لا تزال تداعيات كورونا اقتصادياً تتوالى فصولاً مع اتساع دائرة انتشار جائحة هذا الفيروس القاتل، حيث تتراكم جبال الديون والخسائر، وتتخذ الحكومات والشركات تدابير تقشفية صارمة، وتبادر الدول إلى ضخ المليارات في مخططات إنقاذ لوقف نزيف الخسائر.
في السياق، أظهر مسح تعثر التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو في سبتمبر/ أيلول بسبب تراجع قطاع الخدمات المهيمن على اقتصاد التكتل نتيجة لإعادة فرض بعض القيود على الأنشطة للحيلولة دون انتشار جديد لفيروس كورونا، علماً أن من شأن ارتفاع معدلات العدوى في المنطقة، وهو ما خلص استطلاع أجرته رويترز الشهر الماضي إلى أنه أكبر تهديد للتعافي، إثارة قلق صناع السياسات الذين يحدوهم الأمل في أن اقتصاد التكتل يتعافى بعد انكماش تاريخي بلغ 11.8 بالمئة في الربع الثاني من العام.
ولدعم الاقتصاد، يعتزم البنك المركزي الأوروبي شراء أصول إضافية مرتبطة بالجائحة بقيمة 1.35 تريليون يورو، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن صندوق للتعافي حجمه 750 مليار يورو من المقرر إطلاقه العام المقبل. لكن هذا لم يمنع هبوط القراءة النهائية لمؤشر آي.إتش.إس ماركت المجمع لمديري المشتريات، الذي يعتبر مقياسا جيدا لمتانة الاقتصاد، إلى 50.4 في سبتمبر/ أيلول من 51.9 في أغسطس/ آب، ليقترب من مستوى 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش.
جاء التراجع تحت تأثير نزول مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات، الذي يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، والذي هبط إلى 48 من 50.5 في أغسطس/ آب، وإن كان هذا أفضل قليلاً من تقدير أولي عند 47.6.
وفي ألمانيا، أظهر مسح اليوم أن قطاع الخدمات لم يشهد نمواً في سبتمبر/ أيلول، لكن قوة قطاع الصناعات التحويلية ساعدت القطاع الخاص في أكبر اقتصاد في أوروبا في أن يظل على مسار يؤدي إلى تعاف متين في الربع الثالث. ونزلت القراءة النهائية لمؤشر آي.إتش.إس ماركت لمديري المشتريات بقطاع الخدمات إلى 50.6 من 52.5 في الشهر السابق.
وهذه القراءة، التي جاءت أعلى من قراءة أولية بلغت 49.1، تمثل زيادة لمؤشر قطاع الخدمات لثالث شهر على التوالي عن مستوى 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش. وصعدت القراءة النهائية لمؤشر مديري المشتريات، الذي يغطي قطاعي الخدمات والصناعات التحويلية، إلى 54.7 من 54.4 في الشهر السابق. وهي أعلى من قراءة أولية عند 53.7.
أما في بريطانيا، فقد أظهر مسح كبير اليوم أن اقتصاد البلاد أثبت الشهر الماضي أنه أكثر متانة مما كان يعتقد في البداية بالرغم من تشديد إجراءات العزل العام وتوقف إعانة حكومية مؤقتة لأنشطة مثل المطاعم والحانات. وهبط مؤشر آي.إتش.إس ماركت/سي.آي.بي.إس لمديري المشتريات بقطاع الخدمات، الذي لا يشمل تجارة التجزئة، إلى 56.1 في سبتمبر/ أيلول من ذروة 5 سنوات مسجلة في أغسطس/ آب عند 58.8، لكن التراجع كان أقل من تقدير قراءة أولية عند 55.1.
ونزل مؤشر مديري المشتريات المجمع، الذي يشمل بيانات الصناعة التحويلية الصادرة الأسبوع الماضي، إلى 56.5 من أعلى مستوى في ست سنوات المسجل في أغسطس/ آب عند 59.1، وهو أيضا تراجع أقل منه في قراءة أولية.
تراجع المعنويات الأوروبية
وأظهر مسح اليوم الاثنين تراجع معنويات المستثمرين في منطقة اليورو في أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما يوقف سلسلة خمسة أشهر متتالية من التحسن، وذلك في مؤشر على المخاوف حيال تزايد وتيرة حالات الإصابة بفيروس كورونا. ونزل مؤشر سنتكس لمنطقةاليورو إلى -8.3 من -8.0 في سبتمبر/ أيلول، وذلك بالمقارنة مع توقعات لرويترز لقراءة عند -9.5.
