- تطورت استراتيجيات تثبيت اليوان بمرور الوقت، مثل توسيع هوامش التداول وإدخال "عامل مواجهة التقلبات الدورية"، لجعل سعر الصرف أكثر اعتماداً على السوق مع منع التقلبات الحادة.
- بنك الشعب الصيني يستخدم أدوات مثل "معدل متطلبات احتياطي النقد الأجنبي" ويتخذ تدابير ضد المضاربة، مع التحكم في تدفق الأموال وإدارة احتياطيات النقد الأجنبي للحفاظ على استقرار اليوان.
ليس من السهل مراقبة كيفية تعامل بنك الشعب الصيني مع نظام "التعويم المنظم" لسوق الصرف الأجنبي، والسبب أن لدى البنك المركزي أدوات مختلفة تحت تصرفه لهذه الغاية، بعضها شفاف مثل السعر المرجعي المعلن يومياً، والآخر غامض مثل احتمال أن تحث السلطات البنوك الصينية سراً على عدم الرهان ضد اليوان في تداولات الملكية، وفقاً لتقرير موسّع أوردته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية يوم الأربعاء.
وتنزلق العملة نحو الحد الضعيف من نطاق التداول المسموح به، فتزداد المخاطر بالتالي، الأمر الذي قد يدفع السلطات إلى تكثيف جهودها لتحقيق استقرارها. لكن ما هي طبيعة هذه الأدوات التي تستخدمها بكين للدفاع عن اليوان؟
1 - ما مدى أهمية التثبيت اليومي لسعر الصرف؟
لعل هذه هي الأداة الأكثر وضوحاً التي يستخدمها بنك الشعب للتأثير في أداء العملة. فهو يحدد سعراً مرجعياً في كل يوم تداول عند الساعة 9:15 صباحاً بتوقيت بكين، ويُسمح لليوان بالتحرك حوله بهامش بنسبة 2% صعوداً أو هبوطاً. وهذا السعر يأخذ في الحسبان عوامل، منها الإغلاق الرسمي المحقق في اليوم السابق عند الساعة 4:30 مساء، وتحرّك اليوان مقابل سلة من العملات، والتغيرات في أسعار الصرف الرئيسية الأخرى.
إن تشجيع الانخفاضات عند الإغلاق الرسمي يسمح للبنك المركزي بوضع هوامش تثبيت أضعف من دون إرسال إشارة قوية بشأن هذه السياسة أو زعزعة استقرار الأسواق. وعادة ما يُعتبر المعدل المرجعي الذي يكون أقوى أو أضعف بكثير من توقعات السوق إشارةً من بكين.
2 - كيف تطورت عملية تثبيت سعر الصرف؟
مرّ التثبيت بجولات من الإصلاح على مر السنين. ولجعله أكثر اعتماداً على السوق، بدأت الصين بالسماح لليوان بالتداول في حدود 0.3% من سعر التثبيت مقابل الدولار في يناير/كانون الثاني 2006، ثم وسّعت الهامش إلى 0.5% في مايو/أيار من العام التالي، وبعدها زادته إلى 1% في إبريل/نيسان 2012، و2% في مارس/آذار 2014.
وفي أغسطس/آب 2015، خفضت الصين قيمة اليوان المحلي في إصلاح الصرف الأجنبي الأكثر دراماتيكية منذ نحو 10 سنوات. ولجعل التثبيت أكثر شفافية، حدّد بنك الشعب العوامل التي تحتاج البنوك إلى أخذها في الاعتبار عند اعتماد السعر.
3 - كيف يمكن لبنك الشعب الصيني أن يوجّه تثبيت سعر الصرف؟
في عام 2017، قدّم بنك الشعب "عامل مواجهة التقلبات الدورية" في صيغ التثبيت التي تستخدمها البنوك التجارية لحساب السعر المرجعي اليومي في بكين والمساهمة فيه، وذلك في خطوة كان الهدف منها تجنّب التثبيت الذي اعتبره البنك المركزي ضعيفاً للغاية. وقد أُزيل هذا المكوّن ثم أُعيد تثبيته عام 2018، قبل أن يتوقف المقرضون عن استخدامه في أكتوبر/تشرين الأول 2020. وظهرت تكهنات السوق بإعادة تقديم أخرى لدعم اليوان عام 2022، مع اتساع فجوة أسعار الفائدة الثابتة مقابل التوقعات إلى مستويات لا يمكن تفسيرها حسابياً على أساس نموذج التثبيت العادي.
