على عكس كل ما كتبته عن الاقتصاد المصري خلال الأشهر العشرة الأخيرة، استبعدت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية مصر من قائمة الدول المرشحة للإفلاس خلال الفترة القادمة، مستعينة بنموذج مخاطر ابتكرته، وأكد لها أن المخاطر تتركز في الاقتصادات الصغيرة، وأن الاقتصادات الكبرى، التي افترضت أن مصر من بينها، ستبقى محصنة ضد مخاطر الإفلاس.
حاولت الوكالة الأميركية وضع قيم رقمية لمخاطر الإفلاس في 41 دولة ناشئة خلال الأشهر الإثنى عشر القادمة، فحصلت إحدى عشرة دولة فقط على احتمال بنسبة تتجاوز عشرة بالمائة من الإفلاس خلال الفترة القادمة، وكانت من بينها الأرجنتين والإكوادور وإثيوبيا.
طمأنت الوكالة قراءها إلى أن اقتصادات تلك الدول الإحدى عشرة مجتمعة لا تمثل أكثر من 3% من إجمالي قيمة الاقتصاد العالمي، ما يجعل حدوث أي افلاسات فيها غير مؤثر بالمرة على الأسواق العالمية.
وأشارت الوكالة أيضاً إلى أن بعض الدول، مثل باكستان وغانا (ونسيت مصر)، تسعى حالياً للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، أو حصلت بالفعل على جزء من المساعدات التي تحتاجها، للخروج من أزمتها الحالية.
وخلال عام 2022، الذي شهد أعنف سياسة تقييدية من بنك الاحتياط الفيدرالي منذ أوائل الثمانينات، عانت أغلب البلدان الناشئة والنامية من ضغوط على عملاتها، وارتفاع تكلفة الاقتراض، وزيادة عجز الحساب الجاري فيها، واضطر بعضها للتوقف عن سداد التزامات خدمة الدين الخارجي لديها.
ورفع البنك الفيدرالي معدل الفائدة على أمواله في ستة اجتماعات متتالية، ليصل به إلى نطاق 3.75% - 4%، بعد أن كان قريباً من الصفر عند بداية العام.
وتشير أغلب التوقعات إلى رفعين آخرين للسعر خلال الاجتماعين المقبلين، على الأقل، حتى يصل معدل الفائدة على أموال البنك إلى 4.75%، على الأقل.
ورغم أن أغلب البنوك المركزية حول العالم حذت حذو الفيدرالي الأميركي، إلا أن الكثير من البلدان تتعرض حالياً لمخاطر شديدة، خاصة البلدان الناشئة، بسبب ما لخصته وكالة بلومبيرغ في أربع نقاط أساسية، صنفت البلدان المعرضة للإفلاس بناء على تأثرها بكل واحدة منها.
قالت الوكالة إن أولى تلك النقاط تتعلق بارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، في البلدان النامية والناشئة، إلى 67% في المتوسط هذا العام، بعد أن كانت فوق الخمسين بالمائة بقليل في 2019.
ويقول موقع تريدنغ إيكونوميكس الشهير إن هذه النسبة ستصل في مصر إلى أكثر من 87% بنهاية العام الحالي، أي خلال خمسة أسابيع تقريباً.
النقطة الثانية هي ارتفاع معدلات الفائدة على مستوى العالم بسرعة غير مشهودة في أربعة عقود، وهو ما قالت الوكالة إنه يزيد من صعوبة أداء خدمة الدين في تلك الدول، وبصفة خاصة للديون التي حصلت عليها تلك الدول بالعملات الأجنبية.
وارتفع الدين الخارجي في مصر بمعدلات غير مسبوقة، حتى وصل إلى 155.7 مليار دولار بنهاية شهر يونيو من العام الحالي، وهو آخر رقم معلن من البنك المركزي المصري، يمثل ما يقرب من أربعة أضعاف الصادرات المصرية.
وفي حين تشير التقديرات إلى أن الشهور الأربعة الأخيرة، التي لم يتم إعلان رصيد الدين الخارجي فيها، شهدت حصول مصر على عدة مليارات من الدولارات في صورة قروض جديدة، من السعودية والكويت وقطر، وبعض المؤسسات الدولية الأخرى، تعكس أسعار السندات المصرية في الأسواق الدولية معدل عائد حتى الاستحقاق YTM يتجاوز 15%، طبقاً لأوثق البيانات المنشورة.
وقالت بلومبيرغ إن النقطة الثالثة تتعلق بتراجع عملات تلك الدول أمام الدولار، وهو ما يضاعف من أعباء خدمة الديون الخارجية، مشيرة إلى أن العديد من تلك العملات انخفضت قيمها أمام الدولار بنسب تتجاوز 10% منذ نهاية 2020.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، تراجع الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة تجاوزت 55% منذ شهر مارس/آذار الماضي، أي في فترة لم تتجاوز ثمانية أشهر، بينما ترتفع تلك النسبة بصورة واضحة في السوق الموازية.
واختصت النقطة الرابعة في تقرير الوكالة الأميركية بمعدلات الفائدة المطبقة على عملات البلدان النامية والناشئة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن اضطرت البنوك المركزية فيها لرفع الفائدة، أكثر من رفع البنك الفيدرالي في بعض الأحيان، حمايةً لعملاتها المحلية، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى الضغط على موازنات تلك الدول، المأزومة أصلاً. وتقول بيانات وزارة المالية المصرية إن متوسط العائد على أذون الخزانة تجاوز في عطاءات الأسبوع الماضي 18%.
ورغم أن البيانات الصادرة عن المؤسسات المصرية الرسمية، والمؤسسات الدولية، تشير إلى شدة ضعف الحالة المصرية، وفقاً للمؤشرات الأربعة التي حددتها الوكالة، قالت بلومبيرغ إن النموذج الذي ابتكرته أشار إلى أن احتمال إفلاس مصر لا يتجاوز 6%. لكن الوكالة اعترفت في الوقت نفسه بأن نموذجها "المبتكر" لا يأخذ بعض الاعتبارات في الحسبان.
أشارت بلومبيرغ أيضاً إلى أن أسواق السندات الدولية تعكس بعض الاختلافات عن النتائج التي توصل إليها نموذجها، حيث أظهر النموذج ضعفاً أكثر من الموجود في أسواق السندات الخاصة بدول أميركا اللاتينية، كون أغلبها يتأثر عادةً بتردي الأوضاع المالية في الدول المجاورة.
أما مصر، فقد اعتبرت الوكالة أن الأسواق الدولية تعكس أوضاعاً أسوأ مما تم التوصل إليه من خلال النموذج المستخدم، إلا أنها أشارت إلى أن تحليلاتها الأخرى، الخاصة بكل دولة على حدة، تتفق مع وجهة النظر التي تتوقع أن تعالج مصر مشكلاتها من خلال إضعاف عملتها المحلية، لا من خلال التوقف عن سداد ديونها الخارجية!
وبخلاف ما سبق، أشارت الوكالة إلى أن أغلب تلك الدول نجحت في مراكمة احتياطيات النقد الأجنبي، وأن مصدري السلع الأساسية سيستفيدون من ارتفاع أسعارها، لكنها تجاهلت أن مصر تستورد النفط والقمح والشعير، وأن احتياطيات النقد الأجنبي في مصر تراجعت بنحو عشرين بالمائة خلال الشهور التسعة الأخيرة (33 مليار دولار فقط حالياً)، في تأكيدٍ، على أن مصر تعد حالة خاصة جداً.