تواجه صناديق الثروة في الشرق الأوسط تدقيقاً متزايداً من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على صفقاتها في الولايات المتحدة، فيما اعتبر جزءاً من خطة أكبر للتعامل مع كيانات يُنظر إليها حالياً على أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع الصين، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ، اليوم الجمعة.
وقالت مصادر الوكالة إنّ لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة "CFIUS"، تراجع عدة صفقات تم إبرامها هذا العام، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات، بسبب مخاوف من أنها قد تشكّل خطراً على الأمن القومي الأميركي.
وأشارت المصادر إلى أنّ المسؤولين في حكومة بايدن يراجعون حالياً أكثر من ست عمليات استحواذ، من بينها صفقات تخص جهاز أبوظبي للاستثمار، وشركة مبادلة للاستثمار، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وبينما احتفظت الولايات المتحدة بمكانتها كوجهة الاستثمار المفضلة لأكبر صناديق الثروة في المنطقة والعالم، برزت الصين باعتبارها قوة جذب جديدة للاستثمارات على نحو متزايد. وارتفعت قيمة عمليات الاستحواذ والاستثمارات التي تقوم بها الصناديق الخليجية في الدولة الآسيوية إلى 2.3 مليار دولار في عام 2023، من حوالي 100 مليون دولار فقط في العام الماضي، وفقاً لشركة الاستشارات الاستثمارية "غلوبال إس دبليو إف".
وجاء الارتفاع في استثمارات الصناديق الخليجية في الصين، بالتزامن مع سعي بكين لتعزيز العلاقات السياسية مع دول المنطقة، كما ظهر خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى الرياض، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ونقلت "بلومبيرغ" عن ستيفاني جوسنيل هاندلر، الشريكة في شركة جيبسون دان للخدمات القانونية ومقرها واشنطن، قولها، في ندوة عبر الإنترنت، الشهر الماضي: "بدأنا نشهد حساسية متزايدة تجاه استثمارات دول الخليج. لقد رأينا لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تبدأ في طرح المزيد من الأسئلة".
وفي الأشهر الأخيرة، أعرب مسؤولو إدارة بايدن عن مخاوف متزايدة من احتمال أن تنتهي أسرار التكنولوجيا، والبنية التحتية الخاصة بها، وبعض البيانات الحيوية التي تصل إلى الإمارات العربية المتحدة، في أيدي بكين، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر. ونقلت "بلومبيرغ" عن مصادرها القول إنّ "التدقيق حاد بشكل خاص بالنسبة لأبوظبي لأنّ القرارات المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية والاستثمارات الدولية يتخذها عدد قليل من أفراد العائلة المالكة هناك".
وأضافت المصادر أنّ لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة طلبت الوصول إلى السجلات الداخلية للعديد من الصناديق الخليجية لتهدئة المخاوف الأميركية، على الرغم من رفض الصناديق فكرة فتح سجلاتها الكاملة لحكومة أجنبية.
وأشارت "بلومبيرغ" إلى أنّ خطة صندوق مبادلة الإماراتي لشراء حصة في مجموعة "فورتريس إنفستمنت غروب"، كانت من أهم الصفقات التي تراجعها السلطات. ويدرس الصندوق حالياً خياراته، بما في ذلك ضم مستثمر أميركي، للحصول على موافقة الجهات التنظيمية الأميركية.
ووصف سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، العلاقات الثنائية، بأنها "قصة نجاح استمرت لعقود من الزمن"، ما سمح بتعزيز الابتكار في مجال التقنيات الحديثة وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنّ الدولة الخليجية كانت الوجهة الأولى للصادرات الأميركية في الشرق الأوسط لأكثر من عقد من الزمان.
وأضاف، وفقاً لما نقلته "بلومبيرغ"، اليوم الجمعة: "تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل وثيق وإيجابي مع الولايات المتحدة، بما في ذلك لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، لتسهيل وتوسيع التجارة والاستثمار، مع تأمين وحماية التقنيات والبيانات والملكية الفكرية الحساسة".
