تحذيرات من أجواء غائمة

08 يونيو 2022
الرئيس بايدن يجتمع مع رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي جيروم باول (getty)
+ الخط -

على الرغم من الارتفاعات القوية لمؤشرات الأسهم الأميركية خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وإظهار محضر اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الأسبوع الماضي، وجود احتمالات للاكتفاء برفع معدلات الفائدة خمسين نقطة أساس، نصف في المائة، في كل من اجتماعي يونيو/ حزيران الحالي ويوليو/ تموز القادم، ومن ثم الاقتراب من تحقيق الهبوط الآمن المنشود، توالت التحذيرات من كبار الاقتصاديين الأميركيين من "أجواء غائمة" قد تتعرض لها "وول ستريت" خلال الأسابيع القادمة.

وبعد أسبوع واحد من تصريحه الذي قال فيه إنه يرى "سحب عواصف في الأفق الاقتصادي لم تصل بعد إلى قوة الإعصار"، عاد جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس الاستثماري، ورئيس البنك الأميركي الوحيد الباقي بمنصبه من قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وحتى الآن، ليؤكد، يوم الأربعاء الماضي، أن ما يراه الآن هو "سحب عواصف كبيرة، تحولت إلى إعصار".

وأضاف رئيس أكبر بنك في أميركا من حيث حجم الأصول: "هذا الإعصار موجود هناك على الطريق قادماً في طريقنا، ونحن لا نعرف ما إذا كانت عاصفة صغيرة أم هي العاصفة الخارقة ساندي"، على اسم إعصار قوي ضرب بعض الولايات الأميركية عام 2012، وتسبب في مقتل 233 شخصاً، وكبد أميركا خسائر تقترب من 70 مليار دولار"، مطالباً المشاركين في مؤتمر نظمه مركز الأبحاث أوتونوموس ريسيرش بالاستعداد.

وبعد اندهاش الكثيرين من تزايد النبرة المتشائمة بهذه الحدة للرجل المتفائل دائماً في غضون أيام قليلة، قال بنكه في بيان إن "رؤية جيمي الأخيرة للاقتصاد تتماشى مع ما قاله قبل أسبوع، حين أكد أن هناك مجموعة كبيرة من السيناريوهات الاقتصادية المحتملة".

وخلال المؤتمر نفسه، وافق بريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، سلفه، إلا أنه أشار إلى أنهم في مدينة تشارلوت بولاية كارولينا الشمالية، حيث يوجد المقر الرئيسي لبنكه، "التي تتعرض للأعاصير كل عام"، دائماً على استعداد لاستقبالها، حيث لا يوجد لديهم خيار آخر.

والأسبوع الماضي، اعتبر جون والدرون، رئيس بنك غولدمان ساكس الاستثماري، أن الفترة الحالية "تعد من أكثر الفترات تعقيداً وديناميكية، إن لم تكن أكثرها على الإطلاق" التي عاصرها في حياته العملية، مشيراً إلى أن "تعرض الاقتصاد الأميركي والعالمي لهذا القدر من الصدمات القوية هو أمر غير مسبوق" بالنسبة له.

وامتنع بيل ديمشاك، الرئيس التنفيذي لبنك PNC، الذي يدير أكثر من خمسمائة مليار دولار من الأصول، عن إصدار أي "نشرات مناخية" عن حالة الاقتصاد في بلاده، إلا أنه أكد أنه يرى الاقتصاد "متجهاً نحو الأسوأ" خلال الفترة القادمة، متوقعاً حدوث ركود "لا محالة". وقال ديمشاك إن الأمر لن يتطور إلى حالة "الإعصار"، وإنما سيكون هناك "تباطؤ اقتصادي ملحوظ".

لم تأت التصريحات المتشائمة من رؤساء البنوك فحسب، وإنما انضم إليهم العديد من الرؤساء التنفيذيين بشركات أميركية كبرى، وعلى رأسهم إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، التي تصنع السيارات الكهربائية، والذي يستعد للاستحواذ على شركة تويتر، حيث قال إن لديه "إحساساً سيئاً للغاية" نحو الاقتصاد الأميركي، مؤكداً نيته تسريح ما يقرب من عشرة بالمائة من العمالة لدى شركة تسلا، إلا أنه تراجع عن القرار في وقت لاحق.

