تخفيضات وهمية لتصريف السلع المكدسة في اليمن
دأب تجار ومراكز وقطاعات أعمال في اليمن على انتهاج سياسة تسويقية في بعض المواسم التجارية والاستهلاكية كشهر رمضان لإغراء وجذب المستهلكين لتصريف بضائع وسلع، خصوصاً التي تظل مكدسة لديهم طوال العام، ويجدون فرصة في مثل هذه المناسبات لتسويقها.
وترفع هذه القطاعات التجارية من بداية شهر رمضان شعار التخفيضات على واجهات المحال التجارية والمولات التي يلاحظ انتشارها بشكل لافت في أهم المدن اليمنية مثل صنعاء وعدن وتعز وإب وحضرموت، في صورة تثير عديد التساؤلات في أوساط خبراء ومتعاملين في الأسواق حول تنامي مثل هذه الاستثمارات في مثل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الحرجة.
ودشنت قطاعات ومحال ومراكز تجارية في صنعاء وعديد المدن اليمنية موسم التخفيضات السنوي كما اعتادوا سنوياً في شهر رمضان، ويمتد ذلك إلى ما بعد عيد الأضحى، إذ تتراوح نسب التخفيضات ما بين 20% و50%، وتشمل مختلف السلع كالملابس والأدوات المنزلية والحلويات والمواد الغذائية والاستهلاكية والأجهزة الإلكترونية والكهربائية، فيما تدشن بعض هذه القطاعات في هذا الموسم التجاري المسابقات التي ترافق ما تروج له من تخفيضات كتقديم جوائز عينية ونقدية لجذب المستهلكين.
ويصف مواطنون جسوا نبض الأسواق خلال الأيام الماضية أن ما يتم رفعه من شعارات ولافتات التخفيضات في الغالب ليست أكثر من مجرر وهم و"ذر الرماد على العيون" وفق حديث المواطن وضاح النقيب، الذي كان يتجول مع عائلته في أحد المولات الجديدة في العاصمة اليمنية صنعاء.
يضيف النقيب لـ"العربي الجديد"، أن الأسعار تفوق الوصف، وما يتم الإعلان عنه من تخفيضات لبعض السلع المتداولة بنسب ضئيلة جداً وعبارة عن تخفيض ضئيل لهامش الربح الضخم الذي دأبوا على وضعه.
يتفق معه المواطن باسل القعطبي، من سكان مدينة عدن جنوب اليمن، مؤكداً أن هذه الأساليب التسويقية والترويجية كالتخفيضات عبارة عن كذبة لا تمت للواقع بصلة، إذ تحولت في ظل هذه الظروف الصعبة كما يؤكد لـ"العربي الجديد"، إلى نوع من الاستغلال التجاري حسب ما يلاحظ هذا المواطن في مدينة عدن.
وقال: "إنه في الوقت الذي يكابدون فيه كمواطنين مشقات معيشية شاقة وانخفاضا في السيولة المالية وسط غلاء فاحش يشمل جميع السلع، تنتشر مثل هذه المشاريع التجارية والاستثمارية بصورة متواصلة ومريبة".
هذه القطاعات التجارية والمولات يعزو خبراء ومتعاملون في الأسواق عملية انتشارها إلى كونها استثمارات وتجارة حرب بالنظر إلى الأموال الضخمة التي تجتذبها، فيما تجد الفئة التي تستهدفها من الطبقات الثرية التي شكلتها الحرب والتي زادتها الأوضاع الراهنة ثراءً بما تتوفر لديها من سيولة مالية كبيرة تضخ جزءا منها في عملية التسوق والتبضع تتركز معظمها في سلع كمالية غير ضرورية.
ترجح تقديرات اقتصادية أن 26.5% من الأسر خفضت الإنفاق على التعليم والصحة وسحبت أولادها من المدارس، فيما وجد أن كثيرا من الأسر، بنسبة 50%، تشتري الغذاء بالائتمان، في حين اضطر 16.5% إلى بيع من أثاث المنزل لتوفير السيولة وشراء متطلباتهم المعيشية الضرورية، حسب دراسات حديثة.
ويقول نبيل المانعي، مشرف في أحد المولات في مدينة إب وسط اليمن لـ"العربي الجديد"، إن هذه القطاعات التجارية ساهمت في توفير عديد الخيارات للمستهلكين بحسب مستوياتهم المعيشية في الأسعار وعروض مناسبة لكافة الشرائح بحسب الدخل، إلى جانب ما تقدمه في بعض المواسم التجارية من عروض وتخفيضات تتجاوز نسبتها 50% في بعض السلع والتي تحظى حسب حديثه، باهتمام كبير من المواطنين الذين يجدون في مثل هذه المواسم وعروض التخفيضات فرصة لاقتناء بعض السلع الضرورية والتي يعجزون عن شرائها في الشهور الأخرى.
في نفس الإطار، يلاحظ مراقبون تكدس سلع وبضائع، بعضها غذائية شارفت صلاحية بعضها على الانتهاء ومنها منتهية الصلاحية تعرض على أرصفة الشوارع بأسعار مخفضة بأكثر من نصف ثمنها المتداول بشكل رسمي، بهدف تصريفها للمستهلكين محدودي الدخل الذين يقومون بشرائها مضطرين.
وتؤكد فئة تجارية عريضة في صنعاء تضررها بشكل كبير من بعض الممارسات كالجبايات والإتاوات المرهقة، وأخرها ما تقوم السلطات المعنية في صنعاء من تنفيذه في تحصيل الزكاة بنسبة مرتفعة عن العام الماضي، الأمر الذي أثر على تواجدهم الفاعل في مواكبة الموسم التجارية.
وتتهم قطاعات تجارية سلطات الحوثيين بابتزازها بالجبايات المتواصلة ورسوم نقل البضائع، من خلال تعدد منافذ تحصيلها على امتداد خطوط نقل السلع من الموانئ الرئيسية العاملة في عدن جنوب اليمن إلى مختلف المناطق اليمنية.
ويجد المواطن اليمني الذي أرهقته الأزمات المعيشية والحرب الدائرة في اليمن نفسه ضحية لمثل هذه الصراعات التي لا تتوقف، إذ تجتاح الأسواق موجة من الارتفاعات السعرية في مختلف السلع والمنتجات الغذائية والاستهلاكية، انعكاساً لانهيار العملة والأزمات المتلاحقة في المشتقات النفطية والجبايات الواسعة والمتعددة التي يشكو منها القطاع التجاري، إلى جانب ما تتسم به الأسواق من اختلالات وممارسات ضاره كالاحتكار والغش والتقليد التجاري.