وأصبح انحراف التثبيتات عن التقديرات أكثر وضوحاً منذ عام 2023. فعندما انخفض اليوان في العام الماضي إلى أضعف مستوى منذ عام 2007، حدد بنك الشعب ذات مرة تثبيت اليوان بتحيّز قوي قياسي مقابل تقديرات السوق، ما أدى فعلياً إلى الحد من الاتجاه الصعودي للدولار إلى نحو 7.33 يوانات. وأدى تجدد ضعف اليوان في أوائل هذا العام إلى تعزيز البنك المركزي الدعم مجدداً، حيث حدّد التثبيت على نطاق واسع حول 7.10 يوانات. وفي دليل على التأثير الهائل للتثبيت في السوق، هزّ الانخفاض الطفيف في مارس 2024 العملات العالمية، كما أدى إلى تغذية المضاربات بشأن مخاطر انخفاض القيمة.
من ناحية أخرى، تستطيع الصين أن تعمل على تعزيز تأثير التثبيت في السوق من خلال المناورة بتسعير البنوك التي قيل إن بعضها الذي يعرض أسعاراً لجأ إلى تعديل نماذجها للاعتماد على ضعف اليوان في أغسطس/ آب 2022، من دون أن تنسب التغيير إلى إعادة عامل مكافحة التقلبات الدورية. وكانت هناك اقتراحات بأن الأداة ستُعتمد مجدداً مع ضعف اليوان في منتصف 2023.
4 - ما الذي يمكن للبنك المركزي الصيني أن يفعله أيضاً؟
إحدى أحدث أدوات بنك الشعب الصيني هي ما يسمى "معدل متطلبات احتياطي النقد الأجنبي" (foreign exchange reserve requirement ratio)، الذي يحدد مقدار الودائع بالعملة الأجنبية التي تحتاج البنوك إلى الاحتفاظ بها كاحتياطيات. ويسمح التغيير للبنك المركزي بضبط السيولة في النظام المصرفي.
من ذلك مثلاً، يؤدي خفض النسبة إلى تخفيف المعروض من العملات الأجنبية، وبالتالي لدعم اليوان. وقد رفع بنك الشعب النسبة مرتين عام 2021 إلى 9% بحلول نهاية العام، ثم خفضها ثلاث مرات في عامَي 2022 و2023 إلى 4%. وقبل هذه التغييرات، لم تتبدّل النسبة منذ عام 2007.
5 - ماذا عن التدابير الصينية الأقل رسمية في سوق النقد؟
لا يمانع المسؤولون الصينيون في رفع قيمة عملتهم أو خفضها عند الحاجة. ويتلخص الخط القياسي الذي يتبناه بنك الشعب في أن يظل اليوان مستقراً أساساً عند مستويات توازن معقولة، في حين قد يظهر التدخل اللفظي الأقوى في أشكال متعددة. وتتضمن التعليقات الرسمية المرصودة منذ عام 2022 والتي تهدف إلى تعزيز اليوان، مطالبة البنوك باحترام "سلطة التثبيت" والتعهد بتبني تدابير شاملة وتحقيق الاستقرار في التوقعات و"منع مخاطر التقلبات الكبيرة بحزم" أو "تصحيح التقلبات" وتضييق الخناق على صفقات المضاربة.
إضافة إلى ذلك، ولتوجيه توقعات السوق، يميل بنك الشعب إلى الاستشهاد ببيانات لجنة الصرف الأجنبي الصينية، وهي هيئة أسسها المشاركون الرئيسيون في السوق المحلية بتوجيه من الهيئات التنظيمية. ويمكن أن تستهدف بعض التعليقات تداولاً محدداً. ففي عام 2023، ذكّر المنظمون الصينيون التجار باهتمامهم المتزايد حيال الضغط على اليوان في سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك حث الوسطاء على تقليص تداول الملكية، وطلب المقرضين الإبلاغ عن بيانات تداول العملات وإجراء دراسات استقصائية بين المشاركين في السوق حول تدفقات رأس المال.
