تحديات الاقتصاد العالمي في 2022 .. اضطرابات جيوسياسية ومخاوف زيادة عائد الدولار

04 يناير 2022
المستثمرون يراقبون بحذر أداء السوق في العام الجديد (Getty)
+ الخط -

يدخل العالم عام 2022، ويحدوه الأمل في السيطرة على موجة المتحور "أوميكرون" الذي يبدو حتى الآن خفيفاً لناحية الأعراض لكن سريع الانتشار والإصابات، وبالتالي زيادة احتمال عودة الدورة الاقتصادية إلى طبيعتها قبل جائحة كورونا في النصف الثاني من العام الجديد، حسب توقعات مصارف غربية.

لكن يبدو أنّ الاضطرابات الجيوسياسية التي باتت في بؤر الالتهابات الساخنة في أوروبا وآسيا تطرح المزيد من التحديات أمام الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وسط تنامي التعاون العسكري والتقني بين بكين وموسكو، وأطماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحلم بتوسيع نفوذ بلاده السياسي والحصول على تنازلات أمنية من واشنطن في أوكرانيا، وبالتالي فإن الاقتصادات الرأسمالية الغربية، وعلى رأسها الاقتصادان الكبيران الأميركي والأوروبي ربما سيتعرضان لبعض عراقيل النمو في العام الجديد.

ويرى مكتب مديرة الاستخبارات القومية في الولايات المتحدة، أنّ تحالف بكين وموسكو بات أقوى من أي وقت مضى خلال الـ 60 عاماً الماضية، حسب ما ذكرت صحيفة " وول ستريت جورنال" أمس الإثنين، وبالتالي فإن "النظام العالمي" الذي يحفظ الاستقرار السياسي العالمي يواجه مجموعة من التحديات في البؤر الساخنة في العالم، وأن النظام الذي بنته واشنطن بمساعدة الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية يواجه تمرداً من قبل موسكو وبكين.

ومعروف أنّ مناخ الاستثمار ونمو الأسواق يعتمد بدرجة رئيسية على الاستقرار الجيوسياسي، فأصحاب الأموال سيبتعدون عن ضخ استثمارات في المناطق غير المستقرة بسبب ارتفاع درجة المخاطر، وبالتالي فإن تحشيد الجيوش الروسية على الحدود الأوكرانية سيكون له تأثير مباشر على الأسواق الأوروبية.

كما أن سعر صرف العملة الروسية والأصول المقيمة بالروبل ستكون مجمدة إلى حين حل أزمة الحشود الأوكرانية وبت واشنطن في كيفية التعامل مع أزمة أوكرانيا أو معرفة نتائج مقايضة الرئيس فلاديمير بوتين لأمن حدوده الغربية مقابل الأمن الأوكراني.
على الصعيد الروسي حتى قبل فرض عقوبات جديدة على موسكو فإن الاقتصاد الروسي يعاني بشدة حسب تقرير بصحيفة "موسكو تايمز" أمس الاثنين.

وقال سيرغي بوسوفيكش للصحيفة الروسية: " كلّ شيء في البلاد بات سعره مرتفعاً، بينما الأجور ظلت على ما هي عليه". وقال إنّه اندهش للارتفاع الكبير في سعر الخبز الذي بلغ مائة روبل (نحو 1.35 دولار).
ويبلغ المتوسط الشهري للأجور في روسيا نحو 40.44 ألف روبل، أي نحو 545 دولاراً، حسب صحيفة "موسكو تايمز". كما تشير الصحيفة إلى أنّ نحو 43% من المواطنين الروس ليست لديهم مدخرات.

وفي ذات الشأن ترى مؤسسة " أوكسفورد إيكونوميكس" أنّ خطط الاستثمار الروسية السداسية البالغ حجم الانفاق فيها 400 مليار دولار لن تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد الروسي وخلق الوظائف.

إلى جانب أزمة الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية، تعاني أوروبا من تحديين آخرين، أولهما تداعيات "أوميكرون"، ثم مستقبل الانتخابات الفرنسية

وحسب المؤسسة المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية فإنّ هذه الخطة لن ترفع معدل النمو الاقتصادي السنوي إلّا بمعدل ضئيل يتراوح بين 0.1 و0.2% خلال الأعوام المقبلة، وبالتالي فإنّ أزمة أوكرانيا حتى قبل إضافة حظر غربي جديد، تضع الاقتصاد الروسي أمام تحديات جديدة، خصوصاً أنّ أسعار الطاقة ربما لن تكون مرتفعة وسط ما يحدث من نقص حاد على صعيد الأسواق الأوروبية.

إلى جانب أزمة الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية، تعاني أوروبا من تحديين آخرين، أولهما تداعيات المتحور "أوميكرون". ثم مستقبل الانتخابات الفرنسية التي ربما تكتب نهاية الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون وتنتهي إلى اختيار فرنسا للمرشحة فاليري بيكريس رئيسةً مقبلة للجمهورية الفرنسية، حسب ما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة، إذ يرى محللون أنها قد تهزم ماكرون لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة فرنسا.
على صعيد الاقتصاد الأميركي الذي تمكن من النمو بنسبة فوق 6% خلال العام الماضي 2021، فإنّ مصرف "جي بي مورغان" يرى أنّ الولايات المتحدة ستواجه مجموعة من التحديات، وهي ارتفاع معدل التضخم واحتمال رفع الفائدة على الدولار وعودة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي الذي كانت عليه قبل الجائحة.

