في الوقت الذي استبعد فيه صندوق النقد الدولي، اليوم الاثنين، إمكانية حدوث ركود عالمي واسع رغم تأزم الأوضاع المالية وتباطؤ اقتصاد الصين، وتوجه البنوك المركزية نحو زيادة سعر الفائدة، كان الاقتصاد العالمي يتلقى في نفس اليوم تهديدات جديدة يمكن أن تدفعه بسرعة نحو الدخول في نفق الركود التضخمي الخطير وضعف النمو، خاصة مع قفزات معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى ووصولها إلى معدلات لم تصل إليها منذ 40 عاما، واستمرار أزمة سلاسل التوريد، وتوسع الدول في فرض حظر على صادراتها، خاصة من السلع الغذائية كالقمح والذرة والزيوت والشعير.
وفي الوقت الذي كانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، تؤكد اليوم، أن تأزم الأوضاع المالية وارتفاع سعر الدولار وتباطؤ اقتصاد الصين كلها عوامل تؤثر على الاقتصاد العالمي، كان هذا الاقتصاد "المترنح" يتلقى ضربة جديدة ناتجة عن زيادة المخاطر الجيوسياسية حول العالم عقب عودة التوتر العسكري بين واشنطن وبكين، وتهديد الرئيس الأميركي جو بايدن الصين من أي غزو محتمل لجزيرة تايوان، وتأكيده أن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل عسكريًا إذا غزت الصين تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو ما ردت عليه بكين بسرعة محذرة إياه من اللعب بالنار بشأن تايوان.
عودة التوتر العسكري بين واشنطن وبكين وزيادة المخاطر الجيوسياسية يربكان الأسواق والاقتصادات العالمية
لم يكتف بايدن بذلك التهديد الخطير، بل أعلن اليوم في طوكيو إطلاق شراكة اقتصادية جديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تضم 13 دولة، بينها الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا وماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وهو التحالف الذي يستهدف اقتصاد الصين مباشرة وتتخوف منه بكين لتأثيره السلبي على صادراتها الخارجية وتوسعاتها الاقتصادية في المنطقة ومشروعاتها حول العالم، خاصة مشروع الحزام والطريق المعروف باسم طريق الحرير.
لم يتوقف الرئيس الأميركي جو بايدن عند هذا الحد، بل هدد بكين اقتصاديا حيث قال إنه يفكر في زيادة بعض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
لا تقف البؤر الجديدة التي تهدد الاقتصاد العالمي عند الأزمة الأميركية الصينية، بل ظهرت بؤرة جديدة باتت تؤرق العالم وهي الانتشار السريع لفيروس جدري القرود والذي بات يشكل خطرا على الصحة العامة، وحذرت منه منظمة الصحة العالمية قائلة إن العالم يواجه تحديات "هائلة"، تشمل جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا وجدري القرود.
كان الجميع يراهن على فترة هدوء يستعيد فيها الاقتصاد العالمي عافيته خاصة عقب تراجع خطر متحورات كورونا وتهاوي الوفيات والإصابات، لكن جاءت صدمة الحرب الأوكرانية لتصب الزيت على النار وترفع منسوب المخاطر الاقتصادية والسياسية حول العالم، وتشعل النار في أسعار السلع والمواد الأولية ومنها القمح والحبوب والغاز والنفط والوقود.
من الصعب رسم صورة لما يمكن أن يكون عليه حال الاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة، وهو ما يربك الحومات وصناع القرار
ويبدو أن تلك الحال ستتواصل في الفترة المقبلة خاصة إذا ما تحول جدري القرود إلى وباء عالمي، وتوسعت رقعة الحرب الأوكرانية، وواصلت الأسعار قفزاتها الجنونية، أو غزت الصين تايوان.
من الصعب رسم صورة لما يمكن أن يكون عليه حال الاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة، وهو ما يربك صانع القرار السياسي والاقتصادي، خاصة مع تسارع الأحداث وتراكم الخسائر وتقلب الأسعار والرفع الحاد لأسعار الفائدة.