- على الرغم من تشكيلهم أقل من 0.3% من القوى العاملة، فإن عودة ثلثي المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات الذين غادروا في 2022 أدت إلى زيادة عدد الموظفين بنسبة 13% في 2023، ما يعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية.
- الأسباب وراء عودة الروس تشمل الصعوبات في الحصول على إقامة أو عمل بالخارج وعدم القدرة على التأقلم، بالإضافة إلى تأكيدات بوتين على أن هذه العودة تعد دعمًا للسياسة الحالية للبلاد.
ساعد العائدون إلى روسيا على تسريع النمو الاقتصادي في بلدهم، حيث قدموا "خمس إلى ثلث" نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي سجل نسبة 3.6% في العام 2023، وفقاً لتقرير لوكالة بلومبيرغ.
ووفقاً لتقرير الوكالة، المنشور في بداية الشهر الجاري، فإن العائدين إلى روسيا ممن غادروا البلاد مع اندلاع العملية العسكرية في أوكرانيا يعملون في صناعات ذات "قيمة مضافة عالية"، وهم يقومون حالياً بزيادة النشاط داخل الدولة من خلال إنفاق ما يتحصّلون عليه من دخل على السلع والخدمات الروسية.
العائدون إلى روسيا وسوق العمل
ولا يشكل العائدون إلى روسيا أكثر من 0.3% من إجمالي القوى العاملة، وهو ما اعتبره مراقبون غير كاف لتخفيف النقص الحاد في سوق العمل، رغم تسليطه الضوء على مساهمتهم الهائلة في النشاط الاقتصادي.
وسبق أن أفادت وزارة التنمية الرقمية بأن ثلثي المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات الذين غادروا روسيا عام 2022 عادوا إلى البلاد. وارتفعت الزيادة في عدد الموظفين عام 2023 بنسبة 13% لتصل إلى 857 ألف شخص. ولم تؤكد الوكالة أيضًا تقريرًا عن نزوح جماعي لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات من البلاد.
وفي السياق، يقول فاديم ميكيف، وهو صحافي روسي، لـ"العربي الجديد": "الروس الذين غادروا في بداية العملية العسكرية في أوكرانيا يعودون في الوقت الحالي، وستستمر عودتهم، لأنهم لن يجدوا فرصاً في الخارج مثل التي يقدمها بلدهم. نحن نرى أن روسيا في الوقت الراهن بدأت تتغلب على العقوبات الغربية، وأن الاقتصاد الروسي أصبح في تطور مقارنة ببداية العملية العسكرية".
وأضاف ميكيف: "خلال فترة إعلان التعبئة في روسيا بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، شهدت البلاد موجة من الهجرة إلى الخارج. وكان معظم المهاجرين شباباً فروا من التعبئة، وآخرون ممن توجسوا من تدهور الأوضاع في البلاد". وأشار إلى أن "لا أحد يستطيع أن يقول إنه لم تكن هناك هجرة خلال هذه الفترة، لا أحد يستطيع أن ينفي ذلك، لكن الوضع في الوقت الحالي أصبح أفضل ويتجه نحو الاستقرار في البلاد. وتحولت الهجرة إلى العودة مرة أخرى إلى روسيا".
وبعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا وإعلان التعبئة الجزئية عام 2022، كانت هناك موجتان من الروس الذين غادروا البلاد، في فبراير/شباط ومارس/آذار، ثم في سبتمبر/أيلول. ووفقًا لـ"بلومبيرغ"، فإن ما بين 40% - 45% من المواطنين الذين غادروا عادوا بعد ذلك إلى روسيا.
وفي حين تختلف تقديرات عدد الذين غادروا بشكل كبير، فقد قدر خبراء الاقتصاد في بنك ألفا في موسكو، في وقت لاحق، أن روسيا فقدت حوالي 1.5% من إجمالي قوتها العاملة في العام 2022، أو ما يقرب من 1.1 مليون شخص. وبينما ذهب البعض إلى أوروبا، ذهب كثيرون إلى أماكن مثل الإمارات العربية المتحدة وتايلاند وإندونيسيا، وهي دول لم تتبع الولايات المتحدة وحلفاءها في فرض عقوبات على روسيا، وكذلك إلى دول الاتحاد السوفييتي السابقة المجاورة.