6 - ما الذي يمكن فعله ضد المضاربة على اليوان الصيني؟
لطالما كان رفع كلفة الرهان ضد اليوان في الخارج تكتيكاً مفضلاً عندما أرادت الصين الحد من الانخفاضات خلال أعوام كان أبرزها 2016 و2018 و2023. والمفتاح هنا هو التخلص من السيولة حتى يُضطر المتداولون إلى دفع أسعار فائدة أعلى لاقتراض اليوان. ويمكن تحقيق ذلك من خلال شراء البنوك الوكيلة العملةَ أو رفض إقراضها لبنوك أخرى. ويمكن لبنك الشعب أيضاً زيادة إصدار سندات اليوان في هونغ كونغ التي تعد أكبر سوق لها على الإطلاق.
وبالنسبة للسوق المحلية، كانت لدى بنك الشعب أدوات إضافية لزيادة تكاليف المضاربين على هبوط اليوان. فقد أعاد البنك سنة 2022، فرض شرط احتياطي المخاطر بنسبة 20% على مبيعات العملات الآجلة من البنوك للعملاء، وهي أداة كانت قد اعتُمدت خلال الحرب التجارية التي استعرت بين الصين والولايات المتحدة من عام 2018 إلى عام 2020. وتفرض هذه الخطوة رسوماً عقابية على صفقات المضاربة في سوق المشتقات، بما رفع كلفة الرهانات على بيع اليوان.
7 - ماذا عن ضوابط رأس المال في الصين؟
يُعد التحكم بتدفق الأموال داخل الصين وخارجها أحد أكثر الأدوات تشدّداً. فقد تحركت الصين للحد من التدفقات الخارجية في أعقاب انخفاض قيمة اليوان عام 2015، ففرضت قيوداً على كل شيء بدءاً من عمليات الاستحواذ الخارجية من قبل الشركات الصينية، إلى المستهلكين الذين يشترون وثائق التأمين في هونغ كونغ، ولم تكن هناك علامات تُذكر على التراجع.
ومع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تشديد سياسته النقدية عام 2022، طُلب من الشركات الصينية المملوكة للدولة توخي قدر أكبر من الحذر في خطط الإنفاق والاستثمار الخارجية الجديدة. ويمكن لبنك الشعب أيضاً تعديل حدود الاقتراض أو الإقراض الخارجي للمؤسسات المالية والشركات، كما حصل في أوائل 2021.
وفي عامي 2022 و2023، عدّل بنك الشعب بعض القواعد من أجل السماح للشركات المحلية باقتراض المزيد من الخارج، بما قد يساعد في زيادة تدفقات رأس المال الأجنبي. وفي اتجاه معاكس، عززت الحكومة تدفقات رأس المال إلى الخارج خلال صعود اليوان عام 2021، من خلال بدء قنوات جديدة مع هونغ كونغ لمستثمري البر الرئيسي من أجل الاستفادة من سوق السندات الخارجية ومنتجات إدارة الثروات.
8 - ماذا عن احتياطيات النقد الأجنبي في الصين؟
تُعد احتياطيات النقد الأجنبي لدى الصين من بين الأكبر في العالم، إذ تتخطى قيمتها ثلاثة تريليونات دولار. وقد باع صنّاع السياسة مليارات الدولارات في أعقاب تخفيض قيمة العملة عام 2015، من أجل دعم اليوان. وفي حين أن هذا يمكن أن يكون مؤشراً مفيداً، فإنه يتأثر أيضاً بالمكاسب الواسعة للدولار والتي يمكن أن تؤدي إلى خفض احتياطيات الصين المعلنة. ولا تكون هذه الانخفاضات بالضرورة نتيجة للتدخل، بل لأن الأصول غير الدولارية في مخزون الصين سوف تنخفض مقابل الدولار.
(بلومبيرغ، العربي الجديد)