لم يترك "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) لأحد أن يهنأ بقراره الأخير الصادر مساء الأربعاء، أو حتى يلتقط الأنفاس ويبدأ إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة منذ اندلاع حرب أوكرانيا وموجة تضخم عالمية.
فعقب قراره الاستثنائي بتثبيت سعر الفائدة على الدولار للمرة الأولى منذ 15 شهرا سارع محافظ البنك الفيدرالي، جيروم بأول، ليشير إلى احتمال رفع الفائدة مرتين أخريين هذا العام بمقدار ربع في المائة في كل مرة، وهو ما من شأنه أن يدفع سعر الفائدة إلى ما بين 5.5 و5.75 في المائة بنهاية العام الجاري.
لم يكتف الفيدرالي بذلك عند شرحه للتقديرات الاقتصادية الجديدة، بل أشار إلى أن كلفة الاقتراض سترتفع على الأرجح بواقع نصف في المائة أخرى بنهاية العام الحالي في ظل قوة الاقتصاد عن المتوقع وبطء انحسار التضخم، وهو ما يعني زيادة الفائدة بهذه النسبة.
أعصاب البورصات هي الأكثر توتراً حيث تضررت من رفع الفائدة وتريد وضع نهاية سريعة لزيادات أثرت سلباً عليها
قرار الفيدرالي الخاص بتثبيت سعر الفائدة لا يعني وضع نهاية لموجة الزيادات المتواصلة في سعر الفائدة على العملات الرئيسية حول العالم ومنها الدولار، بل يعني إتاحة فرصة مؤقتة للأسواق لمدة تقل عن الشهرين لالتقاط الأنفاس بعد أن عانت من 10 زيادات متواصلة في السعر، وفي كل الأحوال ترك الفيدرالي الأسواق على أعصابها لا تعرف موعد التثبيت الدائم الذي يعقبه خفض متواصل للسعر.
أعصاب البورصات هي الأكثر توترا حيث تضررت من رفع الفائدة وتريد وضع نهاية سريعة لتلك الزيادات التي أثرت عليها سلبا، ففي الشهور الماضية تخلص المستثمرون من الأسهم وسارعوا نحو حيازة الودائع المضمونة وذات سعر الفائدة المرتفع، وكذا تضرر قطاع الأعمال والشركات والمستثمرين والقطاعات الإنتاجية من رفع الفائدة وزيادة تكلفة الأموال في المجتمع والقروض الممنوحة من البنوك.
حتى الحكومات تضررت بشدة من قرار زيادة الفائدة حيث باتت تقترض بتكلفة عالية، وهو ما رفع العجز في الموازنات العامة وضغط على مالية الدول المدينة وعملاتها الوطنية. ببساطة، الكل تضرر من قرار الزيادة باستثناء المدخرين بالنقد الأجنبي الذين باتوا يحصلون على سعر فائدة عال ومميز وخال من المخاطر وربما الضرائب.
يرجّح البنك المركزي الأميركي بلوغ الفائدة 4.6% بنهاية العام 2024، و3.4% بحلول آخر العام 2025
كذلك حتى الدول التي تعيش اقتصاداتها على القروض والمنح الخارجية كانت ترغب في توقف موجة زيادة سعر الفائدة والتقاط الأنفاس خاصة وأن الزيادة حرمتها من الحصول على قروض بتكلفة منخفضة أو معقولة، كما أغلقت أمامها باب طرح سندات وصكوك دولية لارتفاع العائد عليها.
ورغم تلك الاعتبارات وغيرها فإنه من المؤكد أن سعر الفائدة على الدولار لن يواصل مسار الارتفاع ليصل إلى 9 في المائة كما حدث للمرة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، خاصة مع تراجع التضخم ليصل إلى المعدل المستهدف من قبل الاحتياطي وهو 2 في المائة.
والمؤكد أيضا أن سعر الفائدة لن ينخفض بسرعة وخلال شهور معدودة ليصل إلى مستويات ما قبل اندلاع حرب أوكرانيا في العام المقبل، وسيظل السعر مرتفعا مقارنة بمستوياته خلال الأعوام الأخيرة التي كانت قريبة من الصفر في المئة.
فحتى الفيدرالي يرجّح بلوغ الفائدة نسبة 4.6 في المائة بنهاية 2024، ونسبة 3.4 في المائة بنهاية 2025. وهنا ستظل الأسواق على أعصابها فترة ليست بالقليلة.