أعلن بنك السودان المركزي عن اتجاهه لتحقيق الاستقرار النقدي في عام 2022، عبر تركيزه على ضبط التوسع النقدي وتحجيم دوره ودور المصارف في تمويل الحكومة، وإحكام التمويل المباشر وغير المباشر المقدم من المصارف للجهات الحكومية، وفق الضوابط المنظمة، وتعزيز تمويل القطاع الخاص لخدمة القطاعات الإنتاجية باستهداف نمو في القاعدة النقدية بنسبة 13%.
وكذلك عبر نمو عرض النقود بنسبة 22% بنهاية العام 2022، واستدعاء ودائع بنك السودان والقروض الحسنة لدى المصارف ومساهمته في المحافظ الاستثمارية التي حان أجلها، مع منع جدولتها أو رسملتها، وتحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار وخفض التضخم لرقم ثنائي بنهاية العام، وتعظيم موارد النقد الأجنبي وترشيد استخدامه والطلب عليه، وبناء احتياطيات رسمية من النقد الأجنبي والذهب واستعادة وتطويرعلاقات المراسلات المصرفية الخارجية.
ووصف المدير العام السابق لأحد البنوك الكبرى المحلل المالي والنقدي عثمان التوم، لـ"العربي الجديد"، مؤشرات السياسات النقدية الجديدة بالجيدة، خاصة قرار البنك المركزي الخروج من مساهماته في البنوك.
وأشار التوم إلى أن البنك كان يساهم في رؤوس أموال أكثر من 10 بنوك، في حين أنه كان يفترض أن يكون رقيبا على هذه المصارف فقط وليس مساهما في رؤوس أموالها، مؤكدا أن مساهمته فيها تمت نتيجة لتعثرها المالي ولجوئها اضطرارا لتحويله لمساهم في رأس مالها تم نتيجة لهذه الأسباب، وهذا الإجراء خاطئ.
وقال إن أمام البنك المركزي خيارين للتخلص من هذه المساهمات أو رؤوس الأموال، إما ببيعها للمساهمين في هذه البنوك، أو بطرحها للبنوك الأخرى للشراء من أجل استرداد حقوقه.
ودعا التوم البنك المركزي لتعديل توجيهه المصارف بتخصيص 20% احتياطيا نقديا لديه، بتقليل النسبة إلى 10% فقط، حتى تتمكن هذه البنوك من استخدام أموالها المجمدة لديه لتحريك الاقتصاد.
وأشاد بخروج بنك السودان من تمويل الحكومة، وقال إن هذه الخطوة تتطلب من الحكومة زيادة الموارد بوضع سياسات تحفيزية للإنتاج وتخفيض الضرائب.
سحب مساهمات رأسمالية
وشدد البنك المركزي في سياساته النقدية للعام الجديد 2022 وبدأ فورا في تنفيذها اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني الحالي، وشدد على استمرار خروجه التدريجي من المساهمات الرأسمالية في المصارف التجارية والشركات ومؤسسات التمويل الأصغر، والتنسيق مع الجهات ذات الصلة لتعديل الإجراءات القانونية التي تساعد على خروجه من مساهماته في رؤوس أموال مصارف التنمية والهيئات العامة.
وأكد البنك توجهه لإلزام المصارف بتخصيص 70% من جملة الموارد المستقطبة في الولاية للقطاعات الإنتاجية داخل الولاية بحسب النشاط الاقتصادي، مع إمكان تكوين محافظ تمويلية لاستيفاء المطلوب، مشيرا في سياساته الجديدة إلى تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.2% للعام الجديد، واستدامة استقرار سعر الصرف من خلال الاستمرار في سياسة السعر المرن المدار ومواصلة مزادات النقد الأجنبي.
السياسات الاحترازية والاستقرار المالي
السياسات النقدية ركزت على تبني سياسات احترازية كلية من خلال تحديد وإدارة المخاطر النظامية التي تؤثر على استقرار القطاع المالي، وتطبيق الآليات والأدوات لمراقبة وتقييم وإدارة المخاطر النظامية وتقوية وتفعيل الإطار المؤسسي بين الجهات الرقابية على القطاع المالي ككل لتحقيق الاستقرار المالي.
ويكون الاستقرارالمالي من خلال خلق كيانات مصرفية قوية، والاستمرار في إصلاح الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، وتعزيز دور المصارف المتخصصة ومؤسسات وشركات التمويل الأصغر والصغير بالعمل وفق تخصصاتها، كما الاستمرار في تعزيز رؤوس أموال المصارف بما يحافظ على نسبة كفاية رأس المال المحددة من البنك المركزي في أي وقت من الأوقات، ويسمح للمصارف بإجراء عمليات الدمج والاستحواذ أو التصفية لاستيفاء المطلوب، إضافة إلى الاستمرار في رفع رؤوس أموال مؤسسات التمويل الأصغر بما يحقق الملاءة المالية والسماح لمؤسسات التمويل الأصغر بالدمج أو الاستحواذ أو التصفية.