وقال مسؤول إماراتي آخر، لـ"بلومبيرغ"، إنّ "الدولة تعد واحدة من أهم مراكز التجارة والاستثمار في العالم، وإنّ أبوظبي تدرك تماماً مسؤولياتها في حماية سلامة النظام المالي العالمي".
ولجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة هي لجنة مشتركة بين الوكالات، ترأسها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، وتضم ممثلين من مختلف هيئات حكومة الرئيس بايدن. وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية، لـ"بلومبيرغ"، إنّ لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، "ملتزمة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية الأمن القومي الأميركي".
وتقوم اللجنة الأميركية بشكل روتيني بتدقيق الصفقات الواردة في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي يشار إليها باسم "المعاملات المغطاة".
وارتفع عدد إشعارات المعاملات المغطاة من دولة الإمارات إلى ستة في العام الماضي مقارنة بصفر في عام 2021، واثنين في عام 2020، وفقاً لأحدث تقرير سنوي للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة. وتظهر البيانات أنّ معاملات المملكة العربية السعودية المغطاة ارتفعت إلى أربع في عام 2022، مقارنة بثلاث وصفر في العامين السابقين.
وتعكس التدخلات المتزايدة للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة زيادة طفيفة في استثمارات الصناديق الخليجية في الولايات المتحدة. ومن 89 مليار دولار أنفقتها هذه الصناديق على الاستثمارات في عام 2022، ذهب 52 مليار دولار إلى أوروبا وأميركا الشمالية، وفقًا لـ"غلوبال إس دبليو إف". واستمر هذا التوجه خلال العام الحالي، حيث تشارك صناديق الثروة في صفقات أميركية بقيمة تزيد عن 23 مليار دولار، حسبما تظهر البيانات التي جمعتها نفس الشركة.
روابط صينية
وأفادت "بلومبيرغ" بأنّ "مبادلة" هي من بين المستثمرين المدعومين من حكومة أبوظبي الذين يكثفون عملياتهم في الصين، حيث قامت شركة G42، التي كانت في طليعة حملة دولة الإمارات لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي لديها، بتعيين مدير تنفيذي سابق من شركة JD.com الصينية لصندوقها التكنولوجي الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، كما أنشأت فريقاً صينياً للإدارة.
وتعد مجموعةُ G42 شركةَ مبادلة في أبوظبي مساهماً رئيسياً فيها، ويرأسها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، الذي تضم إمبراطوريته التجارية شركة الاستثمار رويال غروب، وصندوق الثروة ADQ، وجهاز أبوظبي للاستثمار الذي تبلغ قيمته تريليون دولار.
وقال مسؤولون خليجيون إن توجههم نحو الصين لا يهدف إلى استبدال الولايات المتحدة كشريك استثماري رئيسي لهم. ومع ذلك، أثارت الروابط مع بكين مخاوف في واشنطن، في الوقت الذي شددت فيه إدارة بايدن على نطاق واسع تدقيقها في الاستثمارات القادمة من وإلى الصين.
والشهر الماضي، طلبت لجنة معنية بالصين بمجلس النواب الأميركي معلومات حول استثمارات "سيكويا كابيتال" الأميركية في شركات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والحوسبة السحابية في الدولة الآسيوية. واعتبر المشرعون الأميركيون هذه الاستثمارات مثيرة لإشكاليات واضحة مع الصين.
وكانت التجارة على رأس جدول الأعمال عندما التقى بايدن وشي، خلال الشهر الجاري، في قمة في سان فرانسيسكو للمرة الأولى منذ عام.
وقالت إميلي كيلكريس، وهي كبيرة مسؤولي الاستثمار في الولايات المتحدة، لـ"بلومبيرغ": "بينما تواصل دول الخليج محاولة تنويع اقتصاداتها والقيام باستثمارات كبيرة في قطاع التكنولوجيا على مستوى العالم، يتوقع المرء أن يتعرض قدر معين من استثماراتها لفحص لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، حتى لو حصلت على الموافقة في نهاية المطاف".