ويعد حجم الاقتصاد الأميركي المقدر بنحو 23.5 تريليون دولار، المحرك الرئيسي لماكينة النمو الاقتصادي في العالم، كما أنّ أسواق المال الأميركية الذي تقدر قيمته بنحو 97 تريليون دولار هي المحرك الرئيسي للاستثمار. ويقدر سوق السندات الأميركية بنحو 45 تريليون دولار، بينما قدّر سوق الأسهم بنحو 52 تريليون دولار في نهاية العام الماضي 2021.
ويتوقع مصرف "جي بي مورغان" في توقعاته لعام 2022، أن يواصل الاقتصاد الأميركي النمو القوي في العام الجاري بسبب ارتفاع معدلات الادخار لدى المواطنين في الولايات المتحدة.

كما يتوقع أن تشهد البلاد نهاية الاختناق في سلاسل الإمداد وعودة تدفق السلع وقطع الغيار إلى معدلاتها الطبيعية قبل الجائحة. لكنّ المصرف الاستثماري يرى أنّ غلاء أسعار السلع في الولايات المتحدة سيستمر خلال الشهور الأولى من العام.
على صعيد سوق العمل يتوقع مصرف "جي بي مورغان" أن يظل النقص في العمل والموظفين أحد هواجس الشركات خلال العام الجاري 2022.

صندوق النقد الدولي يتخوف من ارتفاع معدل الفائدة الأميركية على الأسواق الناشئة، فالعديد من الدول النامية في آسيا استدانت بكثافة بالدولار لمواجهة أزمة كورونا

وبينما كانت البنوك المركزية ترى ارتفاع أسعار السلع مسألة "مؤقتة" اعترف البنك المركزي الأميركي أنّ التضخم ليس عارضاً، معلناً أنه سيعمل على تسريع رفع أسعار الفائدة عام 2022 على الرغم من خطر تباطؤ النمو.
لكنّ ما يقلق الأسواق خلال النصف الثاني من العام الجديد هو احتمال زيادة معدل الفائدة على الدولار، إذ إنّ تغيير السياسة النقدية سيكون له تأثير على تقييم الأصول ليس في الولايات المتحدة فقط، لكن كذلك في جميع الأسواق العالمية بسبب دور الدولار في عمليات التمويل والتجارة العالمية.

وهنالك مخاوف أبداها صندوق النقد الدولي من ارتفاع معدل الفائدة الأميركية على الأسواق الناشئة، فالعديد من دول العالم النامي في آسيا استدانت بكثافة بالدولار لمواجهة أزمة كورونا خلال العام 2020 لتغطية كلف الإنفاق خلال شهور الإغلاق وتعويض الشركات، كما أنّ الدول التي تعتمد على مداخيل السياحة قد تعرضت لانتكاسة كبيرة.

على صعيد الاقتصاد الصيني الذي يقدر حجمه بنحو 13.5 تريليون دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي، فقد دخل العام الجديد بمجموعة من التحديات على رأسها أزمة شركات التطوير العقاري التي تأتي في صدارتها أزمة تعثر "إيفر غراند" التي لم تّحلّ بعد، وبالتالي فإنّ المستثمرين يراقبون بحذر سوق السندات الصينية، خاصة تلك الخاصة بشركات التطوير العقاري.

ويرى مصرف "مورغان ستانلي" الأميركي أنّ الحكومة الصينية تضغط على البنوك لمعالجة أزمة الديون العقارية تفادياً لحدوث عملية إفلاسات.

وتعكف البنوك الصينية على إعادة هيكلة الديون العقارية وتمديد فترة السماح في دفع الأقساط إلى حين حلّ أزمة الديون العقارية.
وشهدت الصين فورة عقارية غير مسبوقة منذ عام 2017 حتى منتصف العام الماضي 2020، حين بلغ حجم الاستثمار في العقارات السكنية بين يونيو/ حزيران من العام 2019 ويونيو من العام الماضي 2020 نحو 1.4 تريليون دولار، حسب بيانات صينية.

وهذه الفورة العقارية الصينية فاقت فورة العقارات الأميركية التي حدثت في بداية الألفية الثانية وارتفعت فيها الاستثمارات السنوية إلى 900 مليار دولار.

"مورغان ستانلي": الحكومة الصينية تضغط على البنوك لمعالجة أزمة الديون العقارية تفادياً لحدوث عملية إفلاسات

وحسب بيانات مجموعة "غولدمان ساكس" المصرفية الأميركية، رفعت هذه الفورة المصحوبة بموجة مضاربات جنونية حجم سوق الإسكان في الصين إلى نحو 52 تريليون دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد الصيني المقدر بنحو 13.5 تريليون دولار.

والسوق الصيني بهذا الحجم بات يساوي ضعفي سوق الإسكان الأميركي وأكبر من سوق السندات الأميركية المقدرة بنحو 40 تريليون دولار.
وحتى تفشي جائحة كورونا في العام الماضي لم يتوقف نمو سوق العقارات بالصين، وبالتالي فإنّ المستثمرين يراقبون معالجة الحكومة الصينية لسوق السندات العقارية خلال العام الجاري.

المساهمون