لم تأت التصريحات المتشائمة من رؤساء البنوك فحسب، وإنما انضم إليهم العديد من الرؤساء التنفيذيين بشركات أميركية كبرى، وعلى رأسهم إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم

لا يمكن أن تمر هذه التوقعات ببساطة، حتى لو كنا لا نتفق معها. فهؤلاء الرجال يقودون مؤسسات مالية وشركات ضخمة، وتؤثر قراراتهم ومخاوفهم في المناخ الاقتصادي العالمي شئنا أم أبينا.

ولو نظرنا إلى جيمي دايمون على سبيل المثال، وبخلاف كونه الوحيد الباقي بمنصبه بعد الأزمة المالية العالمية، يجب أن نتذكر أن هذا الرجل كان له دور كبير في تجاوز الاقتصاد الأميركي الأزمة المالية العالمية في 2008، حين أوكلت له بصفة غير رسمية مهمة إنقاذ العديد من البنوك التي كانت على وشك الانهيار، فقام بنكه بشراء بنك الاستثمار بير ستيرنز، وبنك المدخرات والقروض واشنطن ميوتوال، وساهم في تخفيف مخاطر انهيار النظام المصرفي الأميركي برمته.

وفي 2020، وفي أعقاب ظهور وانتشار فيروس كوفيد-19 في الأراضي الأميركية، اجتمع جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، بعدد قليل من رؤساء المؤسسات المالية والشركات الأميركية، كان في مقدمتهم دايمون، بهدف استطلاع رأيهم في كيفية التعامل مع الأزمة التي كانت آثارها الأولى قد بدأت في الظهور في الأسواق المالية.

والآخرون ليسوا بعيدين عن دايمون في قدراتهم، حيث يديرون مؤسسات ضخمة أيضاً، وإيلون ماسك تحديداً تمكن من تحريك أسواق الأسهم والسندات في العديد من المناسبات، بتغيرات في قيمها تصل لعشرات المليارات من الدولارات، ببضع كلمات نطق بها، أو وضعها على حسابه على تويتر، فهل يمكن تجاهل تحذيراتهم؟

منذ بداية الألفية، مرت على العالم العديد من الأزمات القوية التي عصفت بأسواق المال، وتسببت في تبخر مئات المليارات من الدولارات من قيم الشركات، إلا أن الأمر ربما يكون مختلفاً هذه المرة. ففي المرات السابقة، كانت المصائب الأكبر تلحق بالشركات الكبرى والمؤسسات المالية، بينما كان الأفراد من متوسطي ومنخفضي الدخول في وضعٍ أفضل.

لكن النسبة الأكبر من الغيوم التي رآها هؤلاء في سماء الاقتصاد العالمي هذه المرة كانت مرتبطة بأسعار وقود السيارات، وتكاليف الكهرباء والغاز، وارتفاع أسعار الغذاء، وكلها مما يصيب الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل في مقتل، ويقربها من التعرض للأزمات.

لا تبدو الأزمة الأوكرانية قريبة من الحل، وحتى في حالة حلها، لن تكون الأرض الزراعية كما كانت، ولن تزرع أو تحصد المحاصيل كما كان يحدث قبل الغزو الروسي.

وهو ما يعني أنه مع استمرار العقوبات المفروضة على روسيا، فإن أزمة نقص إمدادات الغذاء ستبقى مستمرة معنا لبعض الوقت، وستنعكس تأثيراتها على أغلب أسواق واقتصادات العالم، وهو ما يفرض ضرورة التحلي بالحكمة، والاستعانة بالخبراء، من أجل ترتيب الأولويات بصورة صحيحة، حتى لا نضاعف من التأثيرات السلبية لتلك الأزمات.

المساهمون