وارتفع مؤشر الوضع الراهن إلى -0.32 من -0.33 في الشهر السابق، ليسجل أعلى مستوى منذ مارس/ آذار حين فرضت ألمانيا إجراءات عزل وقيوداً اجتماعية لإبطاء وتيرة انتشار كوفيد-19. وتراجع مؤشر التوقعات إلى 18.8 من 20.8، وهو أقل مستوى منذ مايو/ أيار، في مؤشر على القلق حيال تنام محتمل للإصابات خلال أشهر الشتاء.
خسائر بريطانية بالمليارات
وفي المملكة المتحدة، كشفت تقديرات حديثة لـ"بيكر ماكينزي" عن أن بريطانيا قد تتكبد خسائر بمليارات الدولارات سنوياً لمدة عقد من الزمان بسبب جائحة "كورونا" والإخفاق في التوصل إلى اتفاق للبريكست مع الاتحاد الأوروبي، وفقاً لوكالة "رويترز".
وبحسب التقرير، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة قد يتكبد خسائر بقيمة 134 مليار إسترليني (174 مليار دولار) سنوياً على مدار 10 سنوات بسبب "بريكست" وجائحة كورونا.
وأوضح أن جائحة كورونا ستخفض الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا بنسبة 2.2 بالمئة أدنى المستويات المتوقعة قبل تفشي الفيروس، كما أن خروجها من الاتحاد الأوروبي حتى مع وجود صفقة تجارية من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1 بالمئة على المدى الطويل مقارنة بالسيناريو الافتراضي الذي يشير إلى استمرارها في التكتل الموحد. أما في حالة أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيتراجع 3.9% بالمئة على المدى الطويل.
علاج بالاستثمار
في المكسيك، أعلنت الحكومة خطة للاستثمار في البنية التحتية بنحو 14 مليار دولار اليوم الاثنين في إطار مساعي الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور لإصلاح العلاقات المتوترة مع رجال الأعمال وإقالة الاقتصاد من عثرته.
والحزمة المعلنة ممولة من القطاع الخاص بالكامل تقريبا، وهي أول مؤشر واضح على استعداد رجال الأعمال للاستثمار تحت رئاسة لوبيز أوبرادور منذ أوقعت جائحة فيروس كورونا ثاني أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية في ركود هو الأشد له منذ الكساد العظيم.
وأوضحت الحكومة أن الخطة تشمل نحو 39 مشروعاً من بينها إحياء مشروع خط قطارات بين مكسيكو سيتي ومدينة كيريتارو في وسط البلاد واستثمارات لشركة النفط الوطنية بيمكس. وكشف لوبيز أوبرادور عن الخطة، البالغة قيمتها أكثر من 297 مليار بيزو (13.83 مليار دولار) أثناء مؤتمر صحفي غلبت عليه نبرة تصالحية تجاه مجتمع رجال الأعمال.
ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد المكسيك بما يصل إلى 10 بالمئة أو أكثر هذا العام، بينما يكبح لوبيز أوبرادور الإنفاق العام للحيلولة دون الاستدانة.
إلغاء وظائف
وقالت شركة النفط الأميركية العملاقة "إكسون موبيل" إنها تعتزم خفض قوة العمل الأوروبية بما يصل إلى 1600 فرد في فروع الشركة المختلفة بنهاية 2021 في إطار مراجعة عالمية. وأوضحت "إكسون" أن مقدار الخفض في كل دولة سيتوقف على حجم نشاطها المحلي وأوضاع السوق، بعدما عصفت جائحة كوفيد-19 بالطلب على منتجاتها وعقب تراجع أسعار الخام.
وتسرح شركات نفط كبيرة موظفين وتخفض الإنفاق وتكبح توزيعات الأرباح بهدف توفير السيولة في ظل تكهنات قاتمة لأسعار الطاقة التي يُتوقع أن تظل ضعيفة لسنوات. وكانت إكسون أعلنت الشهر الماضي عن تسريح طوعي للعاملين في أستراليا وقالت إن خفض الوظائف سيستمر على مستوى العالم حتى 2021.