وفي وقت سابق، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتصف عام 2023 عن إعادة نصف الروس الذين غادروا إلى البلاد ومواصلة هذه العملية، ووصف رحيل المواطنين بأنه "عنصر تواصل إضافي" مع الدول الأخرى. كما ادعى المساعد الرئاسي مكسيم أوريشكين أن ما يقرب من نصف الروس الذين غادروا عادوا، وأشار إلى مستوى "قياسي مرتفع" من التفاؤل بين السكان.
وأشاد بوتين، في وقت لاحق، بعودة رجال الأعمال والمتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا ووصفها بأنها "اتجاه جيد"، واعتبر التدفق علامة على دعم السياسة الحالية للبلاد، بغض النظر عن الأسباب الفعلية لعودتهم إلى الوطن، كما أشار إلى العودة على أنها دليل على أن الروس لديهم "شعور بالانتماء، وفهم لما يحدث".
أسباب العودة إلى روسيا
من جهته، يقول إيغور نيكولايفيتش، محامٍ روسي، لـ"العربي الجديد": "ليس فقط العائدون إلى روسيا هم الأشخاص الذين اتضح لهم عكس ما كانوا يتوقعونه، لكن هناك من عادوا بسبب إجراءات قانونية، مثل عدم تمكنهم من الحصول على إقامة في البلاد التي ذهبوا إليها، أو حتى تجديد الإقامة، بالإضافة إلى أن الدول المتاحة للروس محدودة".
وأضاف نيكولايفيتش: "هناك من لم يستطع نقل عمله خارج روسيا أو إيجاد فرص عمل في الخارج بديلة، بالإضافة إلى عدم القدرة على التأقلم مع المجتمع الخارجي والتواصل معه بسبب وجود أجواء غير مرحبة بالروس، نتيجة للأوضاع الحالية". وأشار إلى أن "هناك رجال أعمال عادوا بسبب خوفهم من مصادرة أموالهم في الخارج. ونتيجة لذلك، عاد الكثيرون إلى البلاد خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع خلال الفترة القادمة زيادة أعداد العائدين إلى البلاد".
وقال أليكسي، وهو مستشار سياسي سابق من موسكو يبلغ من العمر 50 عاماً، والذي انتقل إلى جورجيا للعمل هناك بعد احتجازه في روسيا لفترة مؤقتة، لـ"بلومبيرغ": "لم ينجح العمل، ولا أحد ينتظرنا حقاً" في الخارج. وأوضح أليكسي أنه عاد عندما نفدت الموارد المالية لشركته، وطلب هو وآخرون أجرت "بلومبيرغ" مقابلات معهم عدم الكشف عن أسمائهم الأخيرة لأسباب أمنية.
وتظهر البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في جورجيا أن عدد الروس الذين غادروا البلاد زاد ستة أضعاف ليصل إلى 35,344 في العام 2023، بينما انخفض عدد المهاجرين الوافدين بنسبة 16% عن العام الماضي. وأبلغت كازاخستان عن وصول 146 ألف وافد جديد من روسيا بحلول نهاية عام 2022، لكن في وقت سابق أدعى دبلوماسي روسي في ألمانيا أنه "بعد عام لم يبق أكثر من 80 ألفًا".
ووفقاً لـ"بلومبيرغ"، فمن المرجح أن تستمر عملية العودة إلى الوطن. ووفقاً لدراسة أجراها علماء السياسة بقيادة إميل كمالوف وإيفيتا سيرجيفا في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، فإن 41% فقط من المهاجرين الروس، وفي بعض البلدان 16% فقط، يعتبرون وضعهم مستقراً أو مستقراً إلى حد ما في المجتمعات المضيفة لهم. ويتفاقم انعدام الأمن هذا بسبب الإبلاغ عن تجارب التمييز بنسبة 25%، سواء من السكان المحليين أو المؤسسات.