تمويل أصحاب المنازل بأسعار أعلى. ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر الطلب على المنازل بفضل ظروف التوظيف الإيجابية، مما يؤدي إلى نمو متواضع في أسعار المنازل في عام 2025 بنسبة تصل إلى 3%.
وتشير البيانات إلى أن متوسط سعر المنزل في المملكة المتحدة قد بلغ 298.083 جنيهاً إسترلينياً، مع زيادة سنوية بنسبة 4.8%. كما ارتفعت أسعار المنازل المخصصة للمشترين لأول مرة بنسبة 4.1%. من جهة أخرى، شهدت أيرلندا الشمالية أعلى معدل تضخم سنوي في أسعار العقارات، بينما سجلت اسكتلندا أدنى معدل. على مدى العقد الماضي، ارتفع سعر المنزل النموذجي في المملكة المتحدة بنسبة 56%، مما يعكس التحديات المستمرة في سوق الإسكان.