وأظهرت دراسة أجرتها "ديلوييت" أن 3 أرباع الوظائف التي فقدت في قطاع البترول والكيماويات بالولايات المتحدة لن تعود قبل نهاية العام المقبل. ووفقًا لما ذكرته "بلومبيرغ"، أوضحت الدراسة أن انهيار الطلب على النفط والأسعار تسبب في أسرع معدل لتسريح العمالة في صناعة النفط والكيماويات في التاريخ، إذ فقدت حوالي 107 آلاف وظيفة خلال الفترة من مارس/ آذار وحتى أغسطس/ آب.
وأوضح نائب رئيس مجلس إدارة "ديلوييت"، ومدير قسم النفط والغاز والكيماويات الأميركية "ديوان ديكسون" أن ذلك العدد ربما يكون أعلى عند الأخذ في الاعتبار الإجازات وتدابير أخرى. وتتوقع الشركة استعادة 30 بالمئة من الوظائف المفقودة بحلول نهاية 2021، مفترضة متوسط أسعار النفط عند نحو 45 دولاراً للبرميل وتراوح متوسط سعر الغاز الطبيعي عند 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارة بريطانية.
انكماش اقتصادي أردني
وفي الأردن، أظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد الأردن شهد انكماشاً بنسبة 3.6 بالمئة خلال الربع الثاني على أساس سنوي، مع تقلص النشاط بسبب جائحة كوفيد-19. وقال مسؤولون في دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إن هذا الانخفاض ربع السنوي في الناتج المحلي الإجمالي يعتبر أكبر انكماش اقتصادي تشهده المملكة خلال 20 عاماً.
وفرضت الحكومة في مارس/ آذار إجراءات صارمة للعزل العام لم يتعاف منها الاقتصاد بعد، بالرغم من أن معظم قطاعات الأعمال أعيد فتحها بشكل تدريجي منذ مايو/ أيار. وتتوقع الحكومة أن يشهد الاقتصاد انكماشاً بنسبة تربو على 5.5 بالمئة هذا العام، وهو أقل بكثير من تقديرات صندوق النقد الدولي التي توقعت نمواً بنسبة 2 بالمئة قبل تفشي الجائحة.
وسجلت معدلات البطالة مستوى قياسياً عند 23 بالمئة خلال الربع الثاني مع تسريح الموظفين وإعلان شركات إفلاسها، في حين زادت معدلات الفقر في بلد يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة وكان اقتصاده المعتمد على المساعدات يعاني بالفعل قبل هذه الأزمة.
تقليص ساعات العمل
وفي تونس، قال رئيس الوزراء هشام المشيشي إن السلطات التونسية ستحظر جميع التجمعات وتقلص ساعات عمل موظفي القطاع العام من أجل وقف الانتشار السريع لفيروس كورونا. ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن المشيشي قوله "تعديل توقيت العمل في الإدارات والمؤسسات العمومية باعتماد نظام الحصة الواحدة ونظام الفرق، ومنع جميع التجمعات والتظاهرات لما تحمله من مخاطر العدوى بكوفيد-19".
وتم اتخاذ القرار وسط مخاوف شديدة من أن المستشفيات في تونس لن تكون قادرة على استيعاب عدد كبير من المرضى بسبب نقص أسرة العناية المركزة. وقفز العدد الإجمالي لحالات الإصابة بفيروس كورونا ليتجاوز 20 ألفاً مقارنة بنحو ألف حالة قبل إعادة فتح حدود البلاد في 27 يونيو/ حزيران. وانكمش الاقتصاد التونسي المعتمد على السياحة بنسبة 21.6 بالمئة في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي نتيجة الجائحة وإجراءات الحد منها.
ارتفاع الديون
وفي ماليزيا، توقع وزير المالية تينجكو زافرول عزيز ارتفاع مستويات ديون ماليزيا، مع شروع الدولة في اتخاذ تدابير لدعم الشركات والمواطنين في مواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا. وقال: "نتوقع ارتفاع العجز المالي في ماليزيا هذا العام إلى ما يتراوح بين 5.8% و6%، مشيراً إلى أن عمليات الضخ المالي في الاقتصاد الماليزي بلغت حتى الآن حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أضاف: لا نزال نركز على المسؤولية المالية بالطبع، وتصل حاليًا نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 53%، ولكنها ستنهي العام عند 56%.