ووجهت السياسات المصارف بضمان استيفاء النسبة المخصصة للتمويل الأصغر والمحددة بـ12% من المحفظة التمويلية لكل مصرف، واستيفاء ضوابط البنك في ما يتعلق بالعملة النظيفة ومحاربة التزوير والتهيئة لتطبيق النظام المصرفي المزدوج (إسلامي ـ تقليدي) مع التطبيق العملي للموجهات الفقهية لمختلف صيغ التمويل الإسلامي.
الاحتياطي النقدي وهوامش الربح
واستهدفت السياسات النقدية الجديدة الاحتفاظ بأرصدة نقدية لدى بنك السودان المركزي بنسبة 20% من جملة الودائع الخاضعة للاحتياطي القانوني بالعملتين المحلية والأجنبية، وتشمل الحسابات الجارية وكافة الودائع الأخرى ما عدا الاستثمارية والهوامش على خطابات الاعتماد المعززة .
ومنحت السياسات المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية الحق والحرية في تحديد هامش الربح عند التمويل بكافة الصيغ المسموح بها، وتفعيل عمليات السوق المفتوح عبر بيع وشراء الأوراق المالية المتاحة وعمليات مبادلة وبيع وشراء النقد الأجنبي.
ووضع البنك المركزي قيودا على لجوء المصارف إلى الاستدانة منه باعتباره مقرض أخير، وجعل الباب مواربا في السياق نفسه لاستمرار التشاور مع المصارف وأصحاب المصلحة، وعقد اجتماعات دورية معهم ومع المؤسسات المالية وعقد ورش العمل والندوات والإفصاح عن الضوابط المنظمة وتقييمها ومراجعتها.
حظر تمويلي
وحظر البنك المركزي على المصارف منح تمويل بقصد المتاجرة في العملات الأجنبية وشراء الأسهم والأوراق المالية، وسداد عمليات تمويلية قائمة أو متعثرة والاتجار برصيد الاتصالات واستخداماته، وشراء الأراضي والعقارات وشراء السيارات عدا المسموح بها بموجب منشور الإدارة العامة لتنظيم وتنمية الجهاز المصرفي المتعلق بحظر تمويل العربات والعقارات وشراء الذهب ومخلفاته.
وكذلك التجارة المحلية باستثناء تمويل التجارة المحلية لقطاع التمويل الأصغر، والاستيراد ما عدا مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي والسلع الاستراتيجية والماكينات وآليات ومعدات الحرفيين والمهنيين، وفق الضوابط المنظمة للحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والمحليات وشركات صرافات النقد الأجنبي وشركات التحاويل المالية، والتمويل بصيغة المضاربة المطلقة وتمويل أعضاء مجالس إدارات المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية بصيغتي المضاربة والمرابحة.
رقابة على المخاطر
وتبنت السياسات تفعيل العمل بالمتطلبات الرقابية على المصارف والمؤسسات المالية بما يتوافق مع درجة المخاطر والأهمية النسبية، وتعزيز السلامة المالية بتطبيق تحديثات معايير بازل ومجلس الخدمات الإسلامية والمعايير المحاسبية الأخرى، وتعزيزالسلامة المالية كذلك لمؤسسات التمويل الأصغر بتبني المعايير العالمية الصادرة عن المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء.
ويشمل ذلك أيضا تقوية إدارة المخاطر والمراجعة الداخلية بالمصارف والمؤسسات المالية وتقوية مراكز النقد الأجنبي بالمصارف، بحيث تكون نسبة موجبة لا تزيد عن 10% من رأس المال الرقابي للمصرف بصورة شهرية، وتعزيز كفاءة نظم الدفع والتسويات مع الالتزام بالمعايير الدولية المنظمة للدفع الإلكتروني.
واهتمت سياسات بنك السودان في محور الشمول المالي بتعزيز عرض المنتجات المصرفية التقليدية والرقمية، بتسهيل وتسريع الإجراءات المصرفية مع الالتزام بالمعايير الدولية و"اعرف عميلك" ونشر الوعي المصرفي والمالي والتقني للجمهور.
غسل الأموال والتسلح
كما اهتم بنك السودان بمحور مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، بإعلان نيته الاستعداد للجولة الثانية من عملية التقييم المتبادل وتفعيل إجراءات المصارف والمؤسسات المالية في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، واكتشاف المعاملات المالية المشبوهة والإبلاغ عنها باستخدام الأنظمة التقنية ورفع قدرات العاملين في مكافحة هذه الأنشطة، فضلا عن الاستمرار في تقييم مخاطرها وتعزيز الإجراءات الرقابية استنادا إلى أسس قائمة على المخاطر.