يسود الجدل في العراق عادة حول المبالغ التي تتسرب من البلاد والتي تقدر بما بين 62 مليارا و70 مليار دولار سنوياً، أغلبها ضمن أنشطة الاستيراد للقطاعين الخاص والعام، وذلك من دون التطرق إلى حجم ما يدخل البلاد من عملة صعبة خارج إطار عملاق تصدير النفط العراقي "سومو".
ولا تصدر السلطات المالية العراقية أي بيانات سنوية عن حجم الأموال الداخلة إلى البلاد من عمليات التحويل من المغتربين البالغ عددهم نحو 5 ملايين شخص أغلبهم تركوا البلاد عقب الغزو الأميركي عام 2003. لكن مركز دراسات اقتصادية في بغداد كشف عن أرقام تقديرية لتلك التحويلات.
إذ وفقاً لرئيس مؤسسة "عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية"، منار العبيدي فإن "مجمل تحويلات العراقيين المقيمين في الخارج إلى داخل البلاد بلغ أكثر من 6 مليارات دولار بين عامي 2012 و2019 بمعدل 750 مليون دولار سنوياً"، مبينا أن "ذلك يمثل حوالي 0.5 في المائة من مجمل الناتج المحلي العراقي".
وقال العبيدي إن أعلى قيمة للتحويلات تحققت في عام 2017 حين بلغت التحويلات مليار دولار، معتبرا أن "ضعف المنظومة المصرفية في العراق أدى الى تقليل نسبة الأموال المحولة من مختلف الدول، بالإضافة الى استخدام طرق غير رسمية في تحويل الأموال، ما يُبقي أرقام التحويلات تقديرية".
وأكد مسؤول في وزارة المالية العراقية في بغداد، أن الأرقام المرتبطة بتحويلات المغتربين تخمينية وتحتمل أن تكون مختلفة كثيراً عن الواقع".
ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى وجود منافذ كثيرة غير مرصودة يتم من خلالها تحويل الأموال إلى العراق "وهي بالعادة تتم عبر شركات غير مرخصة تستخدم لتحويل أموال المغتربين إلى ذويهم لإعانتهم خلال الوضع الاقتصادي المعروف في العراق".
في المقابل، اعتبر عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد الصفار في حديث مع "العربي الجديد"، أن كمية العملة الصعبة التي تدخل للعراق لا تمثل شيئا أمام ما يخرج منه.
ضعف الثقة بالبنوك وقلة الثقافة البنكية في العراق جعلا الناس تلجأ الى ادخار أموالها في المنازل
وشرح أن ضعف الثقة بالبنوك وقلة الثقافة البنكية في العراق جعلا الناس "تلجأ الى ادخار أموالها في المنازل، ما يجعل مسألة التحويلات من الخارج صعبة الرصد وأيضا لا تدخل ضمن الموارد النشطة في البلاد".
بدوره، أوضح الخبير بالشأن الاقتصادي العراقي باسم أنطوان أن "الحوالات المالية تدخل ضمن القوة الشرائية للأفراد المستفيدين منها فقط، ولا يمكن اعتبارها مردوداً وطنياً، ثم إن البيئة الاستثمارية في قطاع المال تحديدا غير ناضجة في العراق، على عكس ما يجري في بعض الدول الأخرى التي تدخل حوالات الأفراد من الخارج ضمن موارد البلاد الأساسية".
وتحدث أنطوان عما وصفه بـ “شرخ واسع" بين المصارف والمواطنين، حيث هناك تجارب مع بعض المصارف أجبرت المواطن على تخزين أمواله في المنزل بدلاً من أن تدخل المنظومة المصرفية، وتكون جزءاً من الدورة الاقتصادية".
وأشار إلى أن "الثقة بين الحكومة من جهة وبين المواطنين ورجال الأعمال من جهة أخرى مفقودة هي الأخرى، وبالتالي يجب إجراء إصلاحات في هذا الإطار وخلق مغريات، منها رفع سعر الفائدة